لم يكتمل المشهد الفولكلوري في بلدة بنت جبيل الواقعة على أطراف المنطقة الحدودية مع إسرائيل غروب يوم السبت الماضي خلال المهرجان السنوي لحزب الله والذي أقامه لمناسبة مرور عشر سنوات على حرب تموز 2006 حيث غابت وعود الإنتصارات الإلهية التي كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يحملها إلى جمهوره في مثل هذه المناسبات، ولم يبق من البلدة التي يعتبرها الحزب رمزًا للإنتصار على العدو الصهيوني سوى الذكرى التي يستحضرها دائما للتغني بامجاد أضحت من الماضي بعد صدور القرار الدولي 1701 الذي وضع حدًا للأعمال الحربية بين إسرائيل ولبنان. 
فحلب لم تترك للسيد حسن نصرالله أي مساحة على الأرض لتحقيق أي إنتصار ولو بالحد الأدنى ليحمله معه إلى بنت جبيل ويزفه إلى جمهوره بإفتراضه نصرًا الهيًا على الرغم من أن حزب الله زج بقوات النخبة في معارك حلب الأخيرة وفي طليعتهم ما يعرف بفرقة الرضوان عدا مئات المقاتلين الذين استقدمهم إلى أرض المعركة بعد الهجوم الكبير الذي قامت به جماعات المعارضة السورية وإستهدفت المواقع التي كانت تتحصن فيها قوات النظام السوري وخصوصًا مدرسة المدفعية مدعومة بالحلفاء من الخبراء وعناصر الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله والميليشيات العراقية بحيث تمكنت مجموعات من تحالف المعارضات السورية وعلى رأسها فتح الشام (جبهة النصرة سابقا  ) وتضم آلاف المقاتلين من فتح ثغرة في جبهة حلب وفك الحصار عن المدينة. 
فالسيد حسن نصرالله لم يجد في ميادين القتال في حلب ما يمكن إعتباره انتصارًا ليتمترس ورائه ويرفد تنظيراته بضرورة الإنخراط في الحرب الإستباقية في سوريا ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية بعدما استهلكت التنظيرات السابقة بحماية المراقد المقدسة والدفاع عن القرى الشيعية الحدودية ليحمله معه في جعبته إلى احتفال بنت جبيل كي يستثير به وجدان الحضور انسجاما مع آخر إطلالة متلفزة له في مدينة النبطية منذ ثلاثة أسابيع تقريبا حيث وضع فيها حصار المعارضة السورية في شرقي حلب في إطار الإنتصار الإستراتيجي فيما ترافقت إطلالته في بنت جبيل مع فرض المعارضة حصارا معاكسًا إلى حد كبير في حلب ضد قوات النظام وحلفائه. 
فمن الواضح أن السيد حسن نصرالله ربما أدرك أخيرًا أن حزبه إنخرط في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل في سوريا كبدته آلاف القتلى والجرحى عدا الخسائر المادية والعسكرية واللوجستية تلبية لأوامر ولاية الفقيه وأصبح عالقًا في لعبة دولية وإقليمية لن يكون من السهل الخروج منها معافى، سيما وأنه وجد نفسه خارج نطاق المشاورات التي تجريها اليوم كل من إيران مع تركيا في جانب وموسكو وواشنطن في جانب آخر في إطار السعي للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. 
والسيد نصرالله وتحت أعباء هزائم حزبه وحلفائه المتتالية في حلب توجه مضطرًا إلى أعداء الأمس ومن كان يصفهم بالجماعات الإرهابية جبهة النصرة وتنظيم داعش وفتح الشام وغيرهم مخاطبهم كتنظيمات مسلمة وليست إرهابية وتكفيرية ووهابية ومجرمة وقتلة ومما قاله حرفيا /إذا عندكم حقًا ما زال هناك شيء من الإسلام هناك شيء من حب النبي هناك شيء من العلاقة بالقرآن أوقفوا هذا القتال لمصلحة أميركا في المنطقة ألقوا هذا السلاح نتكلم بمصالحات نتكلم بتسويات يجب أن تتوافر كل الجهود لوأد هذه الفتنة القائمة في الأمة وفي المنطقة/. 
ومن الواضح أن حزب الله الذي كان يدعي أنه شريك في رسم سياسات المنطقة الإقليمية بات خارج المعادلة ويلتزم بما تقرره موسكو وبحساباتها السياسية وأن التحولات الإقليمية ليست لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، وهذه حقيقة بات يدركها السيد حسن نصرالله جيدًا فكان هذا التحول في خطابه الأخير لوأد ما أعتبره الفتنة في سوريا بعد استحالة تحقيق أي إنتصار في حرب كان يعتبرها مقدسة. 
لا شك أن معارك حلب تعتبر مفصلا في تاريخ حزب الله ومعها تبدأ مرحلة العد العكسي لإنتصارات إلهية وهمية ومزعومة استطاع السيد حسن نصرالله وعلى مدى عقود أن يرسخها في عقول محازبيه وتتكشف حقائق الهزائم المقبلة ولكنها مغلفة بعبارات وجدانية يستطيع السيد نصرالله أن يستخف بعقول جمهوره وإقناعهم بأنها إنتصارات إلهية.