فيما لم يَلُح في الأفق السياسي بعد أيّ مؤشّر على موعد إصدار مراسيم تأليف الحكومة الجديدة، بدأت أوساط سياسية تُبدي تشاؤماً في هذا الصدد مَبعَثه، في اعتقادها، خلفيات مجهولة يبدو أنها تتحكم بهذا الاستحقاق الحكومي.
 

تتداول الأوساط السياسية في هذه الأيام ثلاث نظريات في شأن مصير الاستحقاق الحكومي، الأولى تقول بتأليف الحكومة خلال الأيام الخمسة المقبلة، وعلى أبعد تقدير قبل حلول عيد الميلاد في 25 من الجاري، وهذه النظرية يتبنّاها «التيار الوطني الحر»، والنظرية الثانية يتبنّاها رئيس مجلس النواب نبيه بري وتقول ان تؤلف الحكومة سريعاً وإلّا فإنها ستتأخر طويلاً، أمّا النظرية الثالثة فتقول ان لا ولادة حكومية قريبة وأنها ستتأخر الى السنة الجديدة.

ويعتقد بعض المتابعين لحركة التأليف أنّ المشكلة ليست في توزيع بعض الحقائب وعقد تمثيل هذا الفريق أو ذاك، وإنما هي قصة «ما ورائيّات»، أي الخلفيات الكامنة خلف التعقيدات القائمة وهي تتصِل بإدارة البلاد في المرحلة المقبلة وسُبل تجسيد الشراكة الوطنية في صناعة القرار.

وفي أوساط «التيار الوطني الحر» كلام من أنّ الحكومة اذا لم تؤلّف خلال اليومين المقبلين فإنها لن تؤلّف قريباً، وفي هذه الحال سيكون لـ«التيار» موقف يُعلنه على الملأ.

وفي المقابل يسود أوساط تيار «المستقبل» ما يشبه «النقزَة» والخوف من «قُطَب مخفيّة» ربما تستهدف موقع الرئيس المكلف سعد الحريري لإبقائه «رئيساً مكلّفاً» الى أمد طويل. وبالتالي، إفقاد تكليفه مفعوله الدستوري. ويطرح «المستقبليون» في هذا الصدد أسئلة حول الجهة أو الجهات التي تقف خلف تأخير تأليف الحكومة.

وفي السياق نفسه يؤكد سياسيون أنّ تأخُّر التأليف، أو تأخيره، لا علاقة له بالمعركة التي يخوضها النظام السوري وحلفاؤه لاستعادة مدينة حلب وريفها من المعارضة المسلّحة، على حدّ ما يتكهّن البعض، ويقولون ان ليس هناك تفكير لدى أحد باستثمار نتائج هذه المعركة لبنانيّاً لأنّ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتكليف الحريري تأليف الحكومة كان نتاج تسوية إقليمية ـ دولية ـ محلية.

وبالتالي، فإنّ تأليف الحكومة ينبغي ان يكون ضمن روحية هذه التسوية التي لا غالب فيها ولا مغلوب، علماً انّ «حزب الله» المُشارِك في المعركة ليس لديه أيّ تفكير في الربط بين نتائج تلك المعركة وبين تأليف الحكومة، وهو ما أكّده أمينه العام السيد حسن نصرالله مساء أمس، بمعنى انّ الحزب ملتزم التسوية، ولو كان الأمر غير ذلك لَما كان قَبلَ بها وأيَّد تسمية الحريري لرئاسة الحكومة في الأساس.

وفي اعتقاد هؤلاء السياسيين أنّ تركيبة الحكومة يجب أن تَعكس روحيّة التسوية التي كانت أنتجَت إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتكليف الحريري. كذلك فإنّ هذه التسوية يجب ان تنسحب على بقية الاستحقاقات المقبلة وعلى رأسها الاستحقاق النيابي الذي سينتج توازنات سياسية جديدة يفترض ان لا تخرج هي الأخرى عن روحية التسوية الكبرى الأساس، علماً انّ ما بدأ يُنسج من تحالفات إنتخابية، وربما سياسية ايضاً، يثير لدى البعض شكوكاً في وجود نيّات لدى البعض لإحداث إخلال في التوازنات القائمة في البلاد ما قد يعيد إنتاج الأزمة مجدداً.

ولذلك، فإنّ تشديد رئيس الجمهورية، وكذلك رئيس مجلس النواب ومرجعيات وقوى سياسية أخرى على إقرار قانون انتخابي جديد إنما الغاية منه أن يأتي هذا القانون وفق منطوق التسوية، ما يعني انّ اعتماد النظام النسبي في القانون الانتخابي العتيد يكرّس تسوية اللاغالب واللامغلوب عبر تأمين المشاركة الشاملة للجميع في الندوة النيابية، فيما الاستمرار في اعتماد النظام الأكثري، والذي يكرّسه قانون «الستين» النافِذ، سَيخلّ بالتسوية ويُبقي على الأزمة، خصوصاً اذا تمكّن فريق، أو أفرقاء، من الفوز بالأكثرية النيابية في حال إجراء الانتخابات على أساس هذا «الستين».

ولهذا، بدأ بري يدقّ جرس الإنذار من الوصول الى هذا الواقع نتيجة التعطيل الجاري لتأليف الحكومة، وبالتالي تعطيل إمكانية إقرار قانون الانتخاب الذي يعتمد النظام النسبي، ووضع البلاد بين خيار الاستمرار في قانون الستين وما ينتجه من مخاطر وواقع يعوق بناء الدولة العادلة، وخيار الدخول في المجهول خصوصاً اذا تعذّر فعلياً إجراء الانتخابات التي باتت على الأبواب.