أما وقد شارفت معارك حلب على نهاياتها بانتصار ساحق لحلفاء النظام السوري؛ روسيا وإيران والميليشيات العراقية وحزب الله على كافة فصائل المعارضة السورية التي لم يبق أمام مَن تبقى منهم سوى إيجاد ممرات آمنة لانسحابهم من ميادين القتال.
 


وأيًا تكن المعركة القادمة فالاحتمالات تتجه نحو منطق الرقة؛ ومعركة الرقة قد تكون طويلة لسيطرة داعش عليها، إلا أنه أصبح في حكم المؤكد أن مشروع تقاسم سوريا يتكامل فصولًا، وأن سوريا المستقبل تختلف اختلافًا كليًا عن سوريا السابقة التي نعرفها. وأنّ دورها كدولة فاعلة في ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط قد انتهى جغرافيًا وسياسيًا، وأنه يتم تشكيلها على قواعد وأسس جديدة قد يكون من المبكر البناء عليها ورسم معالمها بوضوح. 
وقد تمكن الروس وحلفاؤهم من السيطرة على طريق الكاستيلو وهي المدخل الرئيسي الذي يربط مناطق سيطرة المسلحين بالجانب التركي والشريان الحيوي الاقتصادي والعسكري الذي يمد المنطقة الشرقية لمدينة حلب بوسائل الصمود في مواجهة النظام وحلفائه الذين استفادوا من مجموعة عوامل أبرزها:
أولًا : انشغال الأميركيين بالانتخابات الرئاسية وتردّد الإدارة الأميركية السابقة في معالجة الوضع في المنطقة بالقوة العسكرية وبالحنكة الدبلوماسية. 

ثانيًا: انكفاء الدول الغربية ومعهم الدول العربية وخصوصًا الدول الخليجية عن دعم المسلحين قبل الإطباق على مناطقهم وقطع أي اتصال بالخارج على مدى الأشهر الخمسة الماضية. 
ثالثًا: دخول تركيا في مساومة مع الروس على "جيب حلب" بغية تحقيق غايتها الكبرى بمنع قيام الكيان الكردي من كوباني إلى عفرين حيث تم السماح لأنقرة بتقليم أظافر الأكراد في المنطقة ووضع حد لطموحاتهم التي بدأت تنمو لقاء تخلي تركيا عن دعم مسلحي المعارضة السورية في المناطق الشرقية لمدينة حلب. 
وسوريا التي كانت يومًا قلب العروبة النابض والتي كانت تتباهى باستقلالها عن أي مؤثرات خارجية وسيادتها على كامل أراضيها فإنها فقدت هذه الخصوصية وقد يدوم هذا الأمر لعقود طويلة في ظل التطورات العسكرية الميدانية. 
ومن خلال نظرة على الخارطة السورية يمكن الخروج بجملة مشاهد تؤكد على سيطرة حلفاء النظام على مناطق استراتيجية عديدة وخروجها عن سيطرة الإرادة السورية فضلا عن خروج القرار السياسي عن هذه الإرادة المتمثلة سواء بالنظام أو بالمعارضة. 

إقرأ أيضا :  لمسات الخرائط القادمة...مصبوغة بدماء السوريين

فروسيا باتت تحتفظ بعدة قواعد عسكرية منها قاعدة حميميم التي تضم إلى جانب طائرات السوخوي ومقاتلات الميغ أكثر من ألفي جندي روسي ومجموعة صواريخ للدفاع الجوي وقاعدة تيفور بالقرب من حمص وقاعدة الشعيرات الجوية وقاعدة طرطوس التي يتم توسيعها؛ وهذه القواعد تضم أكثر من عشرين ألف جندي. 
أما الأميركيون وبعيدًا عن الضجيج الإعلامي وبكثير من السرية فقد أقاموا ست قواعد جوية في مناطق استراتيجية على الأراضي السورية وفي أماكن متفرّقة وأساسية ويستعدّون لبناء قاعدة سابعة، ولا يبدو أن الأميركيين سيغادرون سوريا عند انتهاء الحرب فيها. 
إيران من جهتها وبحكم تحالفها الاستراتيجي مع النظام السوري فإنها تشاركه بجميع القواعد العسكرية، ولا ترى نفسها بحاجة لإنشاء قواعد عسكرية خاصة بها. 
وكذلك تركيا فإنها تحتفظ بمدينة الباب بالاتفاق مع روسيا لضرب المشروع الكردي.
حتى حزب الله فإنه جعل من بلدة القصير الحدودية قاعدة له وحوّلها إلى مدرسة حربية ومركز للتدريب ونقطة تواصل عسكرية للحدود اللبنانية السورية. 
وعليه فإن معظم الأطراف الدولية والإقليمية التي انخرطت في الحرب السورية قد حققت انتصارات نسبية- كلٌّ حسب مشاركته- أما الخاسر الأكبر فهي سوريا أولًا، والعرب تاليًا بسبب تخاذلهم عن القيام بدورهم العربي وبواجبهم القومي، فضلًا عن خسارة السوريين لبلدهم.