حتى وإن بدت التسوية الرئاسية قد تخطّت الرئيس نبيه بري، إلّا أنه كان يعرف أن الجميع سيعودون إليه لحاجتهم إليه. يعرف برّي أن لا شيء في لبنان يحصل بدون موافقته. لذلك، مشى بالتسوية وإن بطريقة غير مباشرة ومرّت هي بدون شروطه، لكنه تركها تمرّ لإرساء التوافق في البلد، علماً أنه كان في قادراً على عرقلتها من خلال "تطيير النصاب"، فلم يفعل لأنه يعلم أن مرحلة ما بعدها ستكون من حياكته "خيطاً خيطاً". هذا على الأقل ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ويؤكده آخرون. وأوّل ذلك أن لا حكومة بدون بري، وعلى الأطراف كافة التفاوض معه. وهو يؤكد أنه مستعدّ للتعاون نظراً للإيجابية التي قابله بها رئيسا الجمهورية والحكومة المكلف، ولكن أيضاً يجب إرضاء حلفائه، من خلال إشراكهم في الحكومة.

ينتظر بري انتهاء الحريري من "جوجلة ما تجمّع لديه في الإستشارات النيابية غير الملزمة، على ان يحط رئيس الحكومة المكلّف في عين التينة، للوقوف على رأي رئيس المجلس. يثبت بري على مواقفه التي يكررها منذ زمن: "وجوب التوافق بين الجميع، والتعاون للخروج من الأزمات. ويجب أن ينطلق ذلك من خريطة طريق واضحة، تتخطى مسألة الحقائب وتفاصيلها، رغم أهميتها، لأن ما ينتظر البلد أهم بكثير من "التناتش." والاستحقاق الأول الذي سيواجه هذه الحكومة، هو إجراء الانتخابات النيابية. لذلك، على عاتقها مهمّة أساسية هي إقرار قانون جديد عصري وعادل للانتخابات وعلى أساس النسبية.

الهمّ الأساسي لدى رئيس المجلس، هو "إعادة إنتاج السلطة بشكل سليم، تخطّي المرحلة السابقة وما فيها من خلافات واختلافات، والإندماج مع الواقع الانفتاحي الجديد، لأجل ضمان نجاح التسوية ولإثبات أنها كانت ناجعة". لذلك، لا بدّ من سلوك خريطة الطريق الواضحة، وهي تشكيل حكومة جامعة تضمّ كل الأطراف، وعدم ابتداع صيغة البقاء في المعارضة لمن عارض انتخاب عون، لأن عملياً من كان قادراً على تعطيل انتخاب الرئيس ولم يفعل، فهو أيضاً ساهم في إيصاله، وشريك في إنجاز التسوية". من هنا، يجب صبّ الاهتمام على الأوضاع المالية والإقتصادية في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى إقرار قانون انتخابي جديد.

يتعاطى بري مع العهد الجديد، على قاعدة "ما مضى قد مضى". وهنا، ليس المقصود شخص الرئيس، بل الطريقة الثنائية التي اديرت بها التسوية وتمّت حياكتها بمعزل عن أطراف رئيسية في البلد. وعلى هذه القاعدة مرّت جلسة انتخاب الرئيس بشكل ديمقراطي، وكذلك الإستشارات النيابية التي أوفى فيها "الدين إلى الحريري". وهو مقابل ذلك، يأمل أن يتعاطى الجميع معه على هذا الأساس ووفقاً لهذا المنطق الإيجابي. وبناء على هذا المنطق بأمل برّي أن تتشكّل الحكومة، التي لن يكون فيها ثلث ضامن أو معطّل ولم توضع عليها شروط مسبقة يمكن أن تُدرج في خانة الشروط التعجيزية. المهم تشكيل حكومة جامعة ومتوازنة يتمثّل فيها الجميع.: