ينسى اردوغان كل تصريحاته المتتالية على امتداد يومين بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، بان الذين قاموا بها هم مجرد "مجموعة صغيرة وغبية متمردة من الجيش"، عندما ينخرط في حملة واسعة لاقتلاع كل البؤر المعارضة في الدولة، او ما يُسمى "الكيان الموازي" ما يدل عملياً على اتّساع حركة المعارضين لسياسة الرئيس التركي الذي يسعى الى مبايعة مطلقة، تماماً كما فعل قبل ٢٠ عاماً تورغوت اوزال الذي مات مسموماً على أيدي العسكر في ١٧ نيسان من عام ١٩٩٣.
"مجموعة صغيرة من الجيش"؟
لكن عدد الذين اعتقلوا في خلال ساعات تجاوز الخمسين ألفاً، بينهم ١٠٣ جنرلات واميرالات وأكثر من ستة آلاف من ضباط الصف والجنود، ولم يقتصر الأمر على العسكريين بل شمل السلطة القضائية، فسيق أكثر من ثلاثة آلاف من القضاة والمدعين العامين الى السجون!
بعد يومين انتقلت حملة التوقيفات الى وزارة التربية والتعليم العالي، حيث قيل ان عدد الذين اعتقلوا تجاوز 15 الفاً، ثم أُعلن عن توقيف ٣٠ من حكّام الأقاليم و50 من كبار الموظفين، يضاف الى كل هؤلاء تسعة آلاف من رجال الشرطة، وهي القوة الموازية للجيش التي يدعمها اردوغان وقد رفع عديدها الى ٦٠ الفاً، وكذلك اعتقل خمسة من كبار مستشاري اردوغان العسكريين!
غريب هذا الطوفان من الاعتقالات التي شملت كثيرين من الذين لم يشاركوا في الانقلاب العسكري ولا كانوا من "المجموعة الصغيرة والغبية المتمردة"، ولا كشفت التحقيقات التي بالكاد بدأت وسط زلزال الفوضى في مؤسسة الدولة تورطهم، وكان من المستحيل وضع كل هذه القوائم من الأسماء وكل هذه العناوين في خلال ساعات، لتبدأ حملة من الاعتقالات بدت كأنها معدّة سلفاً وقد شاهدها العالم حيث كان كل معتقل يساق مكبلاً بحراسة اثنين من رجال الأمن.
لهذا ليس غريباً ان يسارع المفوّض المكلف توسيع الاتحاد الأوروبي يوهانس هان الى القول مساء الأحد بعد ساعات من الانقلاب الفاشل، ان لديه انطباعاً قوياً أن حكومة أردوغان أعدّت سلفاً قوائم الاعتقالات حتى قبل حصول الانقلاب، بينما أبدى وزير خارجية بلجيكا ديدييه ريندرز استغرابه وقلقه من المسارعة الى اعتقال القضاة، والتلويح باعدام مدبري الانقلاب، الذي يعتبره اردوغان هدية ثمينة من الله لمواصلة تطهير الجيش وكل المعارضة على ما يتأكد يومياً!
لكن الانقلاب الفاشل وقد تحوّل منصة لانقضاض أردوغان على المعارضة بكل شرائحها، تطرح سؤالاً : هل سقط حلم الديموقراطية أمام قيام السلطنة والى أين تتجه تركيا المنخرطة في حروب متوازية مع الأكراد الذين استأنفوا العمل المسلح ومع "داعش" الذي كان يأكل من صحن اردوغان، وفي ثالثة جنوباً على الحدود السورية؟!