تمهيد:
تصاعدت في الآونة الأخيرة صيحات الاحتجاج والاستنكار اتجاه بعض التصرفات البلدية ،والتي فاقت كل الحدود، من توقيف اللاجئين السوريين بعد إخراجهم من مهاجعهم ليلا في جونية وعمشيت مثلا، إلى البيانات الصادرة عن بلديات جنوبية، تضيّق الخناق على اللاجئين السوريين، لتنطلق فيما بعد للتّضييق على حركة المجتمع المدني، بمنع الاختلاط، أو الاقفال في أوقات الصلاة، ومنع النساء من المشاركة في بعض النشاطات الرياضية، وربما تمهيدا لمنظومة من المحظورات والممنوعات، لا سبيل إلى ردعها إذا ما استفحلت، وغدت ككرة الثلج المتدحرجة.
أولاً: تراخي السلطات المركزية..
غني عن الذكر أنّ هذه التصرفات المنفلتة من أية رقابة أو حدود، والتي ادعتها البلديات لنفسها، ما كانت لتتُمّ لولا تراخي السلطات المركزية، من أمنية وقضائية وإدارية، فهذا التراخي (حتى حدود الإنسحاب التام) هو الذي افسح في المجال لهذه البلديات كي تخرج عن طورها ورشدها ،فتتخطّى حدودها، حتى مسّت أقدس ما في الدستور اللبناني من بنود، وهي الحريات العامة، من تنقُّل وتجمع ، وممارسة كافة الحقوق دون أي تمييز، وفي مقدمها عدم التمييز الجنسي بين ذكر وأنثى.
ثانياً: الفقه الإسلامي وحدود تطبيقه..
لا خلاف بين فقهاء المسلمين بحظر الاختلاط، إلاّ أنّ الاختلاط كان من أكثر أمور المسلمين تساهلاً وتجاوزاً، ذلك أنّ المجتمعات الإسلامية ما لبثت أن أصابتها حتمية التطور والعمران، كنشوء المدارس ، وانتشار المستشفيات، وقيام الشركات الكبرى التي تفرض وجود الجنسين في مكان واحد، ومع ذلك، لم يجاهر احدٌ من "مقاولي الفقه" هذه الأيام بإخراج النصوص التي تحظر الاختلاط، لا بل إمعاناً منهم في التخلُّف والاسفاف، أخرجوا من غياهب الفقه قاعدة" إرضاع الكبير" حتى يجوز للأخت الموظفة، أن تختلي بولدها الموظف، واللافت في تاريخ الإسلام هو الاختلاطُ العظيم في مناسك الحجّ والطواف، وارتياد المساجد من النساء، وروي عن الرسول حديث بالنهي عن منع النساء بارتياد المساجد، وهذا أبو حازم المدني (أبو حازم بن دينار من وجوه التابعين، روى عن سهيل بن سعد وأبي هريرة، وروى عنه مالك وابن أبي ذئب ونظراؤهما  فيقول:بينا أنا أرمي الجمار ،رأيت امرأةً سافرة من أحسن الناس وجهاً ترمي الجمار، فقلت: يا أمة الله، أما تتّقين الله! تسفرين في هذا الموضع، فتفتُنين الناس! قالت: أنا والله يا شيخ ،من اللواتي قال فيهنّ الشاعر: 
من اللاء لم يحججن يبغين حسبةً
ولكن ليقتُلن البريئ المغفّلا 
قلت: فإنّي أسأل الله ألاّ يعذب هذا الوجه بالنار.
هذا كان والإسلام غضٌ طري، أمّا اليوم، فبلاؤنا عظيم، إذا كانت الأصولية بمُنوّعاتها الوهابية والداعشية، والخمينية قد غزت القلوب ، وعشّشت في الأدمغة، وتمظهرت في السلوك.