الأئمة (عليهم السلام) لم يتعاملوا بمفهوم الأحقاد والطرد من رحمة الله

    إذا تتبعنا منهج أهل البيت عليهم السلام لوجدناهم يمثلون الواجهة الصحيحة للإسلام ،وأخلاقهم هي التي تمثل أحكام الدين وروحه الحقة .قدوتهم في ذلك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي نهل منه أئمة الهدى علمهم وفضلهم وأخلاقهم وسلوكهم .

فنرى أمير المؤمنين علي عليه السلام كيف أوصاهم عندما ضربه ابن ملجم وقبيل موته أن يعفو عنه ،فقال عليه السلام : "وصيتي لكم ... إن أبق فأنا ولي دمي ، وإن أفن فالفناء ميعادي ،وإن أعفو فالعفو لي قربة وهو حسنة ،فاعفوا "ألا تحبون أن يغفر الله لكم" (شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ،ص 143، خطبة23) .

فإمامنا رغم عظم المصيبة وسوء فعل ابن ملجم إلا أنه تحرك برحمته ومن خلال أخلاق القرآن التي جسد آياتها : {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}(آل عمران :134) .

ألم نر إمامنا عليه السلام كيف عاين أعداءه وأعني به الإمام الحسين ويشفق عليهم لأنهم سيدخلون النار بسببه ؟ 

فالحسين عليه السلام لم يتعامل بمفهوم الإساءة من سب ولعن ،بل كان روحا  أريحية الشمائل ،تنضح نبلا وكرما ورأفة ! وهذا ما تحدث عنه الشهيد مطهري قائلا : "في صباح اليوم العاشر من محرم ،عندما قرر شمر بن ذي الجوشن هذا المخلوق الذي قد لا يكون في الدنيا أكثر خسة ونذالة  أن يحادث الحسين قبل بدء الحرب ،لم يكن يدري أن الحسين عليه السلام كان قد فكر في ذلك فأمر بالخيام أن تقام متقاربة على شكل نصف دائرة ، وأن يحفروا خندقا ويملأه بالقصب الجاف وأن يشعلوه حتى لا يستطيع العدو أن يهجم من الخلف .

عندما جاء الشمر ورأى ذلك أخذ يسب ويلعن ،فرد عليه بعض أصحاب الحسين ، بغير السب واللعن طبعا .وقال أحد كبار الأصحاب للحسين عليه السلام : أجزني في أن أنهي أمره بسهم واحد .

فرفض الحسين ،فظن أن الحسين لا يعرف شمرا ، فقال : يا أبا عبدالله ،إن هذا هو الشمر بعينه ،فقال الحسين : أعلم ذلك ، فقال : إذن لماذا لا تأذن لي ؟

فقال : لأني لا أريد أن أكون البادئ بالحرب ،وما دامت الحرب لم تشرع بعد بيننا ،فإننا فريقان مسلمان متقابلان ،فإذا لم يبدأو هم بالحرب وإراقة الدماء ،فلن أبدأ أنا " (السيرة النبوية،مطهري،ص 69_70).

إن الشفقة والحنو على المخلوقين في الأمة ،وحمل هموم المنحرفين منهم ،هي من أخلاقهم السامية والرفيعة ،هذه الأخلاق لم ولن تكون يوما لتلعن أحدا ، وهذا ما قد نهى عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين فقال لهم : " إني أكره لكم أن تكونوا سبابين[ورواها ابن أكثم الكوفي في كتابه"الفتوح" بالصيغة التالية :كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين]( الفتوح،ج2،ص543) ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم :اللهم احقن دماءنا ودماءهم ،وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ،ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به لكان أحب إلي وخيرا لكم ،فقالوا : يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك" (شرح نهج البلاغة،ج11،ص21 ).

هذه المواقف تعكس عظمة الإسلام وقادته الأبرار ،وروح التسامح والعفو التي طبعت سلوكهم في المواقف جميعها ،بما في ذلك حالة القدرة ،فهم لا يستفيدون من قدرتهم لظلم المقابل وإيذائه ،بل تزيدهم قدرتهم رحمة وشفقة .