قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطاب ألقاه الخميس الماضي، إن الولايات المتحدة ستنسحب قريبا من سوريا، وستترك للآخرين أن يهتموا بهذا الأمر، بعد أن هزمت القوات الأمريكية داعش بشكل كامل وبوتيرة متسارعة.
 

ولفت إلى أن القوات الأمريكية متواجدة في سوريا من أجل سبب واحد، التخلّص من "داعش"، وليس لأي سبب آخر، وأن هزيمة التنظيم تعني انتهاء المهمة، وإتاحة الفرصة للقوات الأمريكية للعودة للوطن، على حد قوله.
 
وتسبّب هذا التصريح بلغط شديد، خاصة أنه لم يكن هناك أي مقدمات لمثل هذا الموقف. وعلى الرغم من أن الكلام صادر عن شخصية غير متّزنة، وفق تقييم الكثيرين، إلا أن أحدا لم يكن يتوقعه. 

بالنسبة إلى بعض الخبراء، فقد كان الأمر بمثابة قنبلة دخانية أراد ترامب أن يسجل من خلالها بعض النقاط، لذلك لم يعر هؤلاء الخبر أهمية كبرى، على اعتبار أن مصداقيته مشكوك فيها.
 
لكن، سرعان ما تغير الأمر، عندما نقلت بعض وسائل الإعلام، بالتزامن مع هذا الخبر، تقارير عن نية فرنسا إرسال قوات عسكرية تابعة لها إلى مدينة منبج السورية، حيث تم ربط ذلك بتصريح الرئيس ترامب، الذي يقول فيه إن آخرين سيتولون المهمة. 

وعلى الفور، نفت وزارة الخارجية الأمريكية ما صرّح به الرئيس، مؤكدة بأنه لا علم لها بأي خطط لسحب القوات الأمريكية من سوريا.
 
التضارب في المواقف بين الرئيس الأمريكي وباقي المؤسسات الأمريكية ليس جديدا، فهو سمة بارزة من سمات عهد ترامب الذي بدأ قبل عام ونيّف، لكنّ الجديد أن التصريح يأتي بعد أيام قليلة من حملة الطرد والإقالات التي شنها الرئيس الأمريكي داخل إدارته، التي شملت مسؤولين بارزين على رأسهم وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر.
 
وفقا لمعهد بروكنجز، فقد سجّل ترمب نسبة قياسية في معدل استبدال الموظفين بلغت 34 في المئة، أي ضعف تلك التي سجلها الرئيس السابق رونالد ريغان، وأكثر من ثلاثة أضعاف النسبة التي سجّلها الرئيس أوباما، التي بلغت 9 في المئة. 

أمّا إذا أضفنا الشهرين الأخيرين إلى الحسبة، فإن نسبة استبدال ترامب للموظفين في المستوى الأول تكون قد بلغت 14 في المئة، أي أن ما مجموعه 48 في المئة من موظفي البيت الأبيض إما أقيلوا من قبله، أو تم دفعهم للاستقالة أو تغيير مناصبهم.
 
كان من المفترض بهذه الإقالات أن تؤدي إلى ولادة إدارة أمريكية منسجمة وتعكس سياسات موحدة وترسل رسائل موحدة أيضا، أو على الأقل هذا ما أوحى به ترامب عند إقالة المسؤولين الذين كان لديهم رؤى مختلفة عما يطرحه هو في عدد من الملفات المهمة. 

وفي هذا السياق، فقد ألقى تصريح ترامب الأخير المتعلق بسوريا الكثير من الشكوك حول قدرة هذه الإدارة على التعبير عن نفسها بصوت واحد أو سياسة واحدة، كما أنها زادت من صحة النظرية التي تقول بأن وزير الدفاع الأمريكي ماتيس لن يبقى طويلا في منصبه.
 
فضلا عن ذلك، فإن التصريح بحد ذاته غريب عن الواقع الذي يقول إن تنظيم "داعش" لم يُهزم تماما بعد، فلا تزال لديه جيوب في سوريا. 

كما أن الكلام عن انسحاب قريب جدا يتناقض مع المعلومات التي تقول بأن الولايات المتّحدة شرعت في بناء قواعد عسكرية في سوريا مؤخرا.

على كل حال، من غير المعروف ماذا كان ترمب يقصد بالضبط في تصريحه، لكن أي خطوة عشوائية من هذا القبيل قد تترك انعكاسات غير مرغوب بها، وتتعارض مع التصريحات الأمريكية بخصوص السياسات المتشددة القادمة تجاه إيران وروسيا.