{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}(الأنعام:108) تحدثت الآية أن حقائق الدين قائم على المنطق السليم والعقل النير والدليل والبرهان {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ}(الأنعام : 104).

فالدين ليس بحاجة إلى أسلوب السب والشتم لإقناع الطرف الآخر أو التشفى منه ،بل أكثر من ذلك أن هذا الأسلوب سوف يعرض المقدسات إلى الإهانة فعندما تسبون آلهة المشركين ورموزهم فسوف يسبون الله سبحانه وتعالى ويسبون رسول الله ويسبون أولياءكم ، والسب المباشر هو سبكم لآلهتهم ورموزهم.

يقول السيد الطباطبائي :"الآية تذكر أدبا دينيا تصان به كرامة مقدسات المجتمع الديني وتتوقى ساحتها أن يتلوث بدرن الإهانة والإزراء بشنيع القول والسب والشتم والسخرية ونحوها فإن الإنسان مغروز على الدفاع عن كرامة ما يقدسه ، والمقابلة في التعدي على من يحسبه متعديا إلى نفسه ،وربما حمله الغضب على الهجر والسب لما له عنده أعلى منزلة العزة والكرامة فلو سب المؤمنون آلهة المشركين حملتهم عصبية الجاهلية أن يعارضوا المؤمنين بسب ما له عندهم كرامة الألوهية وهو الله عز اسمه ففي سب آلهتهم نوع تسبيب إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحة قدسه وكبريائه .

وعموم التعليل المغهوم من قوله :{كذلك زينا لكل أمة عملهم} (الأنعام :108) يفيد عموم النهي لكل قول سيئ يؤدي إلى ذكر شئ من المقدسات الدينية بالسوء بأي وجه أدى"(الميزان ،ج7،ص 267). فالسيد الطباطبائي يستفيد من عموم التعليل في الآية عموم النهي لكل ما يؤدي إلى استفزاز الطرف الآخر والتعدي على مقدساته مثل السب والشتم واللعن والسخرية وما شابهه فإنه في المقابل سوف يسب المولى سبحانه وتعالى.

وعلينا أن نستفيد من سبب نزول الآية المباركة في ذلك الوقت ومقارنتها بوضعنا الراهن ،تقول بعض الروايات التفسيرية أن سب آلهة المشركين سوف يؤدي إلى سب الله سبحانه وهو على حد الشرك حتى وإن لم تكن قاصدا للشرك ،فإن منه ما هو ظاهر ومنه ما هو خفي ومن طريق غير مباشر بل أنت المسبب له .

روى علي بن ابراهيم قال :

حدثني أبي ، عن مسعدة بن صدفة ، عن أبي عبدالله عليه السلام ،قال :"إنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله :إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة(الصخرة الملساء) سوداء في ليلة ظلماء .

فقال : كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله ،فكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون ،فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم لكي لا يسب الكفار إله المؤمنين ،فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله تعالى من حيث لا يعلمون ، فقال : {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}"(وسائل الشيعة ،ج12،ص297،ح 3617) .  

الروايات تمنع من اللعن والسب :

وردت روايات كثيرة في المنع من اللعن والسب والتنديد بهما مطلقا وفي أي حال من الأحوال خصوصا إذا كانتا تؤديان إلى نتائج عكسية وخيمة مثل سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو سب أحد الأئمة عليهم السلام أو هتك أحد المقدسات أو سفك دم حرام أو هتك عرض أو سلب مال أو تغلب ظالم على المؤمنين والمسلمين ،من هذه :  1_ في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : خطب رسول الله(ص) الناس فقال :ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا بلى يا رسول الله .

قال : الذي يمنع رفده ويضرب عبده ويتزود وحده فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا .

ثم قال : ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك ؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال : المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه"  (الكافي ،ج 2 ،ص 290 ، ح 7). 2_وعن المعلى ، عن أحمد بن غسان ،عن سماعة قال :"دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقال لي مبتدئا : يا سماعة ما هذا الذي بينك وبين جمالك ؟!

إياك أن تكون فحاشا أو صخابا(الشديد الصوت) أو لعانا ، فقلت : والله لقد كان ذلك إنه ظلمني ، فقال : إن كان ظلمك لقد أربيت(إذا أخذت أكثر مما أعطيت) عليه إن هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي ،استغفر ربك ولا تعد ،قلت :أستغفر الله ،ولا أعود "  (مصدر سابق ، ص326 ، ح 14).

ونخلص إلى أن القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام نهونا عن السب والشتم واللعن .