شكل التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية الحدث الأكثر جدلا طيلة مراحل الإنتخابات البلدية والإختيارية وما قبلها.

فمنذ قيام هذه الثنائية، وضع رهان كبير على أنها لن تستمر خصوصا أنها تشكلت ظاهريا كردة فعل على ترشيح سعد الحريري لسليمان فرنجية للرئاسة الأولى فتبنى حكيم معراب ترشيح الجنرال عون للرئاسة بالمقابل. غير أن هذه الثنائية لم تتشكل فقط بسبب هذا الترشح بل لها أسباب عميقة أهمها المطالبة بحقوق المسيحيين ومحاكاة الثنائية الشيعية التي استطاعت التحكم بمفاصل الدولة.

  الثنائية المسيحية وسقوط شعار 86%:  

لكن ما لم يدركه جيدا القيمون على الحلف المسيحي  هو أن الوعي والثقافة المسيحية تختلف عن تلك الشيعية.

فالمسيحيون يمتازون بالتنوع والتعدد بالآراء وفسحة مكانية واسعة  بالحياة السياسية للمجتمع المدني والعائلات ولم يحتكر أي طرف مسيحي واحد رأيهم ويحكي بإسمهم عبر التاريخ بإستثناء تجربة بشير الجميل التي إستعمل فيها الحديد والنار لتوحيد المقاومة المسيحية.

وإنطلاقا من سوء الفهم هذا، تبنى طرفي الحلف شعار تمثيلهم ل 86% من الرأي المسيحي ففشلوا في إثبات ذلك إنتخابيا وسقط الشعار.

في المناطق التي خاضوا فيها المعركة كحلفاء نجحوا في العديد منها ولكن النسبة التي حققتها اللوائح المنافسة لهم كانت كبيرة وقريبة كزحلة مثلا حيث إستطاعت لائحة سكاف تجيير حوالي 9000 صوت لصالحها ولائحة فتوش جيرت حوالي7000 صوت فيما جيرت لائحة الثنائية والمتحالفين معها حوالي 10000 صوت، بمعنى آخر أن لائحتي فتوش- سكاف لو تحالفتا لأطاحتا بالثنائية المسيحية بفرق واسع وهذا له دلالة أخرى أن الجو المسيحي الزحلاوي لا يزال يؤمن بثقافة البيوتات السياسية بنسبة كبيرة تعكسها أصوات لائحتي فتوش وسكاف.

أما في سن الفيل فقد إستطاع حزب الكتائب لوحده إسقاط تحالف الثنائية في منطقة مسيحية قوية حيث لم تسقط نسبة 86% فقط بل حتى 50% سقطت فخسروا المجلس البلدي.

أما في جبيل، فلم تفكر الثنائية حتى بخوض المعركة لأنها تعرف أن جو المدينة لا يدين لها بل لشخصية وحيثية بات يمثلها رئيس البلدية الحالي زياد حواط والذي إستطاع سابقا في 2010 من كسر عون في هذه المدينة. وجبيل مدينة عريقة ثقافيا وحضاريا  وأن لا يوجد فيها مجلس بلدي يدين بالولاء لهذه الثنائية لهو أمر سياسي يحمل دلالات قد تترجم لاحقا نيابيا.

في المتن الشمالي،  كانت الكلمة العليا لدولة الرئيس إلياس المر حيث إكتسح بلديات هذه المنطقة وفازت ميرنا المر برئاسة الإتحاد.

أما باقي مناطق المتن فكانت خليط بين القوات والكتائب والتيار وباقي القوى السياسية ولم يجد المراقبين أي صدى لشعار 86% بالمئة على أرض الواقع.

فالمتن الشمالي مثلا خارج هذا المزاج بالكامل مثله كجونية والتي شكلت إنتكاسة لهذه الثنائية. ففي عاصمة الموارنة،  تشكلت لائحتين،  الأولى مدعومة من التيار العوني والثانية مدعومة من القوات وحلفائه من العائلات، نجحت لائحة عون بفارق ضئيل نسبته 0.2% ولكن الطامة الكبرى هو فشل تشكيل لائحة موحدة بين القوات والتيار وترجمة الثنائية المسيحية واقعا على الأرض في عاصمة الموارنة.

لقد أثبتت تجربة جونية أن هذه الثنائية فشلت فشلا ذريعا في قلب كسروان حيث الهوى والهواء مسيحي فإنقلبت المعايير وتعددت التحليلات.

الفشل إمتد إلى القبيات وتنورين،  ففازت لوائح مدعومة من قبل حبيش والضاهر وبطرس حرب بوجه لوائح الثنائية، ففي عكار مثلا منيت الثنائية بخسارة قوية خصوصا في القبيات وسجل فشلا ذريعا للتيار الوطني الحر في أقضية المحافظة.

وفي البترون عموما، إستطاع تحالف المردة والكتائب وبطرس حرب تسجيل نقاط واسعة وخروقات وفوز في العديد من المناطق على حساب لوائح الثنائية المسيحية.

في جزين أيضا فازت اللوائح المدعومة من التيار والقوات ولكن سجلت خروقا على المستوى البلدي قاربت الأربع خروق، في تكرار وتأكيد لما هو مؤكد أصلا بأن هذه الثنائية لم تستطع تسجيل رقما هاما على المستوى المسيحي والقضاء على البيوتات السياسية والأحزاب المسيحية المنافسة بإستثناء ما حصل في دير القمر حيث إستطاعت تسجيل فوز مهم على لائحة دوري شمعون في عقر داره.

ولم تجرب الثنائية حظوظها في زغرتا،  فالمنطقة تدين بالولاء لسليمان فرنجية، أما مناطق القضاء فسجلت نصرا للوائح المردة مع تواجد لحيثيات وكوادر تعبر عن هذه الثنائية.

في طرابلس، غياب تام لمشهدية الثنائية،  ويبدو أن الشمال متجه لسيطرة مسيحية في المناطق المسيحية يعبر عنها تحالف المردة- حرب- حبيش- الكتائب.

ولا يمكن الغفلان عن أن بعض المناطق شهدت تحالفات بين المردة والتيار كالميناء وبين التيار والكتائب كجونية، في تأكيد آخر عن فشل الثنائية في تقديم نفسها حامية حقوق المسيحيين وممثلهم الأكبر.

  إستنتاج ما بعد الإنتخابات:  

من الظلم الحكم وتوقع فشل الثنائية المسيحية في المستقبل فربما سيراجعون حساباتهم ويخفضون من سقف توقعاتهم وأهدافهم وشعاراتهم ويجرون التقييم المناسب.

ولكن لو حكمنا على ما جرى في هذه الإنتخابات فمن البديهي والطبيعي أن الثنائية فشلت في تسجيل رقم قوي وكبير مقابل المنافسين حين إنتصرت وفشلت في خلق لوائح موحدة بينها  في بعض المناطق وهزمت في لوائح خاضتها أمام الآخرين.

والمجتمع المسيحي في هذه الإنتخابات أعطى رأيه ومشى مخاطبا الثنائية المسيحية قائلا: أنتم تمثلون 40% من المسيحيين والباقي عائلات وحيثيات وأحزاب ونخب وتيارات ومجتمع مدني.

لا تقارنوا أنفسكم بالثنائية الشيعية التي هي أيضا تعيش مخاض عسير، فالسياسة بنت الأرض التي تخاض عليها،  وفرق واسع بين المجتمعين والفكرين.

التقليد هنا يثمر نتائج كارثية كتلك التي حلت بلوائح الثنائية عبر المناطق المسيحية.