نتابع قراءتنا لأحد أهم المقالات التي كتبها العلامة السيد محمد حسين فضل الله الذي يمكن وصفه بالمفكر الاستراتيجي للحركة الإسلامية في العقدين الأخيرين للقرن العشرين نظراً إلى ما قدمها في هذا المجال من الكتب والحوارات والخطابات والمقالات، ينظّر السيد فيها للإسلام الحركي التواق إلى القوة أو السلطة. ولكن دينامية فكر السيد فضل الله تقوده إلى نظرة تشخيصية لتلك الحركات والأحزاب والثورات وحتى الأنظمة الإسلامية.

 

يشخّص العلامة فضل الله بأن احدى العاهات التي ابتليت وتبلى الحالة الإسلامية بها هي الشخصانية التي تحوّل الشخص إلى المحور والمعيار والغاية وتجعلها فوق الخط وتجعل منه خطا وليس بطلا للخط.

 

كتب العلامة فضل الله هذا المقال الذي نشر كافتتاحية ( حديث الشهر) لمجلة العرفان عام 1985 أي بعد خمسة أعوام من انتصار الثورة الإيرانية ولا شك في أن دافعه لكتابة المقال هو تعاظم صورة قائد الثورة الإسلامية في إيران واعتبار مناصريهم أنفسهم بأنهم "سائرون على خط الإمام " وتجاهلهم حقيقة أن الخميني هو إمام للخط الذي يناط به هو وجميع السائرين. ولكن يحاول السيد فضل الله أن يخفف من حدة نظرته التشخيصية ولهذا يستشهد بجملة من الحالات الشخصانية التي سبقت الخمينية. 

 

فضل الله ينتقد الناصرية والصدرية والخمينية 

 

اعتبر فضل الله بأن " هذه صورة عن الواقع الذي يتمثل في أكثر من موقع من مواقعنا السياسية، فنحن واجدون في الحركات الإسلامية البارزة في مجتمعنا أسماء وعناوين تتخذ من اسم الشخص محوراً في الحركة والانتماء في الوقت الذي نعرف فيه أن الشخص ينتمي إلى فكر ممتد في حركة الدين أو في حركة الفكر الآخر".

 

ويردف فضل الله بالقول: وكمثال على ذلك نلاحظ التعبير بـ "الناصرية" في أكثر من حركة من حركات " الثومية العربية" فيما يمثله ذلك من الانتماء إلى جمال عبد الناصر الذي لا يملك - فيما نلاخظه فكراً متكاملاً، على مستوى النظرية - بل كل ما هناك- أنه يملك حركة سياسية من موقع الساحة التي يحكمها أو يحركها في نطاق الظروف الموضوعية التي تحيط به، في النتائج الإيجابية أو السلبية.. وفي ضوء ذلك كانت الحركات التي تأخذ صفة الانتماء إلى اسمه، لا تمثل قاعدة فكرية سياسية متكاملة واضحة بعيداً عن الشعارات القائمة التي تستمدها من خطبه وتصريحاته. 

 

وإذا انطلقنا إلى الواقع اللبناني نلاحظ التعبير بـ"الصدريين" في بعض الكلمات فيما يمثله ذلك من الانتماء إلى السيد موسى الصدر الذي يعتبر من علماء المسلمين الذين يعملون على استلهام الإسلام فيما ينطلقون به من علاقات وأوضاع وتحركات ومواقف من خلال الرؤية الخاصة للمفاهيم الإسلامية.. ليحولوا ذلك إلى عنل إصلاحي في النطاق السياسي والاجتماعي.. وقد نجد هناك تعبيراً خاصاً يتحرك في هذا المجال أو ذاك، فيما يحاول البعض تقييم هذا الشخص أو ذاك.. فهذا يسير على "خط الإمام " وذاك لا يسير عليه.. وقد نلاحظ ذلك في الوسط الإسلامي العراقي الذي ينطلق في أجواء الانتماء إلى السيد الشهيد محمد باقر الصدر، الذي يأخذ بعض العاملين إسمه كعنوان لهم فنجد هناك إسم " الصدريين"..

 

ما ذا عن الخمينية 

 

بعد توطئته عبر نقد الناصرية والصدرية بشقيها اللبناني والعراقي، يدخل فضل الله في صلب الموضوع، أي نقد الخمينية، قائلاً: 
 

.. وهكذا نجد الساحة الإسلامية الثورية تحتضن إسم " الخمينيين" الذي يمثل السايرين في خطهم السياسي على خط الثورة الإسلامية الإيرانية .. وربما كانت هذه الصفة من خلال أعداء الإسلام الذين يحاولون إبعاد الحركة الإسلامية عن الارتباط بالإسلام للإيحاء بارتباطها بالشخص.. ولكن مثل ذلك قد يلقي هويً في نفوس الكثيرين من المتحمسين فيرتاحون لهذه الصفة ويعتبرونها عنواناً لهم..

 

وإذا كان هذا الإسم غريباً عن طبيعة الساحة، فيما تريده من صفة أو عنوان .. لأنها تعمل على أن يكون الإسلام هو عنوانها الأساسي فيما تتحرك به، أو تنطلق منه خلاله، فإننا نلاحظ أن كلمة (خط الإمام ) اعتبرت عنواناً للمسيرة، فهؤلاء الطبة هم السائرون على خط الإمام وهؤلاء العلماء كذلك .. أو أنهم ليسوا كذلك.. وذلك في عملية فرز للمجتمع على أساس التزامه بالخط وعدم التزامه به.

 

إلى هنا تمكن العلامة فضل الله من تشخيص حالة مرَضيّة من حالات الحركات الإسلامية التي وهي الشخصانية التي تتحول شخصية القائد أو البطل إلى عنوان للفكرة بدل أن تكون الفكرة عنواناً لها، وبالرغم من أن تلك الحالة المرَضيّة لم تقتصر على الشيعة وبل سبقتها حالات مشابهة عند أهل السنة، من المهدية ( أتباع المهدي السوداني) و الآلوسية ( أتباع الألوسي ) والنورسية ( أتباع بديع الزمان سعيد النورسي)  والقطبية (أتباع سيد قطب) وآخرون، ولكن عين السيد فضل الله كانت على الحالة الإيرانية والتي تحولت فيها شخصية الإمام الخميني إلى عنوان للحركة الإسلامية والثورة الإسلامية، وينوي العلامة فضل الله من خلال مقاله هذا التنبيه إلى مخاطر تلك المقاربة وهذا المنهج في فرز المجتمع.

 

وكعادته خلال دراسة أي موضوع، يحاول السيد فضل الله أن يتناول إيجابيات الشخصانية وسلبياتها من خلال بحث مقارن، ويبدء من إيجابيات الإنتماء إلى البطل وثم يدرس سلبياتها.

 

وللحديث تتمة