لم يتعرض رجل عسكري أو سياسي طوال تاريخ لبنان كما تعرّض له الجنرال ميشال عون في سعيه لرئاسة الجمهورية، ولعلّ ذلك مردُّه إلى طول المدة الزمنية التي آذنت بالفراغ الرئاسي منذ حوالي ثلاثين شهراً. والعجبُ العُجاب كيف تحمّل قائد عسكري بقامة وتاريخ عون لهذا السّيل من الشتائم والانتقادات الساخرة والمقذعة في سعيه هذا للرئاسة، هذا الرجل الذي عاصر حقبة بشير الجميل وكان أحد أعوانه ومناصريه، كما شارك في حرب الجبل كضابط في الجيش النظامي وقائدٍ لأحد ألويته، وتولى رئاسة حكومة عسكرية انتقالية بعد انتهاء عهد الرئيس أمين الجميل، وخاض معارك طاحنة مع القوات اللبنانية تارة ومع القوات السورية تارةً أخرى، ونُفي خارج البلاد لمدة فاقت العشر سنوات، ليعود ويكتسح المقاعد النيابية المسيحية في جبل لبنان، ويغدو رقماً صعباً في معادلات السياسة اللبنانية، ولو اقتصر الأمر على النقد الساخر والمقذع لهان الأمر، إلاّ أنّه وقد تجاوز الثمانين من عمره، وبدل أن يحتفظ بما يليقُ بتاريخه وكرامته راح يستجدي الرئاسة من خصومه الذين طالما صال وجال في محاربتهم (سمير جعجع) أو صال وجال في انتقادهم ووصمهم بالفساد ونهب المال العام ( الحريري والسنيورة)، وها هو اليوم بعد أن فاز بعطف صديقه اللدود سمير جعجع، ينتظر الدواء الشافي على يد سعد الحريري. ربما لو قال قائل للجنرال عون : ما سرُّ إصرارك على الفوز برئاسة الجمهورية، وهي مُثقلة بالأعباء الجسام وأنت مثقل بأعباء السنين الثمانين ، لأجابه ربما: إنّكم لا تدرون ما حلاوة "فخامة الرئيس." والشيء بالشيء يُذكر: روى ابن قتيبة أنّه شرد بعيرٌ لهبنّقة، واسمه  يزيد بنُ ثروان، فقال: من وجد بعيري فهو له، فقيل له: وما ينفعك من هذا؟ قال: إنّكم لا تدرون ما حلاوةُ الوجدان.