العناية الإلهية فقط هي التي تحفظ الوضع اللبناني وتحول دون انزلاقه نحو متاهات الانهيارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشة الكارثية، وأي كلام غير ذلك فهو إما كلام غبي او كلام مشبوه. 
فكل الخبراء وفي كافة المجالات والاختصاصات يتحدثون في تقاريرهم عن سوء إدارة الدولة والفساد المستشري في كافة المؤسسات والدوائر وعلى كل الأصعدة، ويجمعون على أن البلد بلغ حافة الانهيار، وينزلق نحو الدرك الأسفل. وليس هناك أي فريق سياسي يسعى إلى تفعيل أجهزة المناعة التي تشكل حماية للبلد وتحفظه من السقوط، وتؤمن الحياة الكريمة للمواطن ولو بحدها الأدنى. 
وبدون الدخول في لعبة الأرقام فلا حاجة للتذكير بالدين العام المتوجب على البلد والذي تجاوز السبعين مليار دولار، وخدمة هذا الدين التي تتجاوز الخمسة مليارات دولار سنويا، وأن عجز مؤسسة كهرباء لبنان قارب ال 11 مليار دولار إلى آخر المعزوفة التي يتحفنا بها يوميا جهابذة السياسة من وزراء ونواب واعلاميين من خلال اطلالاتهم التي تلمع بها الشاشات الصغيرة او صورهم التي تزين صفحات المطبوعات الدورية، فهذه معلومات لا تزيد المواطن إلا مزيدا من الوقوع بين براثن اليأس والتشاؤم وتلاشي الأمل بغد مشرق ومستقبل زاهر، ولا تعنيه معرفته بالأرقام بقدر ما يعنيه العيش بأمان واستقرار موفور الكرامة، ومضمون بالحد الأدنى من الحرية التي تتيح له إمكانية التعبير عن رأيه. 
فالشعب اللبناني يعيش وبنسبة كبيرة جدا على إمكانياته الذاتية لتأمين تفاصيل احتياجاته اليومية وضروريات معيشته الملحة مع غياب شبه تام للتقديمات المتوجبة على الدولة وتقصيرها في تأمين الكثير من متطلبات المواطن وفي كافة المجالات الخدماتية، وأهمها الحماية الأمنية ما يعني أنه على المواطن ضرورة اقتناء السلاح المناسب للدفاع عن نفسه وأهله وبيته من أي اعتداء قد يتعرض له في ظل غياب دولة القانون التي تستعيد له حقه وتصونه. 
وكذلك الخدمات الأخرى من طبابة واستشفاء وماء وكهرباء واتصالات ومدارس وغيرها فإنه لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ومن يمتلك ثروة تتيح له النيابة عن وزارات الدولة لتأمين هذه الاحتياجات الضرورية، فعليه امتلاك مولدا للكهرباء وبئرا للمياه ومطمرا للنفايات، وعلاقات شخصية بفاعليات قوى الأمر الواقع فيها الكثير من التزلف والدجل وهدر ماء الوجه كي يحظى بحسم جزء من القسط المدرسي عن أولاده، او كي يتم تخفيض فاتورة الاستشفاء عند اضطراره للدخول هو او أحد أفراد عائلته إلى أحد المستشفيات. 
وفي التطرق إلى مافيا الوظائف فإن لكل وظيفة تسعيرتها الخاصة دون الالتفات إلى المؤهلات والخبرات الضرورية وفي ذلك فإن الوزارات ودوائر الدولة ملأى بالمحاسيب والأقارب والمحظيين بعلاقات مشبوهة، حيث تزدهر الصفقات والرشاوى والسمسرات دون حسيب او رقيب وعلى عينك يا تاجر. 
وأما الطامة الكبرى فتبدو واضحة في توافق أهل السلطة مع كل تناقضاتهم ضد مصلحة الوطن والمواطن من خلال تقاسم عائدات الخزينة من المرافق العامة /المطار والمرفأ والأملاك البحرية ومجلس الجنوب ومجلس المهجرين وغيرها/، بحيث تحرم خزينة الدولة من أهم الروافد المالية التي تذهب إلى جيوب المتنفذين، عدا عن شركات الخليوي والعديد من المصالح الخاصة والمؤسسات التجارية الوهمية. 
فالشعب اللبناني ليس فقط يعيش بدون دولة  (ولو كان الأمر كذلك لهان الأمر ولكان أختار حكاما أوفياء ومخلصين للبلد ) ولكنه محكوم بطبقة سياسية فاسدة تسلطت على المؤسسات والدوائر بقوة الأمر الواقع وترتب على خزينة الدولة أعباء مالية باهظة تفوق مخزونها المالي، والعناية الإلهية فقط تحميه من نوازع الشر والطمع والتوحش عند هؤلاء الطامحين بسرقة أمواله وفرح أطفاله ومستقبل أبنائه...