في لحظة لبنانية غير بعيدة، اعتمد معارضو السياسة السعودية مصطلح آل سعود كمخرج أخلاقي يقي من الانزلاق إلى إدانة الشعب السعودي برمّته، بدلاً من إدانة السياسة الخارجية للمملكة. وهو مخرج إيجابي لأنه يقلص منطوق الإدانة من شعب يناهز تعداده الثلاثين مليوناً إلى عائلة يربو تعدادها على 15 ألفا. مع ذلك، عندما يخرج أحدهم للقول إن آل سعود فعلوا كذا أو لم يفعلوا كذا، فإن ذلك يعني أن 15 ألفاً من الرجال والنساء والأطفال والرضع والعجزة أفشلوا المفاوضات مع الحوثيين في الكويت قبل أشهر من اليوم مثلاً. مع التسليم بأن مشاركة الرضع من آل سعود بأخذ هذا القرار السياسي مشكوك بها، فإن مشاركة أغلب البالغين الذكور من آل سعود هي أيضا محل شك. العارفون بأحوال الأسرة يجزمون بأن الكثيرين هم ليسوا من أصحاب الحظوة وحتى من بين المتنفذين داخل العائلة، إذ هناك من ينظر بإيجابية ما إلى الدور الإيراني في المنطقة على سبيل المثال. بأي حال، يجب ألا يتكبد أحدنا كثير عناء للقول بأن إدانة أسرة بأكملها مدان، ولا بديل من تبني مصطلحات «حديثة» مثل الحكومة السعودية، أو الملك، ولي العهد، وهكذا.

أما اللعن، فحديث ذو شجون. لم يسجل أن السيد نصرالله باشر به، لكن هذا اللعن كان من بين المسكوت عنه خلال المهرجانات العاشورائية الأخيرة. هو سكوت بطعم الإباحة كما يبدو. اللعن بذاته يشي بشحنة دينية لا تخطئها عين متلقٍ، وصدوره في احتفالات دينية في لحظة انقسام إقليمية ذات صبغة طائفية يصعّد الشحنة ويعقّد تداعياتها، لأنه يساهم في تديين النقاش وتطييفه. بمعنى آخر، إذا كان مفهوماً في السياسة أن يبدي القائمون بها مرونة في تعريف وإعادة تعريف الخصوم وحدود الخصومة، فإن الذهاب إلى اللعن يعني أن العودة من هذا اللعن لا يمكن أن تكون إلا بطعم الردة والكفر. لذلك، هل انتهت السياسة، بما هي تسيير لشؤون الإقليم، بين محور المقاومة والسعودية؟ فقط الجواب الإيجابي عن هذا السؤال يمكّننا من فهم الذهاب إلى منطق اللعن، لكنه لا يبرره بمطلق الأحوال.

ربما يقيس «حزب الله» زمنه الراهن على زمنه الروحي المُتخيّل المؤسِّس في فجر الإسلام، لذلك يسجن خصومه من آل سعود في عائلتهم على اعتبار أنه يقيسهم على خريطة العداء الماضية بين آل هاشم وآل أمية. يبدو الأمر مفاجئاً بالنسبة إلى «حزب الله»، قياساً مثلاً على مقاربته الثورية التي اعتبرت أن غزة هي كربلاء وأن إسرائيل هي يزيد العصر. المفاجأة هي أن ثورية الحزب تبدت في استعداده للخروج من شكل الماضي وتصدير قراءة تتمرد على هذا الشكل بأقل تقدير. لماذا لم يستطع أن ينجز هذا التمرد في صراعه السياسي مع المملكة السعودية؟ لماذا لم يستطع أن يجد تعبيراً عن خصومته خارج حواضر البيت الإسلامي العتيق المختصرة في جدلية الصراع بين آل فلان وآل فلان؟

الأجدى أن يعمد الحزب إلى التراجع عن لفظة آل سعود بالكامل، وأن يعمد إلى استخدام ألفاظ سياسية مباشرة. هناك ضرورة أيضا لمكافحة منطق اللعن، لأن في ذلك بتراً للإيحاءات المذهببة وإصراراً على البقاء في السياسة.

 

أيمن عقيل