تذكُر كُتُبُ التاريخ بأن " الفاتح " المسيحي نابليون اعتاد مع كل سياحة حربية زيارة البابا لنيل الرضا وأخذ البركة وتعميده وتبخيره أمام المذبح وللجلوس على كُرسيّ الاعتراف تخفيفاً للذنوب أو لتحميلها لإله الكنيسة فيغفر له ما تقدّم وما تأخر ويرجعه كما ولدته أمُه صفحة بيضاء لا ذنب فيها ولا معصية ويمسح سيفه بأوراق الأناجيل ليزيل عنه دماء الأبرياء الكافرين وغير الخاضعين للتاج الفرنسي .

كان بابا نابليون يكره الحرب ايماناً منه برسالة سيده المسيح لذا كان ينتهز اعتراف القائد التاريخي ليسمعه كلاماً من الربّ ومن رسالة السلام المرسلة من السماء ليهتدي السبيل الى الانسان حتى لا يخسر بقتله ما وعد به المؤمنون من جزاء في وعد الآخرة .

وفي احدى المرّات جاء نابليون كعادته الى البابا وهو متهيء للحرب وقدّ سلّ سيفه لجزّ الرقاب وفتح بلاد و أوساع جديدة لفرنسا فسأله الى أين أنت ذاهب بجيشك ؟

فقال له : سأحتل أوروبا ومن ثم سأكمل سير الخيول باتجاه افريقيا ابتداءً من مصر ومن ثم الى حيث تصل أرجل الخيول وأكمل البابا سؤاله وماذا بعد ذلك ؟

قال له نابليون : سأعود لأرتاح في فرنسا وأنام ...عندها قال له البابا لماذا لا تنام منذ الآن وتريح نفسك وشعبك وتوفر على العالم ويلات الحروب المدمرة للبشر والحجر ؟

طبعاً كانت أذن العظمة النابليونية مغلقة عن الموعظة الانسانية فجنون نابليون كان بمستوى جنون هتلر وهو السيطرة وبناء امبراطورية لا تحدها الشمس لذا ذهب مع السيف الى حيث يطمح وحقق انتصارات وانكسارات وهزائم وبعد تاريخ من التوسعة الفرنسية عاد كل شيء الى ما كان عليه كما عادت فرنسا دون سيطرة واستعمار لأحد وكأن ما حققته صهيل الخيول وصليل السيوف مجرد تضحيات مجانية وهلوسات لمجانين العظمة من ملوك وأمراء وقادة عسكريين وسياسيين أيقنوا أن الموت وسيلة للحياة .

حبذا لو ينتصح المجاهدون والمناضلون الجُدد من تاريخ المجانين ويتركون خيولهم وسيوفهم ويوفرون على الأمم والشعوب حروباً لا تنتج ولا تتيح الاّ الخراب والدمار ويذهبون الى أحلامهم بدلاً من المجيء الى كوابيسهم وحبذا لو يتعظون من كبار وعظماء بنوا أمجاد كبيرة بواسطة العلم والمعرفة وبأفكار بنت دولاً أتاحت حضارات شامخة يحلم بالعيش بكنفها لا الحيوان البشري فقط بل الحيوانات كلها وكل من عجنته وجبلته يدُ الله .