طريقة التعامل مع ما يجري في حلب اليوم توحي بأنّنا لم نفهم إلى الآن جوهر الصراع الجاري بشكل صحيح، فضلا عن أن ندرك أصل المشكلة الموجودة في سوريا.
 

يتعامل كثيرون مع الحدث باختزال شديد، وهو عنصر من عناصر الفشل المتلاحق والمتتابع لأنصار هذا التيار الذي يختزل القضية بمعارك هنا وهناك على الأرض السورية. 

حتى نستطيع أن نرى ما يحصل بوضوح، علينا الارتقاء قليلا، فسوريا ليست قضية سنة أو سنتين، والثورة السورية ليست معركة مدينة هنا أو قرية هناك. صحيح أن ما جرى ويجري في حلب هو كارثة بكل المقاييس، وكارثة إنسانيّة قبل كل شيء، صحيح أنّ السماح للأسد و إيران وروسيا باحتلال المدينة مرّة أخرى أمر يتحمّل مسؤوليته الجميع (فصائل، ودول داعمة، والولايات المتّحدة الامريكية)، لكن من قال إنّ خسارة المعارضة هناك تعني إستتباب الأمر لنظام الأسد؟

وضع الأسد ليس أفضل حالاً من وضع المعارضة، لقد فقد زمام الامور منذ زمن بعيد، ولم يعد جزءاً من المعادلة، وما يجري منذ مدة هو محاولة لإيقافه على قدميه، ولتحقيق ذلك فهو سيحتاج إلى أكثر من مجرّد احتلال المدن وإفراغها من سكّانها أو قتلهم. 

هناك علاقة عكسية بين تركيز الأسد وحلفائه على تدمير المعارضة المسلحة المعتدلة، وبين صعود الإرهاب والتطرف والطائفية. النظام وحلفاؤه يعملون منذ مدةّ على التدمير الممنهج والزاحف للمعارضة السورية المسلحة المعتدلة، وهذا يعني أنّهم سيحصلون في المقابل على مزيد من الإرهاب والتطرف والطائفية. 

يعتقد النظام وداعموه أنّه بالإمكان تخيير الغرب في هذه الحالة بين الأسد وبين الإرهاب، وهو ما حصل بالفعل حتى الآن، لكن نتيجة مثل هذه اللعبة تقول عادة إنّه من الصعب جداً على أي نظام أن يربح المعركة، ولأنّ الحقيقة تشير إلى أنّ الأسد وبيئته وحلفاءه أقليّة في نهاية المطاف، فإن قدرة الأغلبية على إطالة المعركة ستحرمه من أي انتصار حاسم.

ما يجري في سوريا هو صراع طويل الأمد، متداخل المستويات، والمسألة ليس مسألة شهر أو شهرين، أو حتى سنة أو سنتين، الموضوع سيطول، وعليه فإن كل المعارك الجارية هي مجرّد تسجيل نقاط ومحاولة لاكتساب شرعيّة، وتحسين وضع التفاوض. الانتصارات التي يتم تسجيلها للطرفين ضد بعضهما البعض قابلة للانعكاس لأنّها انتصارات ذات طابع تكتيكي. 

كل انتصار عسكري للمعارضة على الأرض لا يحظى بغطاء جوي قوي وفعّال ويتم على إثره إنشاء حظر جوي، سيكون مجرّد انتصار آني. وفي المقابل، فإنّ نظام الأسد لا يتمتع بالقوّة البشرية اللازمة لإدامة سيطرته المباشرة على الأرض، ولذلك فإن انتصاراته تحظى بالطابع المؤقت، ومن الممكن عكسها بشكل سريع إذا ما توافرت المعطيات اللازمة لذلك.
 
لا أحد من داعمي الأسد قادر على أن يبقي دعمه له مفتوحا إلى فترة غير محدودة، وهذا الكلام ينطبق على الجانب الروسي والإيراني.  ما يجري الآن هو أنّ الأسد وحلفاءه يحاولون حسم الموقف في حلب بانتصار ليكونوا في موقع أفضل في المرحلة القادمة سواء إزاء الادارة ألأمريكية الجديدة أو إزاء أي محاولة محتملة لإعادة إحياء العملية السياسية. 

إذا ما بقيت المعارضة السورية المسلّحة متعددة، متشرذمة، متضخمة، فإنها ستبقى تنزف، و إلى أن تصبح جسدا كبيرا أو جسدا واحدا، فإنها لن تحقق الكثير . أمّا الدول الإقليمية، فهي بطيئة ولا تأخذ زمام المبادرة، وليس لها قبل بمواجهة روسيا، ولديها تحدّياتها الخاصة التي لا تقل عن تحدي الأزمة السورية، ولذلك يبقى الموقف الأمريكي للأسف هو الأهم والأكثر حسماً في المعادلة. 

موقف إدارة ترامب التي ستستلم مهامها بداية الشهر القادم، هو الذي سيقرر مسار المرحلة المقبلة في سوريا، لكن علينا أن نساعد أنفسنا أولاً إذا ما أردنا للآخرين أن يساعدونا. ما جرى ويجري في حلب، درس كبير للجميع، علينا استيعابه والعمل على ضوء الدروس والعبرة المستقاة منه.