صُمَّت آذانُ اللبنانيين من الحديث عن العُقَد التي تعترض تأليفَ الحكومة، على رغم اقتناع كثيرين بأنّ خلف هذه العُقَد ما هو أشدّ تعقيداً منها ويَحول فعلاً دون الولادة الحكومية.
 

ليس قانون الانتخاب الموعود وحدَه «عُقدة العُقد» المتولّدة من التنازع بين الداعين الى إقرار قانون جديد قبل الانتخابات وبين العاملين للإبقاء على قانون الستين الذي يؤخر تأليف الحكومة، وإنّما النزاع على مَن سيخلف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الرئاسة بعد انتهاء ولايته، وهو نزاع مُبكر جداً لأنّ الرئيس باقٍ ستّ سنوات في قصر بعبدا، وحتى ذلك الحين «يخلق الله ما لاتعلمون»...

وبمعنى آخر هناك نزاع على مَن يكون «وليّ العهد»، وربما «ولي ولي العهد» من الآن، فعُقدة تمثيل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وحصة «التيار الوطني الحر» المعطوفة على حصة رئيس الجمهورية، وحصة «القوات اللبنانية»، التي يعتبرها البعض «ضخمة أو متضخّمة»، كلّها تخفي في مطاويها ذلك النزاع على ولاية العهد الرئاسي، في اعتبار أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل يرغب في ان يكون الرئيس القادم، وكذلك فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ولذلك، مهما كانت طبيعة الحلّ لأزمة تأليف الحكومة فإنها لن توقفَ ذلك «النزاع الرئاسي» المبكر، إذا جاز التعبير، بين باسيل وفرنجيّة وجعجع، والذي تشير التوقعات والمواقف الى أنه سيدوم طوال عمر العهد الى ان يكتب الله أمراً كان مفعولا.

فرنجية الطامح لتمثيله في الحكومة بوزارة أساسية، اي خدماتية، يعتبر أنّ «ولاية العهد» الرئاسي هي من حقّه لأنّه كان قابَ قوسين أو أدنى من انتخابه رئيساً للجمهورية لو لم يلتزم تحالفه مع حزب الله بعدم حضور جلسات الانتخاب طالما لا ينتخب فيها عون، وذلك ايام مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيحه، إذ إنه لو نزل يومذاك الى ساحة النجمة لانتخبَته الكتل المؤيّدة له والنواب المستقلون رئيساً من دون أن يكون في حاجة الى أصوات كتل «التغيير والإصلاح» و«الوفاء للمقاومة» و«القوات اللبنانية».

ولذلك فإنّ فرنجية يعتبر أنه كان له دور «مميّز وحيوي جداً» في انتخاب عون على رغم الخلاف القائم بينهما، وعلى رغم أنه وكتلتَه قد اقترعوا مع آخرين بأوراق بيض، كذلك فإنّ حلفاءه الذين يُقدّرون له هذا الموقف لا يرتضون له بغير حقيبة وازنة في الحكومة، وعلى رأس هؤلاء حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وهما يتعاطيان معه على أنه مرشّحهم المفضّل لرئاسة الجمهورية في العهد المقبل.

ولكن فرنجية الراغب في تعزيز حضوره السياسي وتفعيله، يؤرقه «تفاهم معراب» وما بدأ يفرضه من مفاعيل والتزامات على عهد عون، إذ يَعتبر انّ هذا التفاهم الذي يَرقى الى التحالف بين الجانبين إنّما يستهدف إقصاءَه رئاسياً وسياسياً على المستويين المسيحي والوطني.

ولذلك يبدو لكثيرين انّ هناك استحالة في ولادة الحكومة ما لم يُعطَ فرنجية حقيبة فيها تقيهِ «غدرات الزمن» الآتي، خصوصاً أنّه يجد نفسَه في مواجهة تحالفٍ انتخابي «عوني» ـ «قواتي» في الانتخابات المقبلة يستهدف شطبَه من المعادلة السياسية عموماً، وبالتالي إفقاده «أحقّيته» بالرئاسة بعد عون.

أمّا جعجع من جهته، فهو يتصرّف على اساس انه كانت له اليدَ الطولى في وصول عون الى رئاسة الجمهورية، ويروّج مؤيّدون له انّ ضمن «تفاهم معراب» الشهير اتّفاقاً على ان يكون هو مرشح «التيار الحر» و»القوات» لرئاسة الجمهورية بعد عون.

ولذلك فإنّ الرَجل يعمل للاستثمار في العهد ما استطاع الى ذلك سبيلاً عبر مشاركة كبيرة في حكوماته بما يَخدم طموحه الرئاسي، وطبيعي ان يكون من بين اهدافه تقديم فرصته على فرص المرشحين الذين يمكن ان ينافسوه، وعلى رأسهم فرنجية.

ولذلك قد لايستسيغ جعجع إعطاء فرنجية حقيبةً وزارية وازنة تعزّز رصيده السياسي والشعبي، بل ربّما يتمنى ان لا يتمثّل الأخير في الحكومة، علماً انّ كثيرين يعتبرون انّ جعجع عندما رشّح عون، إنّما أراد بهذا الترشيح قطعَ طريق بعبدا أمام فرنجية تحديداً.

أمّا باسيل الذي يَعتبر كثيرون أنه «طامح بقوة» لخلافة عون في الرئاسة، فلديه حساباته السياسية والرئاسية الخاصة، إذ سيغتنم وجوده كأبرز «رجال العهد» للاستثمار فيه الى اقصى الحدود بغية تمهيدِ الأرضية السياسية المحلية والإقليمة والدولية ليكون المرشّح الأبرز لرئاسة الجمهورية في العام 2022.

ولذلك، لن يتردد في اغتنام موقعِه لتعزيز «فرصته الرئاسية» وتغليبِها على فرص الآخرين، ومِن دون أن يحيدَ عن التحالف مع حزب الله مستفيداً من تجربة عون في هذا المجال، علّه يفوز بـ»وعد صادق» يوصله إلى كرسي الرئاسة، مع فارق أنّ الحزب لم يعِده بأيّ دعم، ويحرص على رعاية فرنجية ودعمِه في اعتباره حليفاً استراتيجياً كان يمكن أن يُنتَخَب رئيسا لو أنّ الظروف حالت لسبب أو لآخر دون انتخاب عون.