سؤال بسيط من شأنه أن يحدّد الجهة المسؤولة عن زحمة الانتحاريين في بلدة القاع البعيدة كل البعد عما يجري في سوريا والمنطقة من حروب تأخذ الطابع الطائفي والمذهبي في كل من سوريا والعراق واليمن والمستبعدة  كهدف من أهداف التكفيريين السوريين وغيرهم ممن يرون في النصرانية شركاً وكفراً لا ديانة توحيدية .
لكن من يحدد مسؤولية المسؤول عن مناخ التفجير وعن أسبابه وعن دوافعه ؟ سؤال سهل وصعب في آن معاً طالما أن الطبقة السياسية منقسمة في الموضوع السوري فرواية 8 آذار تختلف عن مندوحة 14 آذار وجميع اللبنانيين على اطلاع واسع برؤية جماعة آذار الايراني والسعودي من الأزمة السورية ومن ثم من الحرب ومشاركة حزب الله بقوّة في آتون نارها لذا الدخول في الاستهلاك السياسي لمواقف 8و14 لن يفضي الى شيء بل سيضيع فرصة التعاطي مع موضوع حسّاس استدع قبيلة من الانتحاريين الى بلدة القاع في حين أن الضاحية الجنوبية لم تشهد مثل هذا الاندفاع المجنون نحو الموت حبّاً بشهادة الشيطان .
طبعاً هناك من يقول بمسؤولية حزب الله المباشرة عما يجري في لبنان كونه تطوّع للدفاع عن نظام لا يُدافع عنه وعن مسؤولية تيّار المستقبل الذي بالغ في النصرة والعداء وأسهم  بدور كبير في دعم المعارضة السورية الأمر الذي شجع على توسيع رقع الخلاف بين طائفتين منحازتين بالكامل إمّا للنظام و إمّا للمعارضة .
هل ثمّة ارتباط ما ؟ بين ما يحدث في سوريا والعراق وبين ما حدث في القاع  أيّ هل التهجير القسري للمسيحيين السوريين والعراقيين المنهجي قد أدخل في حساباته مسيحييّ لبنان ؟ تزداد لائحة الاسئلة بشكل طبيعي ومنطقي طالما أن النتائج واحدة في كل المناطق الساخنة ولكن ما يدفع الى تعزيز هواجس الارتباط بين ما يتعرض له المسيحيّون من اقتلاع أو عداء هو موقف الاسلام السياسي والجهادي من المسيحيين الغير قابل لاستعمال أيّ مادة أخرى تنقذ النصارى من فقه القتل وهذا ما يجعل المسيحيين على حدّ سيوف الاسلاميين في الحروب .
 لن نناقش هنا نصوص الاسلام السياسي النصرانية وإجماعها على التكفير لأن ذلك لن يغيّر شيئًا بالنسبة للمؤمنين بالنصّ الاسلامي وللمتعبدين بالتجربة الاسلامية لأن الآية والرواية وتجربة الخلافة أقوى من أيّ تأويل آخر مختلف عن المؤول من قبل واضعي التراث الديني . لذا من المهم مقاربة الموضوع من الزاوية السياسية أي من منطق آخر بعيد عن مجالات ودوافع الانتحاريين أيّاً كانوا .
لا تختلف كثيراً نظرة الاسلام السياسي والجهادي بخصوص فرقة الدروز عن المسسيحيين مثلاً اذ يرمونها بنعوت شتى تبدأ من الضلال وتنتهي بالتكفير تماما كما هي النظرة للمسيحيين ومع ذلك لم يعلن الارهابيون محاربتهم للدروز ليس من باب الايمان بهم كفرقة اسلامية بل نتيجة لمواقف مسؤولة حمتهم من جنون دين الدواعش وتأتي حكمة وليد جنبلاط لتردع أيّ عدوان كبير على دروز سوريا ولبنان في حين أن المسيحيين لم يدفعوا عن أنفسهم بلاء التكفيريين كما دفع جنبلاط فانخرط صغار المسيحيين  عوضاً عن كبارهم اللاهوتين والسياسيين في معمعة الولاء واختاروا أن يكونوا الى جانب فريق دون آخر فبرروا لأهل اللحى أن يحذو حذو النصّ الديني الذي يجعل منهم ضحايا وسبايا .
من هنا وفي ظل غياب القيادة المعنية في حفظ الحضور المسيحي في الشرق كضرورة بشرية وكرسالة دينية يبدو أن ملف الوجود المسيحي قد فتح بالسيف الحقود وهناك مستفيدون مما يحصل للمسيحيين وخاصة اسرائيل المستفيدة من عملية اجتثاث الأقليات لأن ذلك يُعزز من وجودها ويبرر هواجسها وحساباتها الرافضة لفرص السلام مع الفلسطينيين لهذا لا يمكن اخراج اسرائيل من خانة الجهات المسؤولة مباشرة وغير مباشرة عما يجري من حروب وبأبعادها الدينية لأنها المستفيدة الوحيدة من تفتيت  بنية الوحدة العربية .
للأسف ثمّة صبيان مسيحيون يلعبون بالنار مع وحووش كاسرة تنمو وتتكاثر على الدماء وتتضاعف أعدادها مع الأعداء فكلما برز عدو لها شهدت مزيداً من الولادات الوحشية وبسرعة هائلة .