قد يبدو ما سوف أسوقه في هذه المقالة بمثابة إزاحة التهمة أو دفاعاً عن حزب الله، لا بأس طالما أن الموضوعية تفرض علينا قول الأمور بحقائقها ، فنحن قوم لا نبخس الناس أشياءها، بالخصوص إذا ما أريد من وراء ذلك تقديم رؤية توصيفية للقارئ يبني عليها نظرة واقعية لما نتخبط فيه من أزمات أوصلت البلد إلى قعر ما نحن عليه. 
نعيش كما هو معروف في مرحلة من أبشع المراحل السياسية التي مرت على لبنان منذ قيامه، وتخيم فوق سمائنا غيمة قاتمة لا تنبئ إلا بمطر أسود لن يبقي ولن يذر، فالعنوان الأوضح لهذه السنوات العجاف الأخيرة هو التعطيل، لا رئيس للجمهورية، لا إنتخابات نيابية ، والحكومة السلامية قاب قوسين أو أدنى من الإنفراط فضلا عن التعينات الإدارية المتوقفة .
المتهم الأول لما نحن فيه وللتدهور الحاصل هو حزب الله، كونه القوة الأقوى وصاحب الكلمة العليا بفضل هيمنة سلاحه وبما يمتلك من إمكانات هائلة وقوة جماهيرية حديدية، 
قد يكون هذا صحيحا للوهلة الأولى، وعليه فالحزب يتحمل كامل المسؤولية بهذا الصدد، لو أنه استطاع أحد ما أن يجيب عن السؤال الكبير: ماذا يريد حزب الله من وراء فرط عقد الدولة وما هي نظرته السياسية لما بعد هذا الإنفراط ؟؟ 
أعتقد جازماً أن كل ما يقال عن " مؤتمر تأسيسي " يسعى حزب الله إليه هو محض تخيلات لا يمت للواقع بصلة، فالحزب الذي يمسك الآن بتلابيب القرار السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والقضائي هو حتما لا يسعى لمؤتمر تكون نتائجه بأفضل الحالات تقليص ما هو عليه وما يمتلكه ، فالمؤتمر التأسيسي هو بمثابة نزع ما بيد الحزب من مكاسب ومغانم وليس العكس، خصوصا إذا ما عرفنا بأن الحزب لا يملك مشروعاً سياسياً جاهزاً ولا هو بوارد تخصيص وقت لهذا الأمر الصغير قياساً للدور المناط به، 
لا يمكن أن أتصور بأن الحزب يريد الفراغ الرئاسي، ولا هو مسرور بالأزمة الاقتصادية، أو بتفاقم المشكلات الإجتماعية وبعدم تفعيل الدور الوظيفي للحكومة، لأن كلّ هذا إنما يزيد من الأثقال الملقاة على كاهله في وقت هو بأمسّ الحاجة إلى التخفيف من حمولاته في زمن يتخبطه بحرب على امتداد الجغرافيا السورية تحتاج لمقومات دول وتقودها كبار الفيلة، فلا ينقصه أن يجد نفسه مضطراً مثلاً للعب دور ثانوي إصلاحي بين الحلفاء المفترضين فضلاً عن مواجهة الخصوم في الداخل .
أين تكمن القطبة المخفية إذاً؟ وما هو السر في إخفاق الحزب من إدارة اللعبة الداخلية؟ 
ببساطة أدّعي أن حزب الله وبمحض الصدفة وجد نفسه بعد 2005 والانسحاب السوري من لبنان، أمام مهمة لم يكن هو نفسه يتوقعها أو يسعى إليها، وجد نفسه كوريث أوحد للوصاية السورية في لحظة انشغال العالم كل العالم عن إدارة الشؤون اللبنانية، وفي ظل طبقة سياسية لا تجيد إلا تنفيذ الأوامر والإصغاء للقرارات الخارجية، من دون امتلاك الحد الأدنى للمبادرة الذاتية، أو ما يسمى بحسب القاموس اللبناني ب " كلمة السر " ! 
فنحن أمام خطيئة من ثلاث شُعب، فلا كلمة سر توحى، ولا الحزب على دراية بالادارة المباشرة للملف اللبناني، وطبقة سياسية لا تعرف إلا تنفيذ الأوامر، 
خلاصة الكلام بأن حزب الله إنما أوصل البلاد إلى ما هي عليه ليس بسبب إرادة مسبقة، بل بسبب تحميله ما لا يحتمله، وبسبب تداخل الأدوار المطلوبة منه بدون أي تحضير مسبق، فالحزب الذي يقدم نفسه على أنه " حزباً جهادياً " ولا يمتلك أي مشروع سياسي لبناني فكيف له أن يدير اللعبة السياسية ؟! .. وقد قيل قديما بأن حزب الله ناجح على المحاور وفاشل في الداخل . وهذا ما تؤكده يومياً أوضاع البلد، فالفشل بإدارة البلاد ليس كما يتوهم البعض على أنه سياسة مقصودة بقدر ما هو إخفاق وتخبط وعدم دراية ليس إلا. وليست سياسة مقصودة أبدا .