تزاحمت عشية احياء لبنان الذكرى الـ 73 لاستقلاله دلالات المواقف السياسية الداخلية من الذكرى ومن مأزق تعثر تأليف الحكومة الجديدة التي ستكون الغائب الأكبر عن مشهدية "عودة الدولة" عبر العرض العسكري في جادة شفيق الوزان وفي الاستقبالات التقليدية في القصر الجمهوري، فيما اضفى حضور الموفد السعودي الى لبنان مستشار الملك سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة مكة الامير خالد الفيصل ابعادا بارزة على الاتجاهات السعودية الدافئة حيال العهد ولبنان من خلال تكريس الرياض العاصمة العربية الاولى التي سيزورها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ووسط هذا المناخ الذي "اختنق" بالمأزق الحكومي الذي يشد باقلاع العهد والحكومة العتيدة الى الوراء برزت الكلمة الاولى للرئيس عون في ذكرى الاستقلال التي القاها مساء أمس والتي، وان جاءت مكملة لخطاب القسم في اطارها العام، تضمنت عناوين حصرية لبعض الملفات والاستحقاقات أبرزها واقع لبنان وسط زلازل المنطقة وتشديدها على تعزيز الجيش والوحدة الوطنية ومشاركة الجميع في ورشة البناء الوطني. وخاطب الرئيس عون اللبنانيين قائلاً: "ان آمالكم المعقودة على هذا العهد كبيرة بحجم تضحياتكم ومعاناتكم وانتظاركم وكما بدأنا هذه الطريق معا سنكملها معا فجهزوا سواعدكم لان أوان بناء الوطن قد حان وورشة البناء تحتاج الى الجميع وخيرها سيعم الجميع". واذ شدد على انه " اصبح لزاما علينا ان نحصن الاستقلال وان نعيد اليه قوته " اعتبر ان ذلك " يعني الامتناع عن اللجوء إلى الخارج لاستجداء القرارات الضاغطة على الوطن بغية الحصول على منفعة خاصة على حساب المصلحة العامة". كما شدد على "تعزيز الوحدة الوطنية كضرورة قصوى وأولوية لتحصين لبنان وتأمين استقراره، " مبرزاً وجوب "ايلاء المواطنين في المناطق الحدودية من الشمال الى الجنوب اهتماماً خاصاً لتنمية بلداتهم وقراهم". وتناول واقع المؤسسات التي "عانت ولا تزال من وهن"، داعياً الى "تحديثها وتغيير أساليب العمل وقواعده وتحرير العنصر البشري من ثقافة الفساد". كما افرد حيزا لافتاً للجيش فاشاد به كمصدر أمن وطمأنينة وثقة وضمان توحيد مشددا على تعزيز قدراته.

خالد الفيصل
وكان الرئيس عون أعرب لدى استقباله الامير خالد الفيصل عن "حرص لبنان على تعزيز العلاقات اللبنانية - السعودية " مقدرا المواقف التي يتخذها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حيال لبنان. واعلن الامير خالد الفيصل انه نقل دعوة الى الرئيس عون لزيارة المملكة وان رئيس الجمهورية سيلبي الدعوة بعد تشكيل الحكومة.
وبعد زيارتيه للرئيسين نبيه بري وتمام سلام زار الامير "بيت الوسط" حيث اقام رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري مأدبة عشاء على شرفه تميزت بجمعها حشدا واسعا من الشخصيات السياسية والرسمية والنيابية والوزارية. واعتبر الحريري ان "هذا الجمع الوطني انما هو تعبير عن عمق المحبة والمودة والاحترام التي يكنها جميع اللبنانيين للمملكة العربية السعودية وان المجتمعين انما اتوا ليقولوا ان علاقات لبنان وشعبه مع المملكة أكبر من ان تمس وأعمق من ان ينال منها".


"محركات" التأليف
في غضون ذلك، اكدت مصادر في "تيار المستقبل " مساء أمس لـ"النهار" ان الرئيس الحريري سيحضر اليوم العرض العسكري الى جانب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام.
وعلمت "النهار" ان الحريري لدى وصوله الى قصر بعبدا صباح امس للقاء الرئيس عون، فاتحه الاخير بالخبر الذي نشرته "النهار" البارحة عن احتمال تغيبه عن العرض العسكري وألح عليه شخصياً ان يشارك الى جانبه مع الرئيسين بري وسلام، كإشارة الى حسن انطلاقة العهد، وكرسالة الى الداخل والخارج مفادها ان لا أزمة، وان ما يحصل على صعيد تأليف الحكومة ليس سوى وضع عابر سرعان ما سيتم تخطيه. وقد نزل الحريري عند رغبة عون وتمنيه عليه الحضور.
من جهة أخرى، قالت المصادر في "تيار المستقبل" ان محركات التأليف أقلعت مجددا صباح أمس وانها ستعمل بقوة في اليومين المقبلين، مع وضع صيغة الـ 30 وزيراً الى جانب صيغة الـ24 المطروحة أساساً. ووصفت اجواء بداية الاسبوع بأنها مشجعة لان العقد تضاءلت الى حد بعيد، من غير ان تنتفي نهائيا.
ورداً على سؤال عما ما اذا كان الصراع على الحقائب سيطول، لاحظت المصادر ان الصراع على الحقائب امر طبيعي، لكن المهم الا يكون في الامر ما هو أبعد أي صراع ارادات.
وفي دردشة على هامش العشاء الذي اقامة الرئيس الحريري على شرف الموفد السعودي، وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إن المشكلة ليست مشكلة حقائب بالنسبة الى العراقيل التي توضع في وجه تأليف الحكومة، بل انها مشكلة التعامل مع عهد جديد، ومشهد جديد في الساحة اللبنانية، ولذلك تزاحمت "الرسائل " المتعددة الشكل الى العهد بهدف تحجيمه وما يحصل على مستوى تأليف الحكومة هو احدى الرسائل.

بري والحريري
وتعول بعض الاوساط على اللقاءات الجانبية التي ستتيحها مشاركة الرؤساء بري والحريري وسلام اليوم الرئيس عون في استقبالات قصر بعبدا للبحث في مخارج للعقد التي لا تزال تعترض تأليف الحكومة وخصوصاً بعدما توترت الاجواء بين بري والحريري عقب قول الاخير من بعبدا أمس إن "من يعرقل معروف" ورد عليه بري "ان من يعرقل هو من يخالف الدستور والاعراف وقواعد التأليف".
وقال بري امام زواره ان "لا جديد نهائياً في موضوع الحكومة وما قلته كان نهائيا وابلغته الى الرئيس الحريري، أما من يعرقل فالجواب ليس عندي وليسأل من يعرقل التأليف". وكرر انه لن يشارك في حكومة من دون النائبين سليمان فرنجية ووليد جنبلاط. وأضاف: "كل من يهاجمني على غير وجه حق سيسمع الجواب المناسب، اما اذا هاجمني وكان معه حق في نقطة معينة سأراجع نفسي وأقول معه حق".