وزير المال يُطلق غداً “صفارة إنذار” برّي: لا رئيس من دون السلّة المتكاملة

في انتظار الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء غداً الثلثاء المترافقة مع آمال في تفعيل عمل الحكومة أكدها تكراراً أمس الوزير وائل ابو فاعور بقوله إن “هناك اتجاها لاطلاق عمل حكومي أكثر إنتاجية، وحل بعض المواضيع التي عقدت وتعقد عمل مجلس الوزراء، من موضوع النفط الى الاتصالات الى أمن الدولة والتفتيش الى سد جنة”، سيقدم وزير المال علي حسن خليل عرضاً مفصلاً عن الوضع المالي وسيطرح الحلول والحاجات لتحصينه وعدم ذهابه الى حدود الأزمة. وعلم في هذا الاطار ان تقرير الوزير يقع في 41 صفحة، ويتضمن بين السطور تحذيراً من تداعيات الوضع السياسي على الوضع المالي في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد والمنطقة، والمخاطر الناجمة عن الاستمرار في الانفاق عشوائياً ومن خارج الموازنات أو القوانين القائمة، وسيبين بالأرقام حجم الانفاق في ظل تراجع الواردات والعجز الكبير.
وصرح الوزير خليل لـ “النهار”: “لسنا في لحظة ترف لنضيّع مزيداً من الوقت. نحن أمام وقائع اقتصادية ومالية حرجة والمطلوب من الحكومة ان تتحمّل مسؤولياتها. نحن بحاجة الى مجموعة من الإجراءات لتحريك العجلة من جديد من أجل تحسين النمو والخروج من حالة المراوحة القاتلة. من جهة اخرى،لا بدّ من وضع الجميع أمام مسؤولياتهم لجهة فهم حقيقة الوضع المالي وعدم قدرتنا على التحمّل أكثر. اليوم مستوى الإنفاق يزداد دون الالتفات الى ان وارداتنا ما زالت نفسها بل تتراجع. لذلك، لا بدّ من مجموعة من الإجراءات سنناقشها داخل مجلس الوزراء”.
ومن غير الواضح ما اذا كان رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام سيبت موضوع تعيين خلف لنائب المدير العام لامن الدولة العميد محمد الطفيلي الذي أحيل على التقاعد قانوناً أمس، اذ لم يدرج الموضوع على جدول الاعمال الذي تضمن ليوم الخميس بنداً خلافياً جديداً يتمثل في التمديد مرة جديدة للشركتين المشغلتين لقطاع الخليوي في لبنان (البند 32). وقالت مصادر متابعة لـ”النهار” إن التعيين لا يحتاج الا الى قرار من الرئيس سلام.
وكان مجلس الوزراء وافق في نيسان 2015 على دفتر شروط المناقصة العالمية لادارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخليوي، على أن تتولى ادارة المناقصات إجراءها بواسطة لجنة تضم أعضاء يسميهم وزير الاتصالات، وعلى أن تنجز هذه المناقصة خلال مدة ستة أشهر ويمدد عقدا ادارة شبكتي الهاتف الخليوي بالشروط ذاتها لغاية تاريخ 31/12/2015. ومدد مرة ثانية شهراً ينتهي في 1 شباط 2016، واستمر التأجيل في ظل فشل المناقصات.

السلة المتكاملة
سياسياً، يستمر في الوقت الفاصل عن الحوار الثلاثي الايام في 2 آب، الجدل حول السلة المتكاملة التي تحدث عنها الرئيس نبيه بري مدخلاً الى الحل، وقد اطلقت مواقف عدة في عطلة نهاية الاسبوع من السلة سرعان ما بادلها بري بردود عنيفة استغرب خلالها كيف ان البعض يتحدث عن نياته وانه يسعى الى مؤتمر تأسيسي ويتهمه بانه واجهة لـ “حزب الله “صاحب الفكرة. وقال أمام زواره: “ليس صحيحاً ان السلة أمر مرادف لمؤتمر تأسيسي. هذا كذب على اللبنانيين”. ورد على منتقديه قائلاً: “عليهم ان يعرفوا ان عدم السير بالسلة التي قدمتها سيقود البلد الى الاسوأ من المؤتمر التأسيسي المزعوم وهو الفراغ الشامل ان لم أقل الدمار الشامل. ولا رئيس جمهورية من دون هذه السلة”.
وكان النائب مروان حمادة صرح: “لو كنت أثق فعلاً بأن السلة التي عرضها الرئيس بري على المتحاورين نابعة منه، لربما وافقته من دون تردد، غير أن إصرار حزب الله، وهو المحرك الرئيسي لما بقي من 8 آذار، على دوحة لبنانية، يزيدني معارضة لأي شيء قد يشبه المؤتمر التأسيسي”.
وقال النائب احمد فتفت بدوره: “اذا كانت السلة المتكاملة تعني ان نعطي البلد للسيد حسن نصرالله، فنحن نفضل ان يأخذ البلد بطريقته بدل ان نسلّمه البلد ونوقّع له”.

الحريري
في غضون ذلك، واصل الرئيس سعد الحريري الرد على السيد نصرالله من البوابة الشمالية حيث يلتقي كوادر “تيار المستقبل” ويقيم افطارات. وقال مساء أمس: “هناك اناس في البلد قرروا ان يربطوا مصيرنا بمصير بشار الأسد، وهم بذلك يضعون البلد في الفراغ الرئاسي والمؤسساتي والاقتصادي والمعيشي الى ان يروا ماذا سيحدث في سوريا (…).
أما القول بأننا نحن نراهن على التغيير في سوريا لنستقوي فيه على الداخل، فهذا تزوير وتضليل. ان تيار المستقبل لا يسلّم القرار الوطني اللبناني لأي إرادة خارجية، عربية أو غير عربية… نحنا مش متل حزب الله”.

باسيل واللاجئون
على صعيد آخر، أثار رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل في خطاب القاه في مؤتمر للتيار عن البلديات موجة ردود مستنكرة واتهمه البعض بانه عنصري ونازي وذلك في حملات انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكان باسيل قال: “يجب ان يكون ممنوعاً في كل بلدة من بلياتنا ألا تمر الشرطة البلدية مهما كان عديدها على تجمع للنازحين وتقوم بعملية تفتيش وثانيا منع اي تجمعات أو أي مخيمات للنازحين السوريين، اذ ممنوع وجود مخيمات وتجمعات للنازحين السوريين داخل بلداتنا ومسموح للنازح ان يعمل ولكن دون ان يأخذ من أمام اللبناني فرص العمل ومن غير المسموح لاي بلدية يكون القرار فيها للتيار الوطني الحر ان يفتح نازح سوري محلاً تجارياً ويأخذ لقمة عيش اللبناني، وهذه ايضا من مسؤوليتكم وهذا هو قراركم وطاقتكم وقدرتكم وفي العمل المشترك”.

شاطئ الرملة البيضاء
مطلبياً، واصلت حملة “بدنا نحاسب” اعتصاماتها الاحتجاجية للمطالبة بالتحرك السريع لوقف الهجمة على الاملاك العامة، خصوصا البحرية منها. وأول من أمس نظمت وقفة احتجاجية أمام مبنى بلدية بيروت، وحمل المعتصمون لافتات ذكّرت بمنع المواطنين من التمتع ببحرهم والتعديات على الاملاك البحرية من “الزيتونة باي ، الى عدلون مروراً بالدالية واليوم في الرملة البيضاء”.
ومساء أمس نظم تجمع “من اجل الجمهورية” افطاراً على شاطئ الرملة البيضاء للتأكيد ان المكان ملك عام حق لجميع اللبنانيين.

 **************************************

 

بري غاضب.. وجنبلاط يتفهّم.. والسنيورة وجعجع «ممانعان»

صراع الأولويات يهدّد بتمزيق «سلة آب»

 

عماد مرمل

يبدو أن «أرنب» السلة المتكاملة الذي استعان به الرئيس نبيه بري لإنقاذ الاجتماع السابق لهيئة الحوار الوطني، لن يجد ما يكفيه من «الجَزْر السياسي» خلال عبوره «الغابة اللبنانية» في طريقه الى جلسات 2 و3 و4 آب المقبل، وذلك بفعل المقاربات المتباينة للمتحاورين، والتي من شأنها، إذا استمرّت على حدّتها، أن تثقب السلة.

ويُبين توزّع المواقف أثناء الجلسة الماضية وغداتها، ان هناك تجاذباً بين وجهتَي نظر: الاولى، تراهن على تسوية شاملة بـ «سعر الجملة» من خلال «سلة مقايضات» تحاكي دفعة واحدة ملفات رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب وتركيبة الحكومة الجديدة واللامركزية الادارية، والثانية ترفض هذا الطرح خشية تضمين «بطانته» نواة مؤتمر تأسيسي وتنادي باستخدام «المصعد» لبلوغ طوابق التسوية، الواحد تلو الآخر، على أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية هو الطابق الاول.

وأمام هذا الانقسام حول الحل، كما الازمة، لا يصعب الاستنتاج بأن «خلوة آب» لن تصنع المفاجآت، بل الأرجح أنها ستكون مسرحاً لعروض من الكرّ والفرّ بين «السلة».. و «المسلة»، ما لم يطرأ حتى ذلك الحين تطوّر نوعي في الإقليم يفرض إنجاز التسوية الداخلية، وعندها لن يكون مهماً شكلها.

 

بري: لم أخترع البارود

في هذا الوقت، لا يخفي الرئيس نبيه بري انزعاجه الشديد من حملة البعض على «السلة المتكاملة»، معتبراً ان إحدى غاياتها الاساسية منع النسبية.

ويلفت الانتباه، امام زواره، الى انه لم يخترع البارود أصلاً، وبنود «السلة» هي ذاتها المطروحة على جدول أعمال الحوار الوطني، منذ اليوم الاول، من رئاسة الجمهورية الى اللامركزية الادارية، مروراً بتفعيل العمل الحكومي وقانون الانتخاب، فكيف يوفق أصحاب الاعتراض بين مشاركتهم أصلاً في الحوار على أساس هذه البنود، وبين رفضهم «السلة» التي تنطوي على المحتوى ذاته؟

ويتابع: ليس صحيحاً أن «السلة» هي مرادف للمؤتمر التأسيسي، ثم لا أنا ولا «حزب الله» نسعى إلى مثل هذا المؤتمر، وإنني بكل صراحة أحذّر المتحاملين على السلة المتكاملة من أنهم يقودون لبنان بسلوكهم المتهوّر الى ما هو أسوأ من المؤتمر التأسيسي المزعوم، وتحديداً الى الفراغ الشامل الذي تصعب السيطرة على تداعياته.

ويضيف شارحاً وجهة نظره: أنا أخشى إذا بقينا على هذا المنوال من أن يأتي موعد الانتخابات النيابية ونصبح مضطرين الى إجرائها على أساس قانون الستين، كأمر واقع، من دون أن يكون هناك رئيس للجمهورية وحكومة، ما سيؤدي الى حالة من الفوضى الدستورية، فهل هذا ما يريده أصحاب الأوهام؟

ويعتبر بري ان الواقعية السياسية تفضي الى الاستنتاج بانه لن يكون لدينا رئيس للجمهورية من دون السلة المتكاملة، «علماً انني شخصياً مع انتخاب الرئيس فوراً، امس قبل اليوم واليوم قبل الغد، ولكن ثبت حتى الآن أن ذلك غير ممكن، تماماً كما حصل في الدوحة عام 2008، إذ لو لم يتم التوافق آنذاك على قانون الانتخاب والحكومة لما جرى انتخاب ميشال سليمان رئيساً، مع العلم بأن اسمه كان متداولاً قبل الذهاب الى قطر، إلا ان الظرف المؤاتي لانتخابه لم ينضج إلا بعد التفاهم على السلة المتكاملة في أعقاب أحداث 5 و7أيار».

ويتساءل بري: لماذا ما كان يصح قبل سنوات، بات لا يصح الآن؟ ولماذا «الدوحة اللبنانية» متعذرة او ممنوعة.. هل المطلوب وجود أمراء حتى يتجاوب البعض معها؟

وتعليقاً على تلميح بعض شخصيات «14آذار» الى ان بري ينفذ طلبات «حزب الله»، وأن اقتراح السلة يقف وراءه الحزب، يجيب رئيس المجلس: يربطني بحزب الله تحالف استراتيجي، ولكن الله وحده يمون على نبيه بري. أنا أتعاون وأنسق مع الحزب في أمور كثيرة، إنما لا أنا ولا الحزب ألعوبة في يد أحد، والعلاقة بيننا تستند الى الاحترام المتبادل.

 

السنيورة: أكثر من تفسير للمصطلح

أما رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة، فأبلغ «السفير» أنه غير معني بمصطلح «السلة» الذي يمكن أن يحتمل أكثر من تفسير، مشدداً على ان المطلوب من هيئة الحوار الوطني استكمال بنود جدول الأعمال المقرر لا أكثر ولا أقل، ومضيفاً باستهجان: أصلاً، ماذا تعني «السلة».. وما هو المقصود منها حقاً؟

وحين يقال له إن المتحمّسين لـ «السلة» يفترضون أنها تسمح بتحقيق حل متكامل يشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة، على غرار ما جرى في الدوحة، يجيب: أين الدستور من هذا الكلام؟ وماذا عن الاستشارات النيابية التي ينص عليها لتشكيل الحكومة على سبيل المثال؟ بالنسبة إليّ، أداة القياس الوحيدة التي أعترف بها وأركن إليها هي الدستور حصراً.

وينفي السنيورة علمه بأن تكون هناك سلة كاملة قد جرى التفاهم عليها داخل اجتماعات مؤتمر الدوحة، «أما ما الذي حصل خارجها فهذا شأن آخر»، ويتابع: ثم، أي نموذج عظيم هو نموذج الدوحة حتى نكرّره؟

ويُعيد السنيورة التأكيد بأن مفتاح الأبواب المغلقة يكمن في انتخاب رئيس الجمهورية فوراً، متفادياً الحكم المسبق على الاجتماعات المتلاحقة لهيئة الحوار في 2 و3 و4 آب المقبل، قائلاً: ما أعرفه هو أن أي أمر على طاولة الحوار يحتاج الى التوافق، وكما انني لا أستطيع أن أفرض رأيي على الآخرين، لا يمكن للآخرين أن يفرضوا آراءهم عليّ.

 

جنبلاط: لا بديل عن السلة

يتعارض كلام السنيورة مع موقف النائب وليد جنبلاط الذي يقول لـ «السفير» إن الهجوم الذي تشنه قوى على «السلة المتكاملة» هو غير مبرّر، ويهدف الى عرقلة جلسات الحوار وجعلها غير مجدية، «وأنا أعارض موقف رافضي «السلة»، خصوصاً أنه لا يوجد بديل ملموس عن هذا الطرح».

ويؤكد جنبلاط انه داعم لطرح الرئيس بري، «وسأحاول أن أساعده قدر ما استطيع، علماً انني لا أعرف بعد كيف سنتمكن من إحداث الخرق المطلوب في جدار الازمة، خصوصاً ان ظروف مؤتمر الدوحة عام 2008 تختلف عن تلك السائدة حالياً، ولكن لا بد برغم ذلك من مواصلة الحوار.»

 

جعجع: من مشكلة إلى مشكلات

في المقابل، يعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن السلة المتكاملة تصعّب الحلول ولا تسهلها، «لأنه بدلاً من أن نكون في مواجهة مشكلة واحدة هي الرئاسة، سنصبح في مواجهة مجموعة مشكلات متراكمة».

ويقول جعجع لـ «السفير» إنه يحبذ اعتماد التسلسل الطبيعي والمنطقي للأمور، من دون تعقيدات او اجتهادات ليست في محلها، لافتاً الانتباه الى ان الاولوية البديهية والتلقائية في هذه المرحلة هي لانتخاب رئيس الجمهورية، فلماذا نحاول تجاهلها ونقفز الى سلة محشوة بمسائل خلافية ومستعصية، يحتاج حل كلٍّ منها الى جهد خارق، فكيف إذا كانت مجتمعة؟

ويرى جعجع ان المسار الصحيح والمتدرج لمعالجة الأزمة المركبة يبدأ من انتخاب الرئيس فوراً، يليه تشكيل الحكومة، ثم إقرار قانون الانتخاب، وإجراء الانتخابات النيابية.

ويلفت جعجع الانتباه الى أنه «مضى سنوات على النقاش حول قانون الانتخاب من دون ان نصل بعد الى نتيجة، ومضى أكثر من سنتين على الشغور الرئاسي من غير ان نملأه حتى الآن بالرئيس المناسب، اما البحث في تركيبة الحكومة المقبلة فكلنا يعرف كم يمكن ان يستنزف من الوقت والجهد، وعليه، لا يوجد سبب مقنع كي نتورط بحمولة زائدة من هذا النوع، في حين أن بمقدورنا أن نتدرج في المعالجة، وفق التسلسل المفترض للاولويات».

ويتساءل: أليس من الافضل ان نأكل العنب الموجود في السلة حبة بعد حبة، بدلاً من أن نغوص في كومة شوك؟

ويشير الى انه إذا كان هناك مَن قاطع في السابق جلسات المجلس النيابي تخوفاً من احتمال انتخابي رئيساً للجمهورية، فإن هذه الفرضية لم تعد قائمة، بل ان المرشحين الاثنين المطروحين حالياً هما من «8 آذار» وبالتالي لم يعد يوجد مبرر داخلي لدى هذا الفريق ومن يحرّكه للامتناع عن الحضور الى المجلس، مشدداً على ان «القوات» لا تزال عند دعمها للعماد ميشال عون، والمطلوب من «حزب الله» أن يثبت مصداقيته في تأييده.

وحين يقال له إن الرئيس بري يرفض مقولة «القوات» بان «حزب الله» يستطيع لو أراد ان يفرض عليه التصويت لعون، يرد جعجع: أقصى أمنيتنا، بل حلمنا ان يكون العكس هو الصحيح، وعندها أمور كثيرة في لبنان تُحَل..

 **************************************

 

الحريري يخسر في الإعلام أيضاً: من نهاد المشنوق وملحق «النهار»… إلى عوني الكعكي

ليست أزمة مالية وتنظيمية حصراً تلك التي يتخبط فيها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري منذ بضع سنوات، بل أزمة إعلامية أيضاً. المقارنة بين أوضاع المستقبل الإعلامية عام 2006 وأوضاعه اليوم تكشف حجم تراجع المستقبل ورئيسه

غسان سعود

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري جنّ جنون المال: 500 مليون دولار تقول الولايات المتحدة إنها صرفتها في لبنان، وأضعافها من السعودية، سيّلت لعاب إعلاميين كثر، ومكّنت إمبراطورية المستقبل من التوسع على نحو خيالي.

والهدف كما قيل يومها بشكل علني (شهادة السفير الأميركي الأسبق جيفري فيلتمان) تشويه صورة «حزب الله»، ودعم حلفاء الولايات المتحدة في لبنان.

يومها، ولدت القناة الحمراء لتلفزيون «المستقبل»، ببناء هو الأحدث في عالم التلفزيونات العربية، وبعدة شغل كانت الأحدث أيضاً يومها، وببرنامج عمل وفريق استثنائي بتنوعه وديناميكيته. بالتزامن، انطلق موقع «ناو ليبانون» الإلكتروني بقيادة النائب عقاب صقر الذي لم يترك قلماً أو وجهاً تلفزيونياً يمكن استقطابه مالياً، أياً كان المبلغ، إلا استرضاه وطوّعه. وبموازاة تركيز «المستقبل» الحمراء و»ناو ليبانون» على «إعادة تدوير» الصحافيين والإعلاميين من مختلف الانتماءات، ركز ملحق «النهار» على استيعاب العدد الأكبر من الكتّاب، وممن كانوا يوصفون بالمثقفين الليبراليين اللبنانيين والعرب المأخوذين بـ»ثورة الأرز». وفي مطلع 2006، بدا أن أذرع الأخطبوط الإعلاميّ تغلغلت في كل الوسائل الإعلامية من دون استثناء، وبات رؤساء تحرير النشرات الإخبارية المختلفة في التلفزيونات والإذاعات ورؤساء الأقسام في الصحف يتسابقون مع صحافييهم على كتابة مقالين أسبوعياً للمواقع الإلكترونية المغمورة التي رفعت سعر المقال من ستين دولاراً إلى نحو 400 دولار أميركي، قبل أن يفتح كل إعلاميّ مستقبليّ موثوق موقعاً إلكترونياً على حساب «الشيخ سعد»، أو مركز تدريب للسياسيين على الإطلالات التلفزيونية، أو شركة علاقات عامة. وكانت الامبراطورية الإعلامية المستقبلية محصَّنة أو محاطة بوسائل إعلامية مكتوبة ومرئية ومسموعة، سعودية وكويتية وقطرية وألمانية وفرنسية وأميركية: من تسريبات المطبخ المستقبلي المختلفة لصحيفة «السياسة الكويتية»، إلى انبهار الـ CNN بـ»ثوار الأرز».

لكن ما كادت الأزمة المالية الحريرية تطل برأسها حتى ابتدأ الانهيار: البعض نقل البندقية، من دون حياء، من كتف «المستقبل» إلى كتف حزب الله الذي استفاد، بصورة غير مباشرة، من خروج اللواء جميل السيد من الاعتقال. فالأخير أعاد الإمساك بعدة خيوط إعلامية، وقاد حملة هي الأقسى في مواجهة 14 آذار منذ اغتيال الحريري الأب. ثم ظهرت إلى العلن ميزانيات من قِبَل قوى 8 آذار رُصدت لمنابر إعلامية صغيرة.

بعضٌ آخر من إعلاميي «ثورة الأرز» أعاد المجتمع المدني تصنيعه. وبعض ثالث يتسكع منذ عامين في شوارع باريس كـ»هوملس» ولا يجد ما يأكله بعدما أنزل نفسه في بئر المحكمة الدولية وقطع تيار «المستقبل» الحبل به. فالمؤسسات الإعلامية المملوكة من سعد الحريري أو من ينوب عنه في السجل التجاري (تلفزيون المستقبل، إذاعة الشرق، صحيفة المستقبل، موقع تيار المستقبل الإلكتروني، صحيفة «النهار» وصحيفة «دايلي ستار») لا تزال تعمل، لكن أزمة الرواتب دفعت غالبية الموظفين الكفوئين إلى المغادرة، وأمكنهم إيجاد عمل في وسائل إعلامية أخرى، ولم يبق في مؤسسات «المستقبل» سوى من يعجزون عن إيجاد عمل في مكان آخر، وقلة قليلة تختار بكامل إرادتها البقاء في المركب الحريريّ الغارق مثل بولا يعقوبيان وزافين وشهيدَي الحريرية الحيين علي ومروان حمادة وعدة أقلام في «النهار» يصلّون الشهر بطوله أن تبقى رعاية الشيخ سعد عسى يأتي الراتب.

وفي موازاة انتكاس الوسائل الإعلامية الحزبية تشتتت كتلة الحريري الإعلامية: اغتيل سمير قصير مع ما يمثله من مشروع إعلامي. اغتيل رئيس تحرير النهار النائب جبران تويني.

توفي كل من بيار صادق ونصير الأسعد. اختار النائب نهاد المشنوق التفرج من بعيد على الإمبراطورية الإعلامية التي أسسها، تتهاوى فوق رؤوس مستشاري الحريري الإعلاميين يتقدمهم هاني حمود. خرج دينامو الماكينة الإعلامية النائب عقاب صقر من اللعبة ولم يعد. نديم قطيش سافر هو الآخر إلى دبي. فارس خشان نشر في كتابه الأخير «مومس بالمذكر» أكثر بكثير من مجرد سيرة ذاتية بعدما أقفل موقعه الإخباريّ ليتفرغ في منفاه الباريسي لكتابة الروايات الخيالية التي تلقى رواجاً كبيراً في أروقة المحكمة الدولية. وبدوره تحول نوفل ضو إلى معلق فايسبوكيّ على مواقف التيار الوطني الحر حصراً، ويملأ وقت الفراغ السياسيّ بإدارة مزارع بزاق. وعلى خطاهم سار أسعد بشارة مبتعداً باتجاه الوزير أشرف ريفي. أما نديم الملا، فأخرج من الفريق الضيق المحيط بالرئيس سعد الحريري إلى المجهول. وذهب طانيوس دعيبس طواعية إلى المنزل. وانكفأت مي شدياق. وآثر سوبرانو «المستقبل» إيلي محفوض الالتفات أخيراً إلى مكتب محاماته. حتى «ابن البلد» صاحب «الياطفات» الطرابلسية الشهيرة، سُحِب من السوق.

وفي السياق نفسه، كان تلفزيون «المر» وعدة إذاعات، وصحيفة «اللواء» ودار «الصياد» وصحيفة «الأنوار» وعدة مراكز دراسات وإحصاءات، كان هؤلاء، يدركون أن الأميركيين والسعوديين فتحوا صفحة جديدة لا طفرة مالية فيها، فقرروا استعادة رشدهم، وتخلوا عن شعار «مع المستقبل ظالماً كان أو مظلوماً». وفي وقت تعمد فيه قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر إلى تجديد وجوهها الإعلامية، ولو بما هو أسوأ أحياناً، استهلك تيار «المستقبل» منظريه من النائب السابق سمير فرنجية إلى فارس سعيد والياس عطالله الذين فقدوا سحرهم.

وبعد تضعضع الدائرة الحزبية والدائرة شبه الحزبية تضعضع صف الدفاع الأول عن «المستقبل» المتمثل بالمواقع الإلكترونية ومستكتبيها خصوصاً، كما أقفِل ملحق «النهار» وأحيل كتّابه على التقاعد، وجرى التخلي عن أقنعة اليسار الديموقراطي المختلفة. بينما كان يجري إغلاق المواقع الإلكرتونية تباعاً، كان موقع «ناو ليبانون» يتولى احتضان المستكتبين، لكن بعدد أقل هذه المرة، مبقياً على قلة تتقاطع مع تيار «المستقبل» في مواقف قليلة ويختلفون معه في مواقف كثيرة. أما الجزء الأكبر من «مستكتبي» ناو ليبانون، فتشردوا أشهراً في شوارع بيروت لا يعرفون كيف يعيدون تنظيم حياتهم من دون الأجر الخياليّ لمقالاتهم. وقرر «الرفيق» إيلي خوري أخيراً إقفال موقع «ناو» نهائياً.

أمام العجز هذا، تولت جهة ما نصح منظمات المجتمع المدني باستقطاب «المشردين»، وتوظيفهم كمسؤولين إعلاميين للجمعيات أو مستشارين، فيما استغل آخرون منهم أول فرصة خليجية سنحت لهم. وانضم جزء كبير من كتاب المواقع والمؤسسات الحريرية إلى وسائل الإعلام القطرية التي تتقاطع مع الحريري أيضاً في بعض المواقف، لكنها لا تروّج له. فقد انتقلت الكرة التي يركض بعض الإعلاميين خلفها من الملعب الحريري إلى الملعبين القطري والسعودي اللذين يعاديان حزب الله طبعاً، لكنهما لا يؤيدان الحريري ولا يروجان له، ولا ينتظران بطبيعة الحال تعليمات هاني حمود أو تسريباته. فمثلا، يمكن متابعة حازم صاغية وحازم الأمين في «الحياة» والياس خوري في «القدس العربي» وديانا مقلد في «الشرق الأوسط»، حيث يظهر بوضوح عداء هؤلاء لـ»حزب الله»، لكنهم لا يدافعون بأي شكل من الأشكال عن الحريري.

اختصاراً، يمكن القول إن تيار «المستقبل» انتقل من مرحلة كان فيها الوزير نهاد المشنوق الصحافي المميز بمعلوماته المتشعبة وقلمه الأنيق إلى مرحلة بات فيها عوني الكعكي هو الوجه الإعلامي الحريري. كان هناك النائب عقاب صقر بدهائه وسرعة بديهته وشطارته في التغلغل وسط صحافيّي الخصوم، فصار لدينا اليوم رشا الخطيب التي تصف من يختلف معها في الرأي أو يجرؤ على انتقادها أو مساءلتها بأنهم «بهائم» تحتاج إلى «إعادة تربية من أول وجديد».

انهارت إمبراطورية كبيرة تلاعبت بعقول كثيرين ونجحت في اختراق دفاعات الخصوم، ولم يبق للحريري سوى حساب على موقع تويتر يطلق عليه تغريداته. والبساط الذي تضافرت جهود كثيرين لنسجه سابقاً لا يمكن لملمة خيطانه إذا عادت الأموال إلى مجاريها.

«المستقبل» يتفوّق في «المكتوب»… عددياً

خلافاً لما يدّعيه بعض أفرقاء 8 آذار، لا بدّ من الاعتراف اليوم بأن قدرات 8 آذار الإعلامية أكبر من قدرات «المستقبل»، لكن المشكلة تتعلق بالإدارة الإعلامية. تتراجع قناة «المستقبل» بقوة، وتحاول قناة «المر» ملء الفراغ ولو بتقاطع غير كامل مع «المستقبل».

في المقابل، هناك «المنار» و»إن بي إن» و»أو تي في»، بالإضافة إلى قناة «الجديد» التي تحاول التمايز عن 8 آذار في بعض الملفات. أما المؤسسة اللبنانية للإرسال، فتواصل سياسة وضع القدم السليمة في ملعب 14 آذار، والقدم المكسورة في ملعب 8 آذار. أما إذاعياً، فالغلبة مطلقة لقوى 8 آذار. وإلكترونياً لم تعد المواجهة متكافئة أبداً في ظل غلبة 8 آذار والتيار الوطني الحر. أما في الصحافة المكتوبة، فلا تزال الغلبة العددية للحريري الذي يملك «المستقبل» و»النهار» و»دايلي ستار»،ويقف إلى جانبه «الجمهورية» و»لوريان لوجور» و»الأنوار» و»الشرق» و»اللواء» و»الشرق الأوسط» و»الحياة» السعوديتان و»العربي الجديد» القطرية وعدة صحف كويتية… لكن بأي نفوذ وبأي تأثير؟!

  **************************************

«إيران تقاتل عن قاتل نصف مليون سوري حتى آخر لبناني.. و«المستقبل» لا يسلّم قراره للخارج كحزب الله»
الحريري: الأسد ساقط ونصرالله عاجز عن الانسحاب

 

«لعكار علينا الكثير الكثير ومهما فعلنا لا نوفيها حقها».. عبارة آثر الرئيس سعد الحريري أن يختم بها خطابه أمس، مختتماً زيارته الرمضانية للشمال التي استمرت 3 أيام بمأدبة إفطار أقامها في ببنين على شرف عائلات من مختلف المناطق العكارية بحضور سياسي ونيابي وروحي وحزبي وبلدي وأهلي حاشد وأطلق خلالها مروحة مواقف وطنية جديدة عبّر فيها «من عكار خزان الدولة والعروبة والشهامة والكرم في استقبال النازحين من جحيم بشار الأسد وحلفائه المجرمين» عن ثقته بأنّ «الأسد سيسقط حتماً وسوريا الجديدة ستقوم من الركام»، لافتاً الانتباه في المقابل إلى أنّ أمين عام «حزب الله» عاجز عن اتخاذ قرار وطني ذاتي بالانسحاب من الحرب السورية باعتبار الحزب وقع في «دوامة» ولن يخرج منها «إلا بقرار إيراني» وصفه بأنه «مثل حلم إبليس بالجنة».

وإذ أسف لكون قيادة «حزب الله» قررت ربط مصير اللبنانيين بمصير الأسد ولذلك «يضعون البلد في الفراغ الرئاسي والمؤسساتي والاقتصادي والمعيشي إلى أن يروا ماذا سيحدث في سوريا»، استغرب الحريري كيف أنهم «في الوقت نفسه ينظّرون على تيار المستقبل بأنه راهن على سقوط بشار الأسد ولم يسقط بعد»، فردّ جازماً: «نعم سيسقط غداً أو بعد غد أو بعد سنة» وسأل: «كيف لقاتل نصف مليون من شعبه أن يكمل بحكم بلده؟ وهو أصلاً اليوم لا يحكمها وبأحسن الأحوال هو المشرف العام على الحرب الأهلية وعلى تدمير سوريا»، وأضاف في مقابل اتهام «تيار المستقبل» زوراً وتضليلاً بأنه يراهن على التغيير السوري للاستقواء به على الداخل: «المستقبل» لا يسلّم القرار الوطني اللبناني لأي إرادة خارجية عربية أو غير عربية.. «مش متل حزب الله» المهم أن يكون في سوريا حكم وحاكم طبيعي ونظام يريد التعاون مع لبنان «مش يهيمن عليه».

وفي معرض إعادة تصويبه بوصلة الحقائق الوطنية تجاه الموقف من سوريا، قال الحريري: «الذين يتهموننا بأننا راهنا على أن يسقط النظام في السنة الأولى للثورة، هم الذين راهنوا على أن ينهوا الثورة بالأشهر الأولى وقد مضت عليهم خمس سنوات وهم اليوم يزجّون جحافل من المسلحين في سوريا من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها، أما نحن فأقلّه نجهد لمنع إمتداد النار من سوريا إلى لبنان ولا نرمي بالشباب اللبناني وبمصالح لبنان في النار السورية فقط لأنّ إيران قرّرت أن تقاتل دفاعاً عن بشار حتى آخر لبناني». كما ذكّر كيف ردّ «حزب الله» على المبادرة الوطنية التي كان قد أطلقها منذ سنتين لفك الاشتباك بين لبنان والحرب السورية «بالإصرار على المشاركة في الحرب وتوسيعها إلى دول أخرى حتى اليمن حيث أصبح القتال (بنظر «حزب الله» كما قال نصرالله) أشرف من محاربة العدو الإسرائيلي»، وأردف مستنكراً: «الله يعينك يا فلسطين».

إنمائياً، استعرض الحريري جملة المشاريع الجاري العمل على تنفيذها في عكار بما يشمل المياه والكهرباء والطرقات والصرف الصحي والصحة والتربية، كاشفاً في هذا المجال عن عزم وزارة المالية على تحويل الدفعة الثانية من مبلغ المئة مليون دولار للتنمية العكارية بقيمة 33 مليون دولار، بالإضافة إلى متابعته المشروع الحيوي لعكار وكل الشمال «أوتوستراد الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي صدر مرسوم الإستملاكات المتعلق به وتعمل لجنة الإستملاكات لبدء المرحلة الأولى من المحمّرة وصولا إلى الكويخات» بالتزامن مع الدراسات الأولية استعداداً لاستخدام مطار القليعات بمجرد انتهاء الحرب السورية، مع إشارته إلى تلقي الموافقة المبدئية من الجهات الإيطالية المانحة لتلزيم محطة التكرير في مشمش.

وكان الحريري قد تابع سلسلة لقاءاته أمس مع الفاعليات والهيئات والجمعيات والوفود الشعبية في طرابلس واستعرض معها المشاريع الضرورية التي تحتاج اليها عاصمة الشمال لتنشيط الدورة الاقتصادية فيها مبدياً استعداده لدعم تنفيذ هذه المشاريع من خلال اتصالاته مع المسؤولين المعنيين.

  **************************************

 لبنان يرصد هزّة الإنفصال وعينُه على «ســلّة آب» وبرّي «متشائل»

 

خلافاً للسلبيات والإرباكات التي أسقَطها الانفصال البريطاني عن الاتّحاد الأوروبي، على أوروبا والعالم، فقد تبَدّت للحدث البريطاني حسنةٌ لبنانية، تجلّت في أنّه تقدّم على الشأن اللبناني وأعطى الملفّات الداخلية إجازةً قصيرة وموَقّتة، وشدَّ الاهتمامَ السياسي العام إلى أرض الانفصال، لعلّه يتلمّس ضوءاً، أو يلتقط إشارةً ما حول الاتّجاه الذي سيميل إليه خط السير الأوروبي لا بل العالمي بعد الانفصال، ورقعةِ ارتداداته المباشرة، سواء الدولية أو الشرق أوسطية، وحجم تداعياته وموقع بريطانيا بعد هذه الخطوة.

لبنان على خط رصد ومتابعة ارتدادات الانفصال البريطاني، مع التركيز على مغزى ودقّة ما باتَ يسمّى في أوروبا «الزلزال»، وعلى الأصوات التي بدأت تتصاعد وتدعو إلى استنساخ هذا الانفصال في بعض الدول المرتبطة ببريطانيا تحديداً، وأيضاً، في دول أوروبّية أخرى.

ولأنّ لبنان ومِن موقعه الجيوسياسي اعتاد على مرِّ تاريخه، أن يتأثر بما يجري خارج حدوده، وأن يشكّل في كثير من الظروف والأحيان مرآةً عاكسة للحدَث الخارجي، إقليمياً كان أو دولياً، فإنّ مستويات سياسية رفيعة المستوى تستبعد أن تلفح رياح الانفصال لبنان، بل هو في منأى عن هذه العاصفة، ولذلك فهي تدعو إلى عدم الاستعجال في الحكم على الحدث البريطاني، وانتظار المدى الذي سيَبلغه ما بات يسمّى في أوروبا «الزلزال».

ولكن حتى الآن تبدو مفاعيله محصورةً في الميدانين البريطاني والأوروبي، إلّا أنّ احتواءَ تلك المفاعيل – هذا إنْ ظهرَت نوايا في هذا الاتجاه – يتطلّب بعضَ الوقت، ولكن قد تتفاعل أكثر إذا ما اقتدت ببريطانيا، دولٌ أخرى، وكرّت سُبحة الانفصال مع ما يتأتّى عنه من تغييرات سياسية وجغرافية، وربّما توتّرات!

برّي: لم أفاجَأ

سياسياً، يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري: «لم أفاجَأ بهذا الانفصال، فقد كانت له مقدّمات، أنا شخصياً لمستُ بعضَها خلال لقاءاتي الداخلية مع السفراء والديبلوماسيين الاوروبيين، وخلال زياراتي الخارجية ولقاءاتي مع كبار المسؤولين الاوروبيين».

ويضيف: «الاتحاد الاوروبي لم يكن من الصلابة، التي لطالما حاوَلوا إظهارها، ولعلّ مجرّد مقاربة بسيطة، ولكن دقيقة ومعمّقة، لواقع الاتحاد فإنّها تظهِر أنّ الاتّحاد ليس سوى هيكل ضعيف لا يملك سياسة قوية موحّدة، بل يَسير خلف الولايات المتحدة الأميركية التي تقوده في الاتّجاه الذي تريد. وها هي أوكرانيا مثالٌ حيّ وقريب».

وأمّا لبنانياً، ففي رأي برّي «أنّ لبنان سيكون بمنأى عن الانفصال، سواء في القضايا السياسية أو غير ذلك، وأنا لا أرى رابطاً بينهما».

جابر: لا انعكاسات

وفي السياق ذاته، لا يرى النائب ياسين جابر تأثيراً على لبنان، وقال لـ»الجمهورية»: لا انعكاسات مباشرة ستَظهر، لكن في المطلق، فإنّ لبنان دولة داخلة في الشراكة مع الاتّحاد الاوروبي، لذلك يجب طرح سؤال: «ماذا سيَحصل في الاتحاد»، لأنّ ما حدث في بريطانيا، يهدّد بتفكّك ما يُسمّى بـ«المملكة المتّحدة» نفسِها، والاتّحاد كذلك، إذ إنّ بريطانيا فتحَت الباب أمام غير دول بأخذِ المبادرة نفسها».

ورأى جابر أنّه يجب تحويل السؤال إلى: «ما انعكاسات ما حدثَ في الشرق الأوسط على الاتّحاد الاوروبي؟»، معتبراً أنّ «ما حدث بـ»الربيع العربي» منذ العام 2011 وثمّ تفجّر الأزمة السورية وانتشار نحو 5 ملايين لاجئ في العالم، واستغلال تركيا وأردوغان لهذا الملف من خلال دفعِ مئات آلاف المهاجرين على الانتقال من الشواطئ التركية إلى أوروبا، خلقَ حالة هلعٍ عند المجتمع الاوروبي أدّت إلى ما حصل في بريطانيا».

إلّا أنّ مرجعاً سياسياً كبيراً يقرأ في الحدث البريطاني، نتيجةً لبنانية سريعة وسلبية على الاستحقاق الرئاسي، إذ إنّ هذا الحدث أعاد بشكل أو بآخر، جدولةَ الاهتمامات الدولية، بحيث وضَع الحدث البريطاني على رأس قائمة العناية والاهتمامات والمتابعات، ووضَع سائر الملفّات الأخرى على الرف.

وبديهيّ القول هنا إنّه إذا كان الملف الرئاسي اللبناني واحداً من «الملفّات الأخرى»، فمعنى ذلك أنّه وضِع على الرفّ الدولي حتى إشعار آخر. إلّا إذا كان خلفَ الأكمة ما خَلفها، ويحضر لبنان بجدّية في محادثات ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في باريس، ويتمخّض عنها ما يسرّ القلبَ بالمعنى الرئاسي اللبناني.

مرجع مالي: وضعُنا صلب

وأمّا اقتصادياً، فلدى المراجع المصرفية والمالية «تطمينات جدّية». وقال مرجع ماليّ كبير لـ«الجمهورية»: وضعُنا المالي صلبٌ رغم كلّ الضغوط التي نواجهها.

أمّا في شأن مستجدّات الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي، فهذه المسألة لها تداعياتها البريطانية والأوروبية، وبالتأكيد سيكون هناك ضغط سلبيّ كبير على اليورو والجنَيه الاسترليني، وقد بدأ ذلك فعلاً، حتى داخل السوق اللبناني. أمّا في ما يعنينا، فلا تأثيرات مباشرة للانفصال البريطاني، على الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان.

برّي: السلّة أو الـ «60»؟

وكما أنّ عين الرصد اللبنانية تلاحق تطوّرات الانفصال البريطاني وتداعياته، فإنّها ما زالت شاخصة على مجموعة الملفّات المعقّدة:

– أوّلاً، سياسياً، العين على الجلسات الثلاث التي حدّدها بري مطلعَ آب المقبل للتفاهم على سلّةِ حلّ متكامل رئاسياً وانتخابياً وحكومياً.
مصادر واسعة الاطّلاع أكّدت لـ»الجمهورية» وصولَ إشارات فرنسية أخيراً تؤيّد مبادرة برّي واجتماع اللبنانيين لمحاولة صياغة الحلّ اللبناني والتوافق على السلّة.

كان اللافت للانتباه بروز أصوات داخلية معترضة على التوجّه نحو عقدِ «دوحة لبنانية»، أو التوافق على سلّة، على اعتبار أنّها تقود إلى «المؤتمر التأسيسي»… إلّا أنّ الرئيس برّي استغربَ الذهابَ إلى هذا الحدّ، وقال لـ«الجمهورية: «لا أحد يتكلّم عن المؤتمر التأسيسي من قريب أو بعيد، كلُّ الأمور تجري تحت سقف «الطائف»، وهذا ما تمّ التأكيد عليه في جلسة الحوار الأخيرة، وخصوصاً مِن قبَل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي أكّد على سقف الطائف.

وأعربَ برّي عن أمله في أن تكون الجلسات الثلاث في آب المقبل منتجةً، فنتمكّن عبرَها مِن بلوَرة التفاهم. «وأودّ أن يعلم الجميع أنّ تلك الجلسات هي «الخرطوشة الأخيرة» التي نطلِقها، في محاولةٍ لخلقِ حلٍّ كامل متكامل يُنهي الحال الشاذة التي يعيشها البلد.

وقال: لا أستطيع أن أقول إنّني متفائل إلّا إذا صارَ في يدي شيءٌ ملموس. أنا «متشائل»، وما أتمنّاه هو أن يحصل التفاهم، أنا مع الاتّفاق على السلّة الكاملة من دون تقديم أو تأخير بندٍ على آخر.

ولا يكفي في هذا السياق، الاتّفاق على انتخاب رئيس الجمهورية بمعزل عن أيّ أمر آخر، ذلك أنّ الاتفاق على الرئيس، وعلى رُغم الاهمّية الكبرى لهذا الاتفاق على طريق سد الفراغ الرئاسي، إلّا أنّ العقبة الأساسية والرئيسية الكبرى التي سيصطدم بها الرئيس الجديد هي قانون الانتخابات النيابية، وعليه فإنّ الأفضل والأسلم للبلد ولسَير المؤسسات فيه أن يُصار إلى الاتفاق أوّلاً على القانون الانتخابي.

وتوجَّه برّي إلى سائر القوى السياسية على اختلافها: يجب أن يحصل تفاهم على السلّة، للسير بالبلد الى برّ الأمان، البلد لم يعُد يحتمل، هناك فوضى وفَلتان يضرب كلّ شيء، حرام أن يستمر الوضع على ما هو، يجب أن نمسك البلد من جديد قبل أن ينهار أكثر.

ولفتَ برّي انتباه الجميع: «الجلسات الثلاث، كما سبق وقلت، هي الخرطوشة الأخيرة أمامنا لبلوَرة الحلّ المطلوب، ولكن ما لم نصِل الى هذا الحلّ فساعتئذٍ «أبشِر بطول بقاءٍ يا ستّين». أي سنجد أنفسَنا مضطرّين لكي نجريَ الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ حالياً، أي قانون الستّين.

ولفتَ برّي أيضاً، إلى أنّ الوقت يداهمنا، وإن فشلنا في جلسات آب، في الاتفاق على قانون انتخابي يعتمد على النسبية بشكل كامل أو جزئي، فلن يعودَ لدينا متّسَع من الوقت، وبالتالي احتمالُ أن نصل الى قانون فيه نسبية بَعد ذلك، يصبح احتمالاً ضعيفاً جداً، ذلك أنّ أمرَ شرحها وكيفية تطبيقها يحتاجان بين ستّة وسبعة أشهر.

– ثانياً، برلمانياً، العين على مجلس نيابي معطّل، ينتظر أن ينتشل مفتاحه من مغارة الخلافات والانقسامات التي تنذِر بطول إقفال وتعطيل.

– ثالثاً، حكومياً، العين على حكومة ما زالت عرجاء، إلّا إذا نجَحت محاولات تفعيلها في بثّ الروح فيها من جديد. وها هي تدخل في اختبار جدّي مع التقرير الأخير لمجلس الإنماء والإعمار بالمشاريع المنفّذة أو التي هي قيد التنفيذ. والبالغة كلفتُها مليارات الليرات.

وها هي وزارة المالية تقرّر شدَّ حزام التمويل… ووزير المالية علي حسن خليل أكّد صراحةً في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء ما مفادُه: «الوزارة لا تستطيع التمويل، السبيل إلى ذلك عبر النزول إلى مجلس النواب وفتح الاعتمادات اللازمة».

وقبل 48 ساعة على الجلسة المالية، أعلن الوزير خليل أنّه سيقدّم في جلسة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل شرحاً مفصّلاً عن الوضع المالي بالتفاصيل والأرقام، وغرّد عبر «تويتر»: «سأطرَح الحلول والحاجات لتحصين الوضع المالي وعدم ذهابه إلى حدود الأزمة».

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّه وفي ضوء التقرير المالي الذي وَعد به وزير المال، قد تُبادر الحكومة إلى اقتراح عقدِ دورةٍ استثنائية لمجلس النواب لإقرار بعض الاعتمادات والتصويت على برامج ومشاريع قروض وهبات تنتظر إقرارها، ولا بدّ مِن إحيائها لمواجهة المستحقّات المالية الكبرى التي تواجهها البلاد في ضوء التعثّر الذي أصابَ الهبات المقرّرة مالياً وعسكرياً.

وكشفَت المصادر أنّ في نيّة رئيس الحكومة تخصيص جلسات أخرى يمكن أن تلي الجلسة المالية، ومنها لملفّ النفايات، وأخرى للكهرباء، وثالثة للقضايا الاجتماعية والبيئية، وقضايا أخرى.

درباس لـ«الجمهورية»

وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهورية» إنّ النوايا موجودة عند الوزراء لتسهيل أمور الحكومة، وبالنسبة لجلسة الثلثاء المقبل، فالأمر يعود لرئيس الحكومة عمّا إذا كان سيطرح جدول الأعمال أو بعضَ المواضيع المعلّقة».

وعن انعكاسات استقالة وزير الكتائب آلان حكيم، والتي لم يقدّمها بعد خطّياً لرئيس الحكومة، أكّد درباس أنّ «ما يشكو منه وزير الكتائب يشكو منه جميعُ الوزراء، ولكنّ هذه الاستقالة فجوةٌ في آخِر جدارٍ حامٍ للدولة، فكيف لحزبٍ عريق ولديه تمثيلٌ كحزب «الكتائب» أن يستقيل في مِثل هذا الوقت»؟.

زعيتر لـ«الجمهورية»

وعبّر وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر عن عدم رضاه على عمل الحكومة وعلى الآليّة الغريبة عن الدستور التي تُعتمد في اتّخاذ القرارات، وإذا استمرّ العمل وفقَها ستفقد الحكومة إنتاجيتها».