من الواضح أن طبخة الرئاسة اللبنانية لم تنضج بعد  على الأقل في الواقع الإقليمي  وأما الهزة التي أحدثتها جولات الرئيس سعد الحريري باتجاه الداخل والخارج وطالت بعض العواصم الدولية والإقليمية المعنية  وما نتج عن هذه الجولات من اعادة بث الحياة في جسم الملف الرئاسي الغارق في موت سريري منذ ما يقرب  السنتين والنصف فهي ليست أكثر من محاولة يائسة من الرئيس المغيب قسرا تحت العبء الأمني لضخ الدم في عروق الدولة لإحياء مؤسساتها المعطلة والمصادرة ولتنشيط الذاكرة اللبنانية بوجود دستور وقوانين ومواثيق يفترض العودة إليها والعمل تحت سقوفها. 
ولا يبدو أن هذه المحاولة ستمكن اللبنانيين من الخروج من عنق الزجاجة مع انسداد الأفق الخارجي وكثافة الدخان المتصاعد من نيران الحروب المشتعلة في الجوار والذي يحجب أي حل لأزمة الرئاسة اللبنانية وباقي الأزمات المتفاقمة والمتراكمة لارتباط الداخل اللبناني بأزمات المنطقة. 
إذ أن تلك المحاولات المبذولة للخروج من أزمة الشغور الرئاسي وإن أخذت طابع الجدية  وليس كما يقال أنها مناورة حريرية لحشر حزب الله في زاوية التعطيل فإنها تصطدم بالمناخ الإقليمي المتشابك ولما يتركه من آثار سلبية على الساحة اللبنانية. 
وإذا كانت عواصم القرار قد استطاعت وإلى حد كبير من تحييد لبنان عن الصراعات والحروب السورية لوجود توافق ضمني بين هذه العواصم لحماية أمن البلد واستقراره بالحدود الدنيا. إلا أن الدوائر الدبلوماسية التابعة لها ترى أن هذا التحييد ليس مرتبطا ارتباطا عضويا بحل مشكلة الفراغ الرئاسي. لكنه وبنفس المقدار تجد هذه الدوائر نفسها مقحمة في الموضوع الرئاسي كلما تم طرحه بجدية لأن أي حل لهذا الملف وأي تشكيل لمناخ مؤاتي للفوز برئيس يمر من خلالها. 
ولكن وفي ظل الظروف الإقليمية المتردية وتفاقم الاشتباك بين إيران والمملكة العربية السعودية ومعها الدول الخليجية وانغماس تركيا في نقاط التقاطع التي تخدم مصالحها الإستراتيجية وفي جو التراشق الإعلامي والتصريحات النارية والاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن على خلفية اقتراب روسيا من خطوط النار الحمراء في حلب  وتحديدا عشية انتخابات الرئاسة الأميركية  فإنه من الصعوبة بمكان سلوك طريق إنجاز الملف الرئاسي اللبناني ان لم نقل أنه يزداد وعورة وتعثرا. 
مع هذا فإن التشابك الداخلي مع الخارج لا يعني بالضرورة أن الوضع الدولي والإقليمي يفرضان استمرار الفراغ الرئاسي وتعطيل الحياة السياسية في البلد وإضعاف دور المؤسسات وخصوصا العسكرية والأمنية ومصادرة القرارات المؤثرة في العلاقات مع دول المحيط  بل على العكس فإن الصراعات الإقليمية المتشعبة يفترض أن تشكل حوافز إضافية للقوى السياسية والحزبية اللبنانية على اختلاف تلاوينها وانتماءاتها المتحكمة في البلد للشعور أن التحييد النسبي للبنان عن سائر أزمات المنطقة فيه مصلحة للجميع. 
وإذا كان الترابط بين الداخل والخارج يجعل من مهمة إنجاز الملف الرئاسي اللبناني صعبة إلى حد معين إلا أنه لا يفرض استحالته مع توافر نوايا حسنة لدى الزعامات اللبنانية الحاكمة.
 إذ أنه أصبح من الضروري جدا وضع حد للشغور الرئاسي وفي أسرع فترة زمنية ممكنة وبشكل يضمن تشكيل حكومة بعد انتخاب الرئيس دون خلق أي عراقيل والمباشرة بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية يلحظ المصلحة الوطنية وليس مصالح الافرقاء الخاصة. 
لكن حزب الله الذي يرى مصلحة له في استمرار  الفراغ الرئاسي لتسهيل مهمته في جعل  البلد تابعا للمشروع الإيراني التوسعي في المنطقة فإن ذلك يزيد العراقيل أمام أي مرشح للرئاسة بمن فيهم الحليف الإستراتيجي العماد ميشال عون. 
وما لم يتم العمل الجدي على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة سيبقى الحديث عن انتخاب رئيس ضرب في الرمل او كالقراءة في الفنجان. 
وبالتالي فلا أحد يضمن حياد البلد عن أي شرارة قد تنتقل إليه من نيران الحروب المشتعلة في الجوار وذلك قبل فوات الأوان الذي لا يعود ينفع معه الندم على الاستهتار بالوطن وبمصالح الشعب اللبناني.