تمهيد: بعد هزيمة العرب عام 67 أمام إسرائيل وتراجع الفكر القومي العربي،تقدّم الإسلامويون إلى واجهة الأحداث وارتفعت صيحات: الإسلام هو الحل. واعتقد كثيرون بصوابية هذا الطرح ومصداقيته، وبنوا آمالا عريضة بقرب تحقيقه، حتى وصلنا اليوم والأمة العربية ومعها الإسلامية تنخرها الصراعات المسلحة من مشرقها حتى مغربها، وتوارت شعارات:"الإسلام هو الحل"، ليبقى في الميدان الإرهاب، إرهابٌ عارٍ من أية آفاق مستقبلية، سوى الإمعان في القتل والتخريب، ومع ذلك،هنا من يُصرّ ويؤمن بأنّ الإرهاب ما زال صالحا لبناء الدول وإحياء الشعوب، كتنظيم القاعدة في البلاد العربية، أو بوكو حرام في نيجيريا، أو طالبان في أفغانستان، أو مجاهدي خلق في إيران.
أولا: نشأة تنظيم مجاهدي خلق..
مجاهدي خلق هي الإسم الحركي "للمجلس الوطني للمقاومة في إيران" (ncri) وهي مجموعة تأسّست عام 1960 من أجل إسقاط حكم الشاه، يقودها فريق من الإسلامويين والماركسيين. وهي أوّل منظمة في إيران تستخدم العنف والإرهاب كأداة سياسية، لذا كانوا متورطين مباشرين في قتل واغتيال إيرانيين وأميركيين باسم مقاوتهم للشاه،حسب شهادة روبرت و.نايي(أحد أعضاء الكونغرس الأميركي ومؤلف كتاب " اللكمة الجانبية").لذا ستبقى لطخة الإرهاب ملازمة لهم لدى الأميركين رغم علاقتهم المستجدة مع الإدارة الأميركية
ثانياً: الرعاية الأميركية..
بعد نجا ح الثورة الإسلامية في إيران، عاد مجاهدو خلق للإرهاب من جديد، فنفّذوا حملة تفجيرات في إيران عام 1981، بعد خلافهم مع الخميني. وهربت المجموعة لتستقرّ في العراق وتنضم إلى قوات صدام حسين في حربه مع إيران. وقد استخدمهم صدام ك"جيش تنفيذ"، وأرسلهم إلى كردستان والمناطق الشيعية للقيام بعمليات يمكن وصفها بالإبادة الجماعية. ويقول ن"نايي" أنّهم ورغم أعمالهم الإرهابية فقد كانت عندهم الجرأة والوقاحة في دخول مكاتب الكونغرس الأميركي طلبا للدعم والمساندة.وقد تمّ لهم ذلك.فيعترف "نايي" بأنّه أشرف على برنامج دعمهم، قبل أن يندم على ذلك فيما بعد، جرياً على عادة المسؤولين الأميركيين، فيرى بأن الولايات المتحدة أضاعت فرصة وصول الرئيس محمد خاتمي رئيسا للجمهورية الإسلامية عام 1997، والذي دعا إلى حوار مفتوح مع الغرب، وفي عزّ تنامي خطاب "صدام الحضارات" دعا خاتمي إلى "حوار الحضارات"، ووجّه رسائل إيجابية عديدة اتجاه أميركا،إلاّ أنّ الفرصة ضاعت للأسف، وينسُب "نايي" دورا سلبيا لمجاهدي خلق في منع التقارب الإيراني الأميركي، ويغفل "نايي" هنا عن دور المتشددين الإيرانيين في منع مثل هذا التقارب، وأنّ الكلمة الفصل في إيران ليست بيد الرئيس بل هي بيد المرشد.
يستفيض "نايي"في شهادته على تطور علاقة مجاهدي خلق بالإدارة الأميركية، فلطالما حرضوا الكونغرس على تشجيع غزو إيران وقلب نظام الحكم وتسليمهم السلطة.ولم يفلحوا في ذلك، وإن كانوا سيحصلون على قرار الرئس أوباما برفعهم عن لائحة الإرهاب.
ثالثا: إجلاؤهم عن العراق..فضيحة أميركية..
يقول"نايي" أنّ رفع الجماعة عن لائحة الإرهاب كان مجرد خدعة، فالجماعة لم تستنكر الإرهاب ولم تُقلع عنه، بل إنّ القرار جاء بمثابة اتفاق رخيص، وافقت الجماعة على مغادرة مركزها في معسكر "أشرف" في العراق، حيث كانت شوكة في خاصرة الحكومة العراقية الموالية لإيران، إلى معسكر أميركي، ما يُسهّل عملية احتوائهم ونقلهم إلى مدن أجنبية. ويسخر"نايي" هنا سُخرية لاذعة من الإدارة الأميركية فيقول: نشطُب مجموعة إرهابية من اللائحة، ليس لأنّها أوقفت نشاطها الإرهابي، بل لأنها وافقت على مغادرة العراق،حيث كان لها دور مزعزع، وهذا يعني أنّها كانت تخدم المصالح الأميركية. وببساطة: قد تكون الجماعة إرهابية، لكنّهم إرهابيون لصالحنا.
رابعا: مريم رجوي ومؤتمر باريس..
دعت رجوي الولايات المتحدة الأميركية إلى تصويب سياستها اتجاه إيران، وهذا عودٌ على بِدء ، فقد سبق للجماعة ان طالبت بغزو إيران على غرار غزو العراق، وطالبت العرب بشحذ همتهم لمقارعة إيران في المنطقة العربية. وطبعا لم تطالبهم بغزو إيران. ويغيب عن بالها، أنّ الولايات المتحدة في حالة استرخاء مع إيران بعد الإتفاق النووي التاريخي، والعرب في حالة دفاع مع المواجهة الإيرانية بعد أن استكانو طويلا، فيما هي تُعزّز وترسّخ وجودها.وأنّ كل ما يُمكن القيام به في إيران هو تعزيز التيار الإصلاحي، ببرنامج واضح، في أولويّاته وقف التدخل الفج والوقح في شؤون الدول العربية، وإشاعة أجواء الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة، وهذا لا يتُم إلا بالنضال الديمقراطي والسلمي، فزمن الإرهاب ولّى بعد أن بانت إخفاقاتُه ومآسيه، أمّا الغزو الأجنبي فأدهى وأمرّ.