لا يزال لبنان يعيش تحت وطأة الحرب السورية. فصل جديد ولكن بوقع أكبر وخطورة أكثر لو قدّر للإنتحاريين أن يصلوا إلى أهدافهم أو يصيبوا الأهداف التي رسمت لهم. أن يتسلل أربعة إنتحاريين معاً وبالتوقيت نفسه إلى منطقة معينة ومن معبر معين هو عمل منظّم بطريقة إحترافية، بالنسبة للقراءة الأمنية. وعليه، فإن ما جرى في منطقة القاع الحدودية، قد يمثّل نقلة "خطرة" في أشكال الإعتداءات التي تعرّض لها لبنان منذ بداية الحرب السورية.

هكذا عملية، لا تتكشف خيوطها سريعاً، لكن الأجهزة الأمنية تعمل على ثلاثة خطوط أو سيناريوهات لمعرفة ما جرى. وعليه، تنطلق الأجهزة الأمنية من ثلاث فرضيات، أولها إما أن تكون بلدة القاع هي المستهدفة؛ ثانيها، أن يكون أحد مراكز الجيش هو المستهدف، خصوصاً أن للجيش وجوداً كثيفاً في تلك المنطقة؛ أما ثالثها فأن تكون المنطقة بالنسبة إلى الإنتحاريين والمخططين، معبراً إلى مناطق أخرى، واعتبارها "خاصرة رخوة" أمنياً، يسهل العبور منها إلى الداخل اللبناني.

حتى الآن ليس هناك من معلومة تجزم إذا ما كان الانتحاريّون الأربعة سينفذون التفجير بنفس المكان والتوقيت. السيناريو الوحيد الذي يشبه هذه العملية الأكثر من مزدوجة، هو تفجير برج البراجنة وتفجير السفارة الإيرانية، في هذين التفجيرين، جنّد إنتحاريان الأول كانت مهمته تمهيد الطريق للآخر، عبر دراجة نارية ليتبعه الآخر بسيارة مفخخة. وإن تشابهت "الإزدواجية" بين هذه التفجيرات، إلا أنها تختلف من حيث المضمون.

لذلك، يبرز السؤال عن كيفية دخول الإنتحاريين إلى هذه المنطقة، وتجيب مصادر عسكرية لـ"المدن" أن الترجيحات تفيد بأنهم دخلوا من منطقة مشاريع القاع، حيث هناك العديد من المعابر غير المضبوطة بالمعنى الأمني والعسكري، لكن المفارقة هنا تكمن، في سبب دخول الإنتحاريين مزنّرين بأحزمتهم الناسفة. وهذا ما يعتبر سابقة جديدة في العمليات التي تعرّض لها لبنان. فالعادة جرت أن يدخل الإنتحاريون خلسة وبدون حيازة أي سلاح أو مواد متفجرة، حيث يزودون بها في لبنان. وهذا ما كشفته كل التحقيقات في العمليات السابقة بحسب ما تؤكد المصادر، خصوصاً ان هناك العديد من المتهمين بهذه التفجيرات يخضعون للمحاكمة، وكانت مهماتهم توفير المتفجرات للإنتحاريين.

عليه، فإن هذا الأسلوب الجديد، قد يعني أمنياً، تطوراً في أسلوب هذه الجماعات. وهنا، لا يمكن إغفال لجوئها إلى هذا الأسلوب بسبب كشف الكم الهائل من المجموعات التي كانت تعمل على تجهيزها في لبنان، أما بمعنى الرسالة المراد توجيهها من هذه العملية، فهو أن المطلوب أن يحصل تفجير بأي طريقة، وبالتالي خوفاً من القبض على الإنتحاريين، فوقع الخيار على تفجير أنفسهم فور اكتشاف أمرهم، وبالتالي تكون الرسالة قد وصلت وإن لم يتحقق الهدف المراد تحقيقه من الخطة.

حتى الآن، لا تشير الدلائل إلى أن القاع هي المستهدفة، بمعناها المدني، أي أن سياق عملية التفجير حصل بعد اكتشاف أمر الإنتحاريين، الذين أحس الأهالي بحركتهم وحصل تلاسن بينهم، ولدى اكتشاف أمرهم لجأوا إلى تفجير أنفسهم. وعليه، فإن الإحتمالات قد تنحصر في إثنين، إما أن يكون الجيش هو المستهدف، أو أن يكون الإنتحاريون أرادوا دخول لبنان عبر تلك المنطقة، وبالتالي كانوا ينتظرون أحداً يقلّهم إلى الداخل اللبناني، لتنفيذ عمليات مشابهة لعمليات سابقة تعرّضت لها بيئة "حزب الله"، خصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، والتي من المفترض أن تكون مناطق الحزب تشهد حركة نشطة للمواطنين، واختيار أربعة إنتحاريين هو لإحداث أكبر قدر ممكن من الإصابات.

ولا تنفصل هذه العملية، عن إطار توجيه الرسائل إلى الداخل اللبناني عموماً و"حزب الله" خصوصاً، بمعنى أن التنظيم ما زال موجوداً في تلك المنطقة وقادراً على تنفيذ العمليات، بخلاف ما يحكى عن إنهائه هناك. وتأتي هذه العملية، بعد عملية قصف تدمير محطتي المياه اللتين كان التنظيم يتزود منهما في الزمراني بجرود الجراجير في القلمون الغربي، كما أنها أتت بعد معلومات عن استعداد "حزب الله" للتوجه إلى معاقل التنظيم في دير الزور والرقة لقتاله هناك.

ثمة معلومات تفيد بأن استهداف الساحة اللبنانية سيكون عبر اعتماد "داعش" أسلوب حرب العصابات والضربات، وسط تراجع قدراته في الاستمرار بالمعارك عبر جبهات متراصة بسبب التضعضع الذي يحصل في صفوفه من جراء الضربات التي يتلقاها. وبالتالي، يبدو أن ثمة وجهاً جديداً للمعركة قد يبدأه التنظيم، ويبدو أنه بدأ في لبنان.

وبعيد التفجيرات تفقد قائد الجيش جان قهوجي المنطقة، حيث اطلع على الأضرار الناجمة عنها، كما أطلع من المعنيين على آخر ما توصلت إليه التحقيقات، وغادر بدون الإدلاء بأي تصريح. وتقول مصادر عسكرية لـ"المدن" إن الجيش على جهوزية كاملة لمواجهة أي تهديد محتمل، لافتة إلى أن الوحدات العسكرية ستتخذ مزيداً من الإجراءات في تلك المنطقة وضبط كل المعابر الحدودية، وقد أعلن الجيش أن زنة كل حزام ناسف تبلغ 2 كيلوغرام من المواد المتفجرة، فيما تلفت المصادر إلى ان وجوه الإنتحاريين لا تزال واضحة الملامح وبالتالي هذا سيسهّل تحديد هوياتهم. 

 

منير الربيع