النهار: القاع في مواجهة أشرس حرب انغماسية تتحدّى كل لبنان

اتخذت الحرب الارهابية على بلدة القاع طابعاً فائق الخطورة عندما تجاوزت ليل أمس الموجة الأولى التفجيرية التي استهدفت البلدة فجراً لتتجدد في موجة ثانية من الهجمات الانغماسية الاجرامية الدامية ولم تنجح في منعها كل الاجراءات العسكرية والامنية والاستنفارات الاهلية ولم يبق معها أي مجال للشك في ان القاع كانت هدفاً لمجازر تسلسلية هي اشرس ما تعرضت له منذ مجزرة العام 1978.
منذ ارتسمت خطوط المواجهة اللبنانية مع تداعيات الحرب السورية والقاع تقف عند خط المواجهة المتقدم وتتحسب مستنفرة لاستهدافها في أي لحظة. وتصاعدت حال استنفارها خصوصاً بعدما تضخم واقع منطقة مشاعات مشاريع القاع المتنازع عليها جغرافياً وعقارياً منذ القدم، الأمر الذي استتبع تنامي مخيمات اللاجئين والنازحين السوريين في هذه المنطقة الى حدود بالغة الخطورة لم يغال أبناء البلدة أمس في وصفها بأنها باتت أقرب الى مخيم نهر بارد آخر بكل ما تختزنه من عوامل الخطورة في التلطي وراء اللاجئين لتدبير عمليات ارهابية. ومع ان هذا الواقع القلق الذي حاصر بلدة القاع تبدد الى حدود بعيدة في ظل تشدد الجيش في اجراءاته الاستباقية والدفاعية على طول الحدود اللبنانية - السورية كما في ظل يقظة أبناء القاع الدائمة، فان أحداً لم يتصور حجم الهجمة التي تعرضت لها البلدة فجر امس عبر "معبر الموت" الذي أتاح لاربعة انتحاريين "انغماسيين" التسلل فجرا الى القاع لينتهي الأمر بهم الى تفجير انفسهم وايقاع خمسة شهداء و16 جريحاً من أبناء البلدة في مواجهة دامية اجمع الرأي الداخلي على انها افتدت لبنان بأسره من خلال شجاعة أبناء القاع في التصدي لها. أما المفارقة الدراماتيكية التي واكبت المجزرة التي أيقظت المخاوف من عودة لبنان هدفاً للاستهدافات الارهابية أسوة بالاردن الذي شهدت حدوده مع سوريا قبل فترة هجمات مماثلة فتمثلت في ان تفجير الانغماسيين الأربعة أنفسهم داخل القاع جاء عشية الذكرى الـ38 لمجزرة 28 حزيران 1978 التي شهدتها القاع وبلدات مسيحية أخرى في البقاع الشمالي وذهب ضحيتها 26 شاباً آنذاك. ومع ان ظروف المجزرة التي حصلت وهويات منفذيها ودوافعهم تختلف اختلافاً كبيراً مع ظروف مجزرة حزيران 1978، فإن ذلك لم يحجب واقع بلدة طبع قدرها بالوقوف تباعاً عند خطوط التضحية والمواجهة في ظل تآلب الظروف وثبات التحديات المصيرية التي تحاصرها.
في أي حال وأياً تكن الأهداف المحتملة التي حركت الانتحاريين الأربعة الى داخل القاع الساعة الرابعة فجر 27 حزيران 2016 وهي الأهداف التي أثارت سيلاً من التكهنات، فإن وقائع المجزرة لا يمكن ان تسقط الاحتمال الاول والاساسي لاستهداف القاع نفسها لمجموعة عوامل برزت من خلال وقائع الحدث الدموي. فالبلدة تشكل بواقعها الجغرافي اللصيق بالحدود اللبنانية - السورية وبواقع منطقة مشاريع القاع المثقل بانتشار مخيمات لأكثر من 17 الف لاجئ سوري هدفاً مغرياً للارهابيين. ثم ان انتشار الجيش في البلدة ومراكز تجمع العسكريين للانتقال بحافلات عسكرية الى مناطق اخرى في محيطها يشكل أيضاً هدفاً محتملاً قوياً للانتحاريين. أما الهدف الثالث المرجح جداً فهو ان القاع هي من أبرز البلدات ذات الغالبية المسيحية في المنطقة والتي تشكل بوابة أساسية الى الداخل البقاعي واللبناني. وأما العامل الذي اتكأ اليه البعض في ترجيح ان تكون الوجهة المحتملة للانتحاريين الأربعة أبعد من القاع نحو مناطق أخرى في الداخل، فيعود الى انها من المرات النادرة التي يدفع بها الارهابيون بأربعة انتحاريين دفعة واحدة الى عملية أو عمليات تفجير الأمر الذي يمكن ألا تكون القاع سوى محطة من محطات محاولتهم الانتقال الى مناطق أخرى.
لكن طابع المباغتة الذي نجح عبره الارهابيون في بلوغ القاع فجراً سيراً عبر البساتين ومشاريع القاع، انقلب فورا ًالى مواجهة دموية خاضها الأهالي معهم بعدما كشف أمرهم مواطن من آل مقلد قرب منزله. وحصلت مواجهات سريعة ومتعاقبة عمد عبرها الانتحاريون الى تفجير الأحزمة الناسفة التي كانوا يحملونها الأمر الذي أدى الى سقوط خمسة شهداء من أبناء البلدة واصابة 16 آخرين بجروح بعضهم في حال حرجة وقتل الانتحاريون الأربعة ولم يبق من اشلائهم الا رؤوسهم التي انفصلت عن أجسادهم وبقيت واضحة المعالم وذكر ان التحقيق أثبت الهوية السورية لثلاثة منهم فيما لم تعرف بعد هوية الرابع.

الموجة الليلية
أما المفاجأة الصاعقة، فبرزت قرابة العاشرة ليلاً عندما ضربت موجة ثانية من التفجيرات كنيسة مار الياس في القاع وساحة البلدية حيث كان الأهالي يحضرون لجنازة الضحايا اليوم. وأكد رئيس بلدية القاع بشير مطر ان انتحاريين نفذا عمليتي تفجير قرب الكنيسة وكانا على دراجتين ناريتين، كما أشار الى حصول خمسة تفجيرات متعاقبة. وأفاد مراسل "النهار" في المنطقة ان حال استنفار كبيرة شهدتها القاع وبلدات البقاع الشمالي بعدما ثبت ان مجموعات من الارهابيين الانتحاريين تغلغلت في المنطقة وانها تنفذ عملياتها بأسلوب مختلف تماماً عما كانت تتبعه التنظيمات الارهابية من خلال شن موجات متعاقبة على القاع. وقال مصدر أمني ان الموجة الثانية من التفجيرات لم توقع ضحايا وتحدث الأهالي عن اصابة خمسة مواطنين بجروح. وأقفل الجيش كل مداخل البلدة وطلب من المواطنين تجنب التجول، فيما قامت دوريات كثيفة بأعمال التفتيش عن ارهابيين آخرين. كما اتخذ محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر قراراً بمنع اللاجئين السوريين في بلدتي القاع ورأس بعلبك من التجول.
وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي تفقد القاع بعد التفجيرات الصباحية وطمأن الى ان "لدى الجيش الارادة والقدرة الكاملتين على مواصلة محاربة هذا الارهاب الذي لا يميز في جرائمه الوحشية بين طائفة وأخرى"، مشدداً على ان "أي عمل ارهابي مهماً بلغ حجمه لن يؤثر اطلاقاً على قرار الجيش الحاسم في محاربة الارهاب وحماية لبنان".
وفي ردود الفعل الداخلية، استرعى الانتباه ترجيح رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع نهاراً ان "القاع لم تكن مستهدفة بل كان فيها انتحاريون يختبئون في انتظار أحد أو سيارة تنقلهم الى مكان آخر وان ابطال القاع توجهوا نحو الانتحاريين بانفسهم فخاف هؤلاء وبدأوا بتفجير أنفسهم". لكنه عاد ليلاً وأعلن عبر تلفزيون "ام تي في" ان تقديراته نهاراً لم تكن دقيقة وان المستهدف هو الجيش في القاع والقاع. وأكد ان هذه الحرب ستفشل بفعل بطولة الجيش والأهالي.
وفي ردود الفعل الخارجية أصدر الناطق باسم الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية بياناً جاء فيه "ان الاتحاد الأوروبي سيستمر في دعم مؤسسات الدولة اللبنانية في جهودها الآيلة إلى المحافظة على الاستقرار وفي الوقوف إلى جانب لبنان في معركته ضد الإرهاب".
وندد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط توبياس الوود بالتفجيرات الانتحارية في القاع، وتوجه بالتعازي والمؤاساة الى ذوي القتلى والجرحى. وأكد أن "المملكة المتحدة لا تزال ملتزمة بشدة دعم استقرار لبنان ومساندة القوى الأمنية لتعزيز الأمن في أرجاء البلاد".

مجلس الوزراء
وسيحضر الحدث الامني في القاع على طاولة الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء اليوم والمخصصة للوضع المالي. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان المجلس سيقف دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء ويطّلع من رئيس الوزراء تمّام سلام على آخر المستجدات والتدابير الواجب إتخاذها على صعيد الامن، إما من خلال مجلس الامن المركزي وإما من خلال الاتصالات بين القادة الأمنيين. كما سيبلغ الوزراء الاجراءات الاغاثية التي اتخذت.
ولاحظت المصادر ان ما جرى في القاع يشبه ما جرى أخيراً على الحدود الجنوبية بين الاردن وسوريا وهو تعبير عن التضييق الذي يتعرض له تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" ما يؤدي بهما الى فتح ثغرات لتخفيف الضغوط عليهما، لكن هذا الأمر لن يصل الى أي مكان. ولفتت الى ان لبنان بإمكاناته المتواضعة حقق نتائج إيجابية في مواجهة الارهاب الذي يضرب بقوة في المنطقة والعالم والذي من المرجح أن يواصل توجيه ضرباته في المدى المنظور.

 

 

السفير:«الدواعش» يحاولون استرهان القاع بالانتحاريين والقنابل: استنفار عسكري وأهلي.. وحداد وطني اليوم

خاضت بلدة القاع، أمس، بالنيابة عن البقاع الشمالي ولبنان كله، حرباً ضروساً مع الإرهاب على مدى أربع وعشرين ساعة كاملة، وبلغت حصيلتها شبه النهائية خمسة شهداء وأكثر من 25 جريحاً بعضهم بحال الخطر، فيما سجل رقم قياسي للانتحاريين يذكّر بمشاهد مروعة شهدتها وتشهدها مدن وعواصم عربية تواجه خطر الإرهاب لا سيما بغداد.
وبعد أربعة تفجيرات انتحارية متتالية، فجر الاثنين، وسقوط خمسة شهداء و17 جريحاً، عاد الإرهاب ليضرب القاع مجددا بدءاً من العاشرة والربع من ليل أمس، وهذه المرة من بوابة كنيسة مار الياس في ساحة البلدة حيث كان يتجمع معزون بالشهداء الخمسة، حين فجّر انتحاري نفسه بحزام ناسف وتلاه انتحاري آخر في النقطة ذاتها، قبل أن ينجح الجيش والأهالي في تفجير انتحاريين آخرين، لتبلغ الحصيلة الإجمالية ثمانية انتحاريين من «الدواعش».
وقبل ان يحتل «داعش» المشهد الميداني على جزء كبير من الحدود اللبنانية ـ السورية شرقاً، بشراكة تنافسية مع «جبهة النصرة»، كان أهل المثلّث الحدودي في محافظة بعلبك ـ الهرمل، وبالذات القاع ورأس بعلبك والفاكهة والهرمل والعين واللبوة وعرسال من الجهة الأخرى، يعيشون قلقاً ممضّاً يفرض عليهم أن يكونوا على سلاحهم لصد الغارات المحتملة لهذه المجموعات التكفيرية المسلحة، ذلك أن أرزاقهم في مزارع القاع ومشاريعها، حيث تتداخل الحدود اللبنانية ـ السورية، في قلب الجبال التي تجلّل هذه المنطقة.
ولقد عاش أهالي هذه «البلاد» سنوات صعبة، خصوصاً أنهم قد رفضوا أن يتركوا بلداتهم وأرزاقهم سواء في السهل أو في الجبال المحيطة، والتي كانت بدورها مصدر دخل بحجرها المتميز في فنون البناء الأنيق.
ولما طال زمن القلق، راح الأهالي يستعدون للأسوأ، وهم «المقاتلون» المعروفون بالرجولة والثبات في الدفاع عن حياتهم وأرزاقهم وهويتهم الوطنية... خصوصاً وقد تولى الجيش تعزيز مواقعه بالسلاح والرجال وبعض الأسلحة الحديثة: طائرات كاشفة ومناظير ليلية ودوريات مستمرة ومواقع محصّنة في «الخاصرة الرخوة» في الجرد، ومراقبة مستمرة لمشاريع القاع.
في هذه الظروف الحرجة، وُجد من ينفخ النفير الطائفي، محاولاً الفصل بين الأهل المتجاورين الذين يعيشون الظروف الصعبة ذاتها، موهماً الناس أن القاع قضية منفصلة عن هموم جيرانها الذين كادوا يكونون أقرباء وأن الإرهاب يميز بين انسان وآخر!
على أن هذه «النغمة» التي تفرز المواطنين المعرّضين للخطر الموحد في مصادره وفي استهدافاته، لم تجد رافعة أهلية لها، برغم محاولة بعض الأحزاب والقوى الطائفية استغلالها للتفريق بين الذين يعيشون معاً في قلب الخطر... والذين لا تفرّق العصابات المسلحة بينهم، وكلهم في نظرها «كفرة» بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم...
وكان أن نظم الأهالي عموماً، وأهل القاع على وجه الخصوص، «المواجهة»، فشكّلوا ما يشبه «الحرس الوطني» للتناوب في السهر على أمن هذه المنطقة التي تحولت الجبال المحيطة بها من مصدر للأمان إلى سبب للقلق من احتمال قيام العصابات المسلحة بغارات تستهدف إثارة الفتنة، أو استخدام أهلها كرهائن.
وما الهجوم المسلح الذي شنّه الإرهابيون التكفيريون طوال نهار أمس وليله، الا محاولة «داعشية» لم يكتب لها النجاح لاسترهان القاع بالانتحاريين والقنابل والموت الأسود.
وفي التفاصيل، أن انتحاريين وصلا على متن دراجتين ناريتين قرابة العاشرة والنصف من ليل أمس، الى نقطة قريبة من كنيسة البلدة وقد ترجّل أولهما واطلق قنبلة يدوية باتجاه الأهالي أمام الكنيسة قبل أن يفجّر نفسه. ولم تمض دقائق، حتى قام الانتحاري الثاني بتفجير نفسه بحزام ناسف وكانت الحصيلة وقوع عشرة جرحى على الأقل، بينهم شخصان نقلا إلى بعلبك وهما في حال الخطر الشديد. وبعد ذلك، لاحق الجيش والأهالي انتحاريين اثنين أقدما على تفجير نفسيهما من دون وقوع أية اصابات.
وأوضح بيان لقيادة الجيش أنه عند الساعة العاشرة والنصف من ليل أمس، «أقدم أحد الانتحاريين الذي كان يستقل دراجة نارية على رمي قنبلة يدوية باتجاه تجمع للمواطنين أمام كنيسة بلدة القاع، ثم فجّر نفسه بحزام ناسف، تلاه إقدام شخص ثانٍ يستقل دراجة على تفجير نفسه في المكان المذكور، ثم أقدم شخصان على محاولة تفجير نفسيهما حيث طاردت وحدة من مخابرات الجيش أحدهما ما اضطره الى تفجير نفسه من دون إصابة أحد، فيما حاول الانتحاري الآخر (الرابع) تفجير نفسه في أحد المراكز العسكرية، إلا أنه استُهدف من قبل العناصر ما اضطره أيضاً إلى تفجير نفسه من دون التسبب بإيذاء أحد، وقد استقدم الجيش تعزيزات إضافية الى البلدة، وباشرت وحداته تنفيذ عمليات دهم وتفتيش في البلدة ومحيطها بحثاً عن أشخاص مشبوهين».

ورصدت «السفير» ليلا انتشاراً واسعاً للجيش اللبناني عند مداخل القاع، وتوافد إلى البلدة عناصر من «حزب الله» و«اللجنة الشعبية» في القاع ومن أهالي الهرمل وساهموا مع الجيش في تمشيط بساتينها بعدما سرت معلومات عن وجود انتحاريين اثنين عند أطراف البلدة. وأطلقت في سماء القاع ومشاريعها عشرات القنابل المضيئة بعد انفجار محول الكهرباء الرئيسي في البلدة وانقطاع التيار الكهربائي بالكامل قبيل منتصف ليل أمس.
في هذا الوقت، التزم أهالي القاع بيوتهم، وامتشق رجال البلدة ما تيسر من اسلحة وسط استنفار عام شمل رأس بعلبك التي لم يكن وضعها يختلف ليلا عن حال القاع لناحية التخوف من تفجيرات إضافية، كما تكرر المشهد ذاته في الفاكهة والجديدة والعين واللبوة والهرمل التي استنفر أهلها ايضاً لحراسة مداخلها وشوارعها الرئيسية.
ولم تنم كل بلدات البقاع الشمالي، أمس، بسبب سريان معلومات عن هجوم ارهابي يحضّر له المسلحون المتمركزون في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، غير أن الأجهزة الأمنية طمأنت الأهالي أنها اتخذت من الاجراءات «ما يكفل التصدي للارهابيين ومنعهم من الخروج من أوكارهم»، على حد تعبير مصدر أمني معني في المنطقة.
وأفاد مراسل «السفير» في الهرمل علي جعفر أن حصيلة العمليات الانتحارية ليل أمس في القاع بلغت عشرة جرحى على الأقل حسب الصليب الأحمر اللبناني وقد توزعوا على الشكل الاتـي:
• في مستشفى البتول في الهرمل: جورج عاد، وسام نعوس، الياس رزق، اسبر كلاس.
• في مستشفى العاصي في الهرمل: ايليا عوض، سمير سلوم، يوسف التوم وحالته خطرة وتم نقله الى بعلبك ومن ثم الى العاصمة.
• في المستشفى الحكومي في الهرمل: وديع مطر، الياس عاد، ايلي مطر(عسكري).
ومثلما كان ليل القاع، أمس، ليلا تاريخيا يذكّر باللحظة التي حاول فيها «الداعشيون» اجتياح كل المنطقة في الثاني من آب 2013، فإن فجرها شهد قيام أربعة انتحاريين بتفجير انفسهم تباعاً مسقطين خمسة شهداء من أهلها وأكثر من 15 جريحاً، ليصبح العدد الاجمالي خمسة شهداء و23 جريحا.
وبدل مشهد السيارات التي توقّع البعض أنها ستبدأ بشحن الأهالي عن أرضهم وصولا الى تهجير مسيحيي المنطقة، وصل إلى البلدة، أمس، موكب من أربعين سيارة لأهالي القاع عائدين من بيروت، وجميعهم من رجالها، وقرروا المشاركة في أعمال الحراسة الليلية والنهارية دفاعا عن قريتهم وعائلاتهم وأرضهم.
وأن تكون المنطقة مهددة، هذه نقطة لا يختلف حولها اثنان، لكن لم يكن أحد ينتظر أن يتمكن الإرهابيون من ارسال أربعة انتحاريين دفعة واحدة وقد شاء قدر المنطقة أن يكشفهم ابنا بلدة جرجوع الجنوبية، طلال مقلد ونجله شادي (يقيمان في القاع)، الأمر الذي خلص المنطقة من كارثة أكبر.
يذكر أن رئيس الحكومة تمام سلام أصدر مذكرة اعلن فيها الحداد العام على ارواح شهداء القاع، ودعا الى تنكيس الاعلام اليوم على جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، «على أن تعدل البرامج العادية في محطات الاذاعة والتلفزيون بما يتناسب مع هذه الفاجعة الأليمة، وعلى أن يقف اللبنانيون ـ حيثما وجدوا ـ لمدة خمس دقائق خلال تشييع جثامين الشهداء(اليوم) تعبيراً لبنانياً ووطنياً شاملاً وتضامناً مع عائلات الشهداء والجرحى».
وفرضت تطورات البقاع الشمالي إجراءات أمنية مشددة واستثنائية طالت مناطق البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية، خصوصا مع بدء احياء ليالي القدر والاستعداد لاحياء «يوم القدس العالمي» الجمعة المقبل.

 

 

 

الاخبار: القاع تسابق حلب

 

ماذا سيفعل مجلس الوزراء اليوم؟ سيستمع إلى تقارير القوى الأمنية والعسكرية، ثم يطلب إلى الهيئة العليا للإغاثة صرف تعويضات لعائلات الشهداء، ثم ينصرف إلى لملمة فضائحه المفتوحة. أما الأجهزة الأمنية، فبعضها يهتم بإزالة آخر آثار جريمة الإنترنت غير الشرعي، فيما يتابع قائد الجيش البورصة الرئاسية. والذين رسموا أمام الأخير سابقاً خطاً أحمر للحؤول دون خوضه معركة لم يضغط هو أصلاً لخوضها، يُكثرون اليوم من البيانات، كما لو أنهم يتحدّثون عن بلدة في القطب الشمالي، لا عن بلدة لبنانية، أراد الإرهابيون احتلالها أمس، بعدما احتلوا سابقاً جرود جارتيها عرسال وراس بعلبك. يُكثرون من الثرثرة كغربان فوق المقبرة، من دون أن يجرؤوا على مصارحة الناس، والقول لهم إن حكام واشنطن والرياض أصدروا أوامر بالإبقاء على الجرود تحت الاحتلال.
في لحظة الحقيقة، لا يتصدى للأمر سوى من بيده الأمر. ولم يعد لنا سوى انتظار المقاومة، لتردّ الجميل لأهل القاع الذين حموا بأجسادهم المنطقة كلها. نقولها بوضوح: فلتقم المقاومة بتنظيف كل المنطقة من إرهابيي داعش وداعميهم. نُدرك أن قدرات حزب الله البشرية والمادية لا تسمح له بخوض كل معارك الدفاع عن لبنان والمشرق في آن واحد، لكن في مثل هذه الأيام الصعبة، لا يمكن الاختباء خلف الإصبع، ولا الركون إلى تصريحات الفاشلين من حاضني الإرهابيين، الذين ينتقدون سلاح المقاومة، فيما هم يعتقدون أن القاع وقرى لبنان يمكن حمايتها بقوة السفيرين السعودي والأميركي في بيروت.
لا أحد من أهل البقاع والمناطق المهددة، إلا ويشعر بثقة كبيرة، بأن المقاومة، وحتى تستقيم أحوال الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، هي ملاذنا في هذه الأزمة.
والقرارات التي اتخذتها قيادة المقاومة في البقاع الشمالي ليل أمس توحي بأن أمراً ما يجري الإعداد لتنفيذه، يتعدى الإجراءات الاحترازية. ومثلما تمثّل حلب اليوم مفتاح المعركة في وجه أسياد من أرسل الانتحاريين أمس، فإن معركة تحرير جرود القاع وبقية السلسلة الشرقية باتت أولوية. القاع تسابق حلب. وبعد جرائم أمس، ربما وجب القول، ولو من باب التمني، إن القاع قبل حلب.

عامان على «غزوة» عرسال في 2 آب 2014، ويتكرّر المشهد في بلدة القاع الحدودية. اليوم الدامي أمس، قطع الشكّ باليقين، وأكّد معطيات الأجهزة الأمنية اللبنانية، بأن قرار تنظيم «داعش» الإرهابي هو تحويل الأنظار إلى لبنان، باستهداف كل لبنان، في ظلّ الضغط الميداني والعسكري والأمني والمالي الذي يتعرّض له التنظيم في ساحات سوريا والعراق وليبيا.

كلام في السياسة | لماذا وكيف ضرب الإرهابيون القاع؟

جان عزيز

قبل نحو أسبوعين كانت الأجهزة الرسمية اللبنانية تلاحق في منطقة البقاع هدفاً أمنياً كبيراً. على مدى أشهر كان الهدف المذكور تحت المراقبة اللصيقة. أين يقيم، تنقلاته، طرقها ووسائلها، اتصالاته وأنواع أنشطته الإرهابية. في إحدى اللحظات، باتت المعلومات حول تورطه في التحضير لعمليات تفجير كاملة. بالوقائع والأسماء والتفاصيل.

«الجحيم» الذي تحضّر له «داعش»: اعترافات موقوفين عن مخططات التفجير

رضوان مرتضى

حصلت «الأخبار» على محاضر اعترافات عدد من عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» الذين قبضت عليهم الأجهزة الأمنية اللبنانية. اعترافات هؤلاء تكشف أسلوب عملهم وطرق التمويه والأهداف التي كانوا ينوون ضربها في لبنان

وقع في قبضة الأجهزة الأمنية اللبنانية عناصر بارزون في تنظيم «الدولة الإسلامية»، تبيّن أنّ عدداً منهم مرتبط بقيادة التنظيم في الرقة، وتحديداً مجموعة العمليات الخارجية التي تتولى تنفيذ تفجيرات واغتيال. المسؤول المباشر عنها يلقب بـ«أبو الوليد السوري» ويتبع لـ«أبو البراء العراقي»، أحد معاوني «أبو محمد العدناني» (المسؤول الأول في تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والمتحدث الرسمي باسم التنظيم).

في «القاع»... الطريق إلى الجنّة طويل

أحمد محسن

قبل أمتار من موقع الجريمة، مفترق صغير يقود إلى باحة خلفية. يوجد خمسة كراسيّ لخمسة أشخاص. الشجرة في مكانها، الأوراق ترفرف بلا اعتراض. في المنتصف، طاولة بلاستيكية بيضاء، يضع عليها العمال أحاديث النهار. كانت الكراسي فارغة، القهوة باردة، الزحمة في الخارج، والقرية صاخبة على غير عادة. لدينا خمسة كراسي لخمس ضحايا في القاع.

 

 

 

الجمهورية: الإرهاب يَسقط في القاع وجعجع لـ«الجمهورية»: أهلها حرّاس البوابة

 

لبنان مجدّداً في مرمى الإرهاب... أبى المجرمون إلّا أن يُعبّروا عن عالمهم المظلم، وتاريخهم المخجِل، وماضيهم المعتِم وحاضرهم الأسود، الذي يتغذّى مِن المجازر ودماء المدنيين العزَّل. أبَوا إلّا أن يطعنوا لبنان، من أدناه إلى أقصاه، في خاصرته الشرقية، من القاع، تلك البلدة البقاعية الآمنة الوديعة، التي لطالما شكّلت عنوانَ الألفة والعيش الواحد بين الجناحين المسيحي والمسلم.

تحت جنح الظلام تسلل الارهابيون الى القاع، إنتهكوا سكونها ووداعتها، وارتكبوا، مجزرة مزدوجة بدم بارد في عمليتين ارهابيتين، الاولى عند بزوغ فجر الاثنين، والثانية بعيد العاشرة ليلاً.

مجرمون لا يحسِنون إلّا الغدر، لا فرق عندهم بين رجل وامرأة، وطفل ومُسنّ، وعجوز ومريض، أرادوهم جميعاً وقوداً لحقدهم، لظلاميّتهم، ولجاهليّتهم.

شهداء وجرحى سَقطوا من ابناء تلك البلدة، في واحدة من ابشَع المجازر التي تطرح من حيث نوعيتها وحجم الانتحاريين فيها (8 انتحاريين)، مخاوفَ من ان يكون هذا الهجوم الارهابي مقدّمة لما هو اخطر، ليس على مستوى بلدة القاع فحسب، بل على مستوى كل لبنان، الذي أُدخِل اعتبارًا من ليل امس، في العناية الامنية المشدّدة، مع الاستنفار الشامل الذي بدأته القوى العسكرية والأمنية على مستوى كلّ لبنان تحسّباً لأيّ طارئ.

سَقط الشهداء والجرحى، وكل هؤلاء شهداء لبنان، الشهداء الشهداء، والشهداء الأحياء، وكلّ اللبنانيين شركاء في العزاء. شركاء مع القاع الجريحة.
ولعلّ مجزرة القاع جرس إنذار لكل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم وطوائفهم وسياساتهم، للحيطة والحذر ومزيد من اليقظة والتنبّه بأنّه صار عليهم ان يشكّلوا مجتمعين، مظلّة الأمان لهم ولبلدهم، عدوّهم واحد هو الارهاب الذي يتهددهم جميعاً، ومع هذا العدو لا تنفع إلّا لغة اجتثاثه، ومن دون ذلك، يُخشى مع الجاهليين الجدد ان يكرّروا مجازرهم في أيّ مكان وزمان.

ولعلّ ما جرى بالأمس، يضع المستويات السياسية الرسمية وغير الرسمية على اختلافها، أمام مسؤولية إجراء تعديل سريع في اجندة الاهتمامات والاختلافات الداخلية فلا تبقى تسرق من عمر لبنان واللبنانيين مزيداً من الوقت الضائع على مناكفات ومزايدات وشراكات ومغانم، ومصالح مادية وسياسية وانتخابية متضاربة أو متقاطعة هنا وهناك.

ربّما حدثُ القاع الذي قد لا يقف الارهابيون عند حدوده، يؤكد أنّ الحاجة والضرورة باتتا أكثر من ماسّتين للانتقال بالبلد الى خلف المتراس الوطني الصلب، والالتقاء حول كل ما يحفظ أمنَه وأمانه ويطمئن المواطن اللبناني الى حاضره وغدِه ومستقبله، ويحصّن المناعة الداخلية في مواجهة رياح الارهاب التي تهبّ عليه.

هنا يأتي دور الدولة وأهلها، خاصة وأنّ الفلتان سواء، أكان خَللاً سياسياً أو ضعفاً حكومياً أو تعطيلاً مجلسياً أو فوضى أمنية.
كل ذلك إن لم يشكّل بيئة حاضنة للارهاب، فبالحد الأدنى يبيح له الساحة اللبنانية كملعب يتحرك فيه كيفما يشاء وساعة يشاء.

وكان ذلك ليتحقق لولا يقظة الجيش اللبناني والاجهزة الامنية ومطاردتهم للخلايا الارهابية النائمة او الكامنة في بعض المناطق اللبنانية، وكذلك في مخيّمات النازحين السوريين، التي اكّد مرجع أمني لـ«الجمهورية» أنّها باتت تشكّل البؤرة والملاذ الآمن للارهابيين ونقطة انطلاقهم لتنفيذ عمليات إرهابية، ولنعُد بالذكرى الى هجوم الارهابيين على وحدات الجيش في عرسال وخطف العسكريين قبل سنتين، يومَها انطلقَ الارهابيون من مخيّم النازحين السوريين، وهذا يعني انّ العيون يجب ان تشخص في هذا الاتجاه».

كيف حصلت المجزرة المزدوجة؟

روت مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» تفاصيلَ العملية الارهابية التي حصلت فجراً في القاع، وقالت: قرابة الرابعة فجر أمس، كانت عائلة مقلّد ملازمةً منزلها في البلدة وتحيي «ليلة القدر»، ولكن سرعان ما شعر أهل البيت بحركة في حديقة المنزل، فخرج احدهم ليلاحظ وجودَ اربعة اشخاص منزوين في إحدى زوايا الحديقة. فحاولَ مقلّد الاستفسار عمّن هم، فعاجَله احدهم بالقول «نحن من مخابرات الجيش ولدينا مهمّة نقوم بها، فادخُل الى منزلك».

هنا، يضيف المصدر، إرتابَ مقلّد لأمرهم، على رغم انّ اللهجة التي قابلوه فيها لا توحي بأنّها غير لبنانية، فضلاً عن انّه لاحظ انّ أجسامهم غير طبيعية وكأنّ بعضَهم يحمل حقائب صغيرة على صدره. فعاد وسألهم إذا كان ضرورياً ان يكونوا في حديقة منزله، لأنّ ما قد يحصل يمكن ان يهدّد عائلته.

ودار جدال بينهم، عندها نَهرَه أحدهم بصوت عالٍ، فسارَع مقلد الى منزله وأحضَر «بندقية خرطوش» وأطلقَ النار في الهواء، فما كان من أحد الاربعة إلّا ان هرع نحوه وفجّر نفسَه، ما أدّى الى إصابة مقلد وابنه بجروح.

وبعد وقت قصير، يتابع المصدر، سارعَت الى المكان قوّة من الجيش اللبناني المتمركزة في المنطقة، ولكنّها ما إن وصلت الى المنزل حتى سارع اليها انتحاري ثانٍ وفجّر نفسه بالقرب منها. وفي الوقت ذاته كانت سيارة إسعاف تابعة للمطرانية قد وصلت الى المكان، فسارَع اليها انتحاري ثالث وفجّر نفسَه قربها. وبالتزامن هرع بعض المواطنين الى مكان الانفجارات لاستطلاع ما يجري، فما إن تجمهرَ المواطنون حتى بادر الانتحاري الرابع الى تفجير نفسه بالقرب منهم. وكلّ ذلك تسبّبَ بسقوط الشهداء والجرحى.

وبحسب المصدر العسكري فإنّ التحقيقات بوشرَت فوراً وتقوم العناصر المعنية بإجراء الفحوصات والتدقيقات اللازمة في بعض الاجسام المعدنية والهواتف والشرائح الهاتفية. كما لوحظ انّ أشلاءَ الانتحاريين لم تحُل دون التمكّن من معرفة هويات ثلاثة منهم، وهم من التابعية السورية. أمّا الانتحاري الرابع فما زالت الاختبارات مستمرّة لمعرفة هويته.

ومع ساعات النهار، أخذَت القاع تلملم جراحَها وتعدّ العدة لوداع أبنائها الشهداء من خلال إقامة مراسم الجنّاز في كنيسة البلدة، التي تحوّلت مع محيطها الى ساحة للمتضامنين مع الشهداء وذويهم، حيث تجمّع العشرات من ابناء البلدة، إلّا انّ المجرمين الذين لا يعرفون للموت والشهادة حرمةً، استغلّوا هذا التجمّع ليضربوا ضربتهم وسط المواطنين بهدف إيقاع اكبر عدد من الشهداء.

وأوضحَت قيادة الجيش تفاصيل التفجيرات الارهابية الليلية، مشيرةً الى أنّه «عند الساعة 22،30 مساء الاثنين، أقدمَ أحد الإنتحاريين الذي كان يستقلّ درّاجة نارية على رميِ قنبلة يدوية باتّجاه تجمّع للمواطنين أمام كنيسة البلدة، ثمّ فجّرَ نفسَه بحزام ناسف، تلاه إقدام شخص ثانٍ يستقلّ درّاجة على تفجير نفسِه في المكان المذكور، ثمّ أقدمَ شخصان على محاولة تفجير نفسَيهما حيث طاردت وحدة من مخابرات الجيش أحدهما، ما اضطرّه الى تفجير نفسه دون إصابة أحد، فيما حاولَ الإنتحاري الآخر تفجيرَ نفسه في أحد المراكز العسكرية، إلّا أنّه استُهدف من قبَل العناصر، ما اضطرّه أيضاً إلى تفجير نفسه دون التسبّب بإيذاء أحد».

وفيما ذكر الصليب الأحمر اللبناني أنّ ثمانية أشخاص قد جُرحوا، أحدثَ الهجوم الإرهابي هلعاً في صفوف ابناء البلدة، وزادته شائعات عن تحضيرات للمجموعات الارهابية للقيام بعمليات اكبر ضد القاع، فيما كثّف الجيش اللبناني حضوره في البلدة وقام الفوج المجوقل بدوريات مكثّفة ترافقت مع مداهمات في بعض الامكنة للتأكد من عدم وجود انتحاريين متوارين.

وفي وقتٍ اتّخذت إجراءات مشددة داخل البلدة، نفّذت وحدات الجيش عملية قصف عنيف لمواقع الارهابيين في جرود القاع، وأكدت قيادة الجيش وقوع عدد من الإصابات في صفوف المواطنين جرّاء التفجيرات الارهابية الليلية.

ودعَت اهالي القاع الى عدم التجمّع في أي مكان داخلها، وإلى التجاوب التام مع الإجراءات الأمنية التي تنفّذها قوى الجيش للحفاظ على سلامتهم. كما اعلن محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر فرضَ حظر التجوّل على النازحين السوريين.

إلى ذلك، اكّدت مصادر امنية انّ التحقيق العسكري يسير بوتيرة سريعة بهدف إماطة اللثام عن كلّ ما يعتري هذا الهجوم الارهابي وأبعاده. ويركّز التحقيق على ما يلي: من أين أتى الارهابيون الى القاع؟ هل أتوا من مخيّم النازحين السوريين الذي يبعد ثلاثة كيلومترات عن البلدة؟ هل أتوا من خارج الحدود، أي من داخل سوريا؟ هل أتوا من مخيّم للنازحين في منطقة لبنانية اخرى، كعرسال مثلاً؟ لماذا تمركزوا في حديقة المنزل المذكور؟

وكيف وصَلوا إليه؟ هل كانوا ينتظرون أحداً ما ليقلّهم الى خارج القاع؟ وإنْ صحَّ ذلك، فهل هذا الـ»أحد ما» لبناني أم سوري من النازحين الموجودين في البلدة أم هو من خارجها؟ ومن أين أتى الانتحاريون الاربعة الذين نفّذوا العمليات الليلية، أين كانوا مختبئين ومَن كان يؤويهم، ومِن اين استقدموا الدرّاجات النارية ومن سلّمهم إياها وأين تمّ تسليمها وأيّ طريق سلكت تلك الدرّاجات الى القاع؟

الواضح بعد تفجيرات الليل انّ القاع هي المستهدفة بشكل رئيسي. إلّا انّ ذلك لم يلغِ الاحتمالات الأخرى حول الهدف الحقيقي للإرهابيين.

وفي هذا السياق ، قالت مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» إنّ المخابرات العسكرية كانت قد وقفَت منذ فترة على معلومات إستخبارية تفيد بتحضيرات للمجموعات الارهابية بالقيام بعمليات إرهابية في بعض المناطق اللبنانية خلال شهر رمضان، وحذّرت من انّ الايام العشرة الاخيرة من شهر الصوم قد تكون الأخطر.

وعليه، رفعت الاجهزة العسكرية والامنية من مستوى جهوزيتها في العديد من المناطق اللبنانية وخصوصاً في الضاحية والبقاع، للحؤول دون تحقيق تلك المجموعات لمراميها.

كما تلفت المصادر الانتباه الى انّ وجود اربعة انتحاريين دفعةً واحدة وفي مكان واحد، يعني انّهم كانوا بصَدد تنفيذ عملية ارهابية كبيرة، وأمّا المكان المستهدف فيبقى تحديده رهناً بالتحقيق الذي بدأ حولَ هذا الامر.

ولكن، تضيف المصادر، يجري النظر في احتمالات عديدة للهدف المحدّد من قبَل الارهابيين:

الاوّل، إستهداف الباصات العسكرية التي تقلّ العسكريين من القاع الى مراكزهم العسكرية في المنطقة.

الثاني، إستهداف بلدة القاع نفسِها بتفجيرات متتالية تلحِق فيها مجزرة دموية، لتحقيق هدف تخويف أبناء المنطقة من جهة، ومن جهة ثانية تأليب أبناء المنطقة وكلّ المناطق المسيحية الاخرى على «حزب الله» وتحميله مسؤولية انّه لولا مشاركته في الحرب في سوريا لَما كان حصَل ما حصل.

الثالث، إستهداف «منطقة ما» في خارج القاع، فربّما كان وجودهم في حديقة منزل مقلّد لانتظار أحد ما لينقلَهم الى منطقة معيّنة في البقاع أو بيروت والضاحية لتنفيذ عمليتهم في إحدى مناطق نفوذ «حزب الله»، خصوصاً خلال إحياء ليلة القدر.

الى ذلك، أكّدت قيادة الجيش أنّ العملية الارهابية الاولى نفّذها الانتحاري الاوّل في الرابعة والثلث فجراً، تلاه الانتحاريّون الثلاثة بتفجير أنفسِهم في فترات متتالية مستخدِمين أحزمة ناسفة زِنة الواحد منها كيلوغرامين من المواد المتفجّرة والكرات المعدنية، ما أدّى الى استشهاد عدد من المواطنين وجرح عدد آخر بينهم اربعة عسكريين كانوا في عداد إحدى دوريات الجيش التي توجّهت إلى موقع الانفجار الأوّل.

وقوبلت الجريمة الارهابية بموجة استنكارات محلية وخارجية أبرزُها من السفارتين الاميركية والبريطانية والامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والحكومة الاردنية.

جعجع

وفي السياق، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لـ«الجمهورية» إنّ «هناك تجمّعاً كبيراً جداً للّاجئين السوريين يحيط بالقاع، وخرجَ منه 8 إنتحاريين، وليس بمقدورنا في الوقت الحاضر إجراء تحليل كامل للحدث لأنه ما زال «حيّاً».

وأضاف: «خرجَ مِن هذا التجمّع 4 انتحاريين صباحاً و4 مساءً، والهدف منه حتى الآن اوّلاً استهداف الجيش اللبناني وثانياً أهالي القاع، لذلك لا يمكننا التكهّن بشيء آخر أو وضع الحدث في إطار آخر إلّا ضمن سلسلة الاعمال الارهابية التي تضرب منذ 4 سنوات لبنان، مرّةً في الضاحية ومرةً اخرى في الهرمل وفي طرابلس وفي اماكن اخرى».

وسأل: «أمّا لماذا القاع؟ فلأنّها قريبة جداً من المكان الذي انطلقَ منه الانتحاريون، وفي الوقت الحاضر لا يمكنني إعطاء الحدث أبعاداً أخرى، سوى أهمّية الموقع الجغرافي. كما يتبيّن انّ هؤلاء جميعهم يأتون سيراً على الاقدام أو عبر دراجات هوائية.

فإذا سلّمنا جدلاً بالواقع، الى اين يستطيع هؤلاء التوجّه سيراً على اقدامهم؟ الجواب: ليس الى مكان بعيد وخصوصاً في السهل»، مضيفاً: «نحن نعلم كم انّ البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» مستهدفة، وعلى الرغم من ذلك، الانتحاريون الثمانية لم يستهدفوها، وذلك لأنّها أبعد بكثير من القاع ومن نقطة انطلاقهم المفترضة، أمّا كلّ الذي نقوله اليوم فإمّا تثبته الـ24 ساعة المقبلة أو الـ48 ساعة المقبلة ونعتمدها بشكل نهائي، أو يثبت العكس».

ولفت جعجع الى إمكانية حدوث عمليات ارهابية اخرى، إنّما ليس كما يعتقد البعض بأنها ستكون بداية مسلسل تفجيرات سيطيح بالبلد، لا أعتقد ذلك ابداً، إنّما لا يمنع الامر من ظهور انتحاريَين أو ثلاثة من هنا أو هناك ولا يمكن لأحد تقدير الامر، مع الأخذ بعين الاعتبار انّ عدد الانتحاريين لا يمكن إلّا ان يكون محدوداً، فليس كلّ انسان بوسعه أن يكون انتحارياً.

فإنّ حصيلة اليوم من الانتحاريين 8 إنتحاريين، اي «صرَفوا 8» والسؤال كم عدد الانتحاريين المتبقّي؟ وباللبناني «قدّيش بدّو يكون عندن»؟ وبهذا الشكل يجب التحليل، إنّما الأكيد أنّني لا أضعها في سياق ترهيب المسيحيين وتثبيت نظرية أو إلغاء أخرى، بل أضعُها في سياق المسلسل الذي ضرب طرابلس والضاحية والهرمل ومناطق اخرى من لبنان في السابق.

ووجّه جعجع تحيّة كبيرة جداً، الى اهالي القاع وإلى مسيحيّيها تحديداً وإلى ابطالها الذين اثبتوا انّهم بقوا أبطالاً مثل عادتهم، قائلاً: إنّها ليست المرّة الاولى التي يكونون فيها ابطالاً وليس الوضع جديداً عليهم، وبالفعل تبيّنَ اليوم انّ القاع هي بوّابة لبنان، وكأنّهم هم حرّاسها ولم يدَعوا أحداً يدخلها، ولن تكون آخرَ مرّة يكونون فيها أبطالاً.

من جهته، قال رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ«الجمهورية»، إنّ «القاع تعيش حظر تجوّل وحالة طوارئ، ونمشّط البلدة مع الجيش، والقاعيّون حملوا سلاحهم وسيطلقون النار على أيّ غريب»، لافتاً الى أنّ «المعلومات تشير الى وقوع 5 إنفجارات وسقوط عدد من الجرحى اصابتُهم طفيفة».

وشدّد على أنّ «إنفجارات الليل أكّدت بما لا يقبل الشك انّ القاع هي المستهدفة، وكلّ السيناريوهات الباقية سَقطت»، معتبراً أنّهم «إذا كانوا يهدفون الى تهجير المسيحيين من القاع فنقول لهم: المسيحيون باقون في المنطقة «غصباً عنهم».

وقال راعي أبرشية بعلبك ودير الاحمر المارونية المطران حنا رحمة لـ«الجمهورية»: «صحيح انّ هناك قراراً دولياً بإبعاد لبنان عن الاحداث الجارية في المنطقة، لكن هناك مسؤولية كبيرة على اللبنانيين، فهناك قنبلة موقوتة تتمثّل بوجود النازحين السوريين في لبنان ومفروض أن نتنَبّه جميعاً لأنّنا لا ندرك من يَندَسّ بينهم». وأضاف: «ما حدثَ خطة كبيرة وخطيرة وقد تكون لهؤلاء الانتحاريين خطة اكبر بكثير ممّا حصل. لذلك، اقول إنّ شهداء القاع افتَدوا بدمائهم كلّ لبنان».

وقال مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي لـ«الجمهورية» «إنّ النار المشتعلة والملتهبة حولنا تنتظر فرصةً للدخول، وأفضل فرصة للدخول هي الانقسام السياسي الحاصل. ونحن ندعو الى تفاهم سريع وانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وإقرار قانون جديد للانتخابات لكي تبقى الساحة الداخلية محصّنة».

سعَيد لـ«الجمهورية»

ولاحظ منسّق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» أنّ «خطورة ما حدث تكمن أولاً في عودة التفجيرات، وهذا أمر مستنكر ونقف جميعاً خلف الجيش الحامي الوحيد للوطن».

أضاف: «في اللحظة التي أعلن فيها الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله انّه يقاتل في حلب لكي يحميَ لبنان، جاء الردّ بأنّ الذريعة التي تعطيها من خلال قتالك في حلب، تكشف لبنان. فالحزب يقدّم ذريعة تلوَ الذريعة للتفجير في لبنان.

وتساءلَ سعَيد: «نحن في بداية فصل الصيف وعلى عتبة الأعياد، وسمعنا في الأمس تطمينات بأنّه سيكون هناك موسم سياحيّ بامتياز، فماذا يفعل «حزب الله»؟ وكيف يَعتبر أنّ العقوبات المالية هي انتهاك لسيادة لبنان ثمّ يعلن أنّ ماله يأتي من إيران؟ أليسَ ذلك انتهاكاً لسيادة لبنان؟ فهل المال الإيراني استقلال للبنان، وقانون العقوبات الدولي هو انتهاك لسيادته؟».

الخارجية الأميركية

في هذا الوقت، أعلنَت وزارة الخارجية الأميركية أنّها ستستمر في استخدام الوسائل المتاحة كافّة ضد «حزب الله»، وأبدت اعتقادها بأنّ «جهودنا ضيّقَت الخناق على وسائل تمويل الحزب وحقّقت بعضَ الإنجازات».

 

 

 

المستقبل: مرجع عسكري لـ «المستقبل»: لدينا «خيوط» نتتبعها والجيش مستهدف

 

دشّن الإرهاب بالأمس صفحة سوداء جديدة في سجله الحافل بالجرائم الدموية المتفلتة من قيم الدين والإنسانية، مطلقاً العنان لثمانية من انتحارييه «الانغماسيين» كي يفجروا أنفسهم في بلدة القاع البقاعية حيث عاش الأهالي وعموم اللبنانيين يوماً إرهابياً طويلاً امتد من ساعات الفجر الأولى ولم ينتهِ إلا بعد منتصف الليل حاصداً أرواح 5 شهداء و28 جريحاً. وفي حين تعالت الأصوات الوطنية الداعية إلى رص الصفوف وتحصين الساحة الأهلية الداخلية في مواجهة نيران المخطط الفتنوي المتمددة من سوريا إلى دول الجوار، رفع الجيش مستوى استنفار قطعاته واستخباراته العسكرية في المنطقة المستهدفة فأقفل مداخلها ونفذ سلسلة عمليات دهم وتعقب بحثاً عن مشتبه بهم بالتزامن مع قصف مركّز شنته وحداته على مواقع وتجمعات للإرهابيين في الجرود. 

في تفاصيل اليوم الدموي، فقد بدأ فجراً مع إقدام أحد الانتحاريين على تفجير نفسه أمام منزل أحد المواطنين إثر الاشتباه بأمره تلاه تفجير 3 آخرين أنفسهم تباعاً حين تجمع عدد من المواطنين في ساحة الجريمة ولدى حضور دورية من استخبارات الجيش لمعاينة مكان الانفجار الأول ما أسفر عن استشهاد 5 مواطنين وجرح 15 آخرين بينهم 4 عسكريين. وتبين بنتيجة الكشف الذي أجراه الخبراء العسكريون أنّ الأحزمة الناسفة الأربعة التي استخدمها الانتحاريون يزن كل منها كيلوغرامين من المتفجرات والكرات الحديدية.

وليلاً، أقدم انتحاري يستقل دراجة نارية قرابة الساعة العاشرة والنصف على رمي قنبلة يدوية باتجاه تجمع للمواطنين أمام كنيسة مار الياس في القاع حيث كان الأهالي ينسقون عملية الاستعداد لإجراء مراسم تشييع الشهداء الخمسة عصر اليوم ثم ما لبث أن فجّر نفسه بحزام ناسف قبل أن يليه انتحاري آخر عمد إلى تفجير نفسه في المكان عينه. وبعدها بقليل اشتبهت دورية عسكرية مؤللة بأحد المشتبه بهم فطاردته وطلبت منه التوقف الأمر الذي دفعه إلى تفجير نفسه، في وقت كان انتحاري آخر يعمد إلى تفجير حزامه الناسف على مقربة من أحد مراكز استخبارات الجيش في البلدة بعد افتضاح أمره من دون أن يسفر الانفجاران عن وقوع إصابات في الأرواح بين المدنيين والعسكريين. واستقرت الحصيلة النهائية لضحايا تفجيرات الليل على 13 جريحاً نقلوا إلى مستشفيات المنطقة في حين تم نقل أحدهم إلى بيروت للمعالجة نظراً لحراجة وضعه.

على الأثر سارعت المؤسسة العسكرية وبلدية القاع إلى الطلب من الأهالي ملازمة منازلهم حفاظاً على سلامتهم، بينما أصدر محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر قراراً قضى بحظر تجول النازحين السوريين في المنطقة حتى إشعار آخر.

وعن العمليات الانتحارية التي استهدفت البلدة، شدد مرجع عسكري على كونها «لم تأت مفاجئة» ربطاً بالمعطيات الاستخباراتية التي كانت تشير إلى إمكانية استهداف الساحة الداخلية بعمليات إرهابية من هذا النوع، وقال لـ»المستقبل»: «اليقظة العسكرية والأمنية في أعلى مستوياتها لكن ذلك لا يمنع من وجود ثغرات معينة يستغلها الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم الانتحارية الإجرامية»، مؤكداً في هذا المجال امتلاك المحققين «خيوطاً» متينة يجري العمل على تتبعها لكشف كامل ملابسات العمليات الانتحارية التي وقعت بالأمس. 

ورداً على سؤال، أجاب: «تم التأكد من أنّ 3 من الانتحاريين الأربعة الذين فجروا أنفسهم فجراً هم من التابعية السورية»، مشيراً في ما يتعلق بأهدافهم أنهم كانوا بصدد استهداف «أي تجمع» للجيش بحسب المعلومات والمعطيات الأولية المتوافرة من التحقيق وكما بدا من سياق الحديث الذي دار بينهم وبين أحد المواطنين حين شكّ بأمرهم فجراً نظراً لكونهم أبدوا إصراراً على استدعاء دورية للجيش إلى المكان للتحقيق معهم ما يدلّ على أنهم كانوا يترقبون وصول الدورية بغرض استهداف عناصرها.

قهوجي

وخلال تفقده موقع التفجيرات الانتحارية في البلدة، أعطى قائد الجيش العماد جان قهوجي توجيهاته للوحدات العسكرية بتشديد التدابير الأمنية على جميع المنافذ الحدودية وتعقب العناصر المشبوهة، ثم طمأن أثناء زيارته مبنى البلدية إلى أنّ «لدى الجيش كامل الإرادة والقدرة على مواصلة محاربة هذا الارهاب الذي لا يميز في جرائمه الوحشية بين طائفة أو اخرى«، مشدداً على أن «أي عمل إرهابي ومهما بلغ حجمه لن يؤثر إطلاقاً على قرار الجيش".