أولاً: آخر الأنظمة العسكرية..
يمثّل النظام السوري آخر الأنظمة العسكرية الانقلابية في منطقة الشرق الأوسط، وقد تمكن هذا النظام من الصمود طويلا بفضل اعتماده(فضلا عن القوة العسكرية) على منظومة حزبية (حزب البعث العربي الاشتراكي) ذات استلهام ستاليني: أمين عام بصلاحيات مطلقة فوق رقاب الجميع، صحافة رسمية مُوجّهة، إذاعة مرئية ومسموعة موجهة، مجلس شعب يمثل النظام، ولا علاقة للشعب به، جبهة وطنية تمثل أحزابها ،مركّبة، تُستدعى للاجتماع عند الحاجة وحسب الطلب، والبيان الذي يصدر عنها،أمّا عماد النظام فهو الجيش الذي يتبع رأس النظام، وتحرسه مع النظام المخابرات المكوّنة من عدة أجهزة، يصحُّ وصفها ب"أمّ التلافيف" في معدة أي حيوان مجتر. أمّا آخر ما اعتمده النظام السوري الأسدي هو انتسابه أو زعامته لفريق المقاومة والممانعة للكيان الإسرائيلي، وهكذا أُتيح للنظام أن يحتلّ أجزاء كبيرة من لبنان، واخضاعه لوصايته مدة جاوزت الثلاثين عاما. وسمح ذلك له بمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات، فأنشأ منظمات تحرير تابعة له، أنزلت بجسم المقاومة الفلسطينية ما عجز عنه العدو الإسرائيلي، وظلّ الوضع على ما هو عليه، حتى هبّت رياح الثورة السورية منذ أكثر من خمس سنوات.
ثانياً: الرهان الخاسر على الجيش في قمع الثورة..
لجأ النظام السوري إلى اعتماد القوة العسكرية لقمع الانتفاضة السلمية، والتي خرجت للمطالبة بإصلاحات ضرورية في بنية النظام، إلاّ أنّ تمادي النظام في اعتماد القمع المفرط، وتتالي الانشقاقات في صفوف الجيش ، وتنامي أعداد المنظمات المسلحة، نحا بالصراع وجهة عسكرية طاحنة، استدعت تدخل إيران وحزب الله وميليشيات متعددة في الصراع الدامي، وفقد الجيش دوره المفترض بالحفاظ على الكيان والسكان، فامعن تدميرا وقتلا وتخريبا وتشريدا، وهاهو اليوم يتقاسم السلطة والامرة مع الميليشيات والنفوذ الروسي المتعاظم.حتى بات الخاسر الأكبر في هذا الصراع.
ثالثاً: الرهان "الرابح" على "العدو" الإسرائيلي..
لم يتنبّه كثيرون إلى أهمية الورقة الإسرائيلية "الرابحة" في يد النظام السوري منذ اندلاع الأحداث، اللهمّ سوى إشارة السيد مخلوف( أحد أنسباء الرئيس بشار) عندما نبّه الغرب إلى أهمية النظام السوري في حماية أمن إسرائيل ورعاية مصالحها، وأنّ الجماعات الأصولية الإسلامية ستكون أشدّ خطرا على الكيان الإسرائيلي من نظامٍ لم يخرق اتفاقية فصل القوات منذ العام ١٩٧٦ .وتتالت الأحداث ليتّضح للكثيرين أنّ سر الصمود الأسدي، كان الحدب الصهيوني للنظام وعدم السماح بسقوطه، وهذه "الرغبة" الاستراتيجية هي التي سهلت الدخول الروسي في الصراع، وهي التي وجهت سياسة الولايات المتحدة الأميركية بعدم التدخل والإسهام بسقوط النظام، وهاهو اليوم يحقق انتصارات وهمية في حلب، ولو كان هناك من يود توجيه تحية لصمود النظام وتهنئته، فلتُوجه ناحية إسرائيل، وهنيئاً لمن أشبعوا الناس طوال السنوات الماضية شعارات العداء لإسرائيل وأميركا، فضلا عن اللعنات والدعاء بالموت للشيطان الأكبر، أميركا، وربيبته الشيطان الأصغر، إسرائيل.