نجح  حاكم مصرف لبنان رياض سلامة،  ولو جزئيا بإمتصاص "غضب"  حزب الله ،  نتيجة للتعميم  رقم 137 الذي أصدره أوائل الشهر الحالي، والذي يركز على آلية  تطبيق القانون الصادر عن الكونغرس الاميركي  والمعروف بقانون مكافحة تمويل حزب الله دولياً.

ويبدو أن البيان الصادر عن سلامة  أول من أمس (الثلاثاء)، قد ترك إرتياحا لدى حزب الله ، لتضمنه شرطين جديدين يسبقان قرار إقفال أي حساب مصرفي تشك إدارة المصرف بارتباطه بحزب الله،  وينصان على أنه " يتوجب على المصارف التي تريد إقفال حسابات مؤسسات أو أشخاص لأنها تعتبرها مخالفة للقانون الأميركي أن تقدّم التبرير لذلك قبل إقفال الحساب، ويجب أن يتضمن التبرير حركة الحساب (الوتيرة/ الحجم)”.

ويقترح فيهه إصدار هيئة التحقيق المصرفيّة تعميماً ينصّ على إلزام المصارف، وقبل إقفال أيّ حساب، بإحالة الطلب إليها للنظر فيه وإصدار رأيها في مهلة 30 يوماً  .وهو ما يتعارض مع التعميم السابق الذي نصّ على إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بأسباب إقفال الحساب لاحقاً.

بيان سلامة جاء بعد اللهجة العالية النبرة لكتلة حزب الله النيابية، التي وصفت تعميم سلامة السابق  وإجراءات المصارف بـ"حرب إلغاء محليّة".

أكد وزير الاقتصاد والتجارة الان حكيم ألاّ أحد يقف بوجه العقوبات الأميركية المالية فهي داخلة في النظام المالي العالمي، مضيفا: العقوبات لا تخص لبنان فقط وبوجه من نقف؟

وشدد عبر حديث تلفزيوني قبل يومين على ان التهجم على حاكم مصرف لبنان مرفوض لأن الحاكم والمصرف يقومان بواجباتهما تجاه المودعين والمصارف والشعب.

وإعتبر حكيم ان الموضوع وجودي للمؤسسة المالية ، ويجب تطبيق القانون كما هو ، والموضوع هو كيفية تجنيب لبنان أي ازمة قد تحصل على الصعيد السياسي .

في المقابل فإن رئيس الحكومة  تمام سلام يتابع تفاصيل ومجريات هذه العقوبات، مع الرئيس نبيه بري، ووزير المال علي حسن خليل، والحاكم رياض سلامة.

كما وكان موضوع تعاطي المصارف مع القانون الاميركي بفرض عقوبات على حزب الله، أمس مدار بحث بين وفد من جمعية المصارف وممثلين للحزب، كما كان موضع تحليل في مؤتمر اقتصادي امس اعرب خلاله وزير المالية علي حسن خليل عن ارتياحه لموقف  سلامة.

وإنطلاقا من هذه الوقائع إلتقى موقع " نيو ليبانون " كل من  الدكتور بيار عازار الخبير في الشؤون الجيو سياسية والاقتصادية، والخبير الاقتصاديين الدكتورين الجامعيين : عبد الله ناصر الدين ومحمد وهبي.

بداية يؤكد عازار أن ما نشهده اليوم غايته في نهاية الامر تجفيف منابع تمويل حزب الله،  لأن الولايات المتحدة لديها إعتقاد أن الحزب يقوم بتبييض الاموال ويتاجر بالمخدرات وبالاتجار بالبشر و.... .
وفي واقع الامر، فإنها لم تتلمس حتى هذه اللحظة شيئا من هذا القبيل،  وإلا لما كانت بحاجة إلى هذه القرارات الصارمة بإتجاه المصارف.

ويتابع :" هذا القرار أتى بلحظة معينة امام التدخل العسكري لحزب الله في الاراضي السورية، وهذا يزعج انصار مشروع التقسيم، الذين يسعون إلى تغيير لبنان من خلال جبهة  السلسلة الشرقية،  ولكن وجود حزب الله منع هذا الموضوع، ما أدى اليوم إلى إدخال العامل النقدي كورقة ضغط على الجانب اللبناني بداية  لكي يؤلب الشارع الداخلي اللبناني من خلال المس ببنية المصارف وتهديد الاقتصاد اللبناني وهذا نوع من الضغط والحصار على حزب الله كي ينسحب من جبهة القلمون،  وفي الوقت نفسه من اجل الضغط على ايران كي تتوقف عن دعم هذا الحزب بأي من الارصدة التي أفرج عنها أو سيفرج عنها ".

وبالتالي نحن امام مرحلة تتداخل فيها الادوات لفرض عملية حصار على حزب الله من خلال تأليب الشارع اللبناني، ومن خلال إهتزاز بنية المصارف اللبنانية،  ولكن هذا الموضوع – وبالضرورة - لن يشهد أي تطور دراماتيكي ما دام الرئيس الاميركي اوباما في سدة المسؤولية،  وفق تعبيره .

ويرى عازار أن سلامة  سيعتمد أساليب فيها من الحكمة والعقلانية،  كي يتملص من القرار الصادر عن الكونغرس بشكل ذكي جدا،  دون المس بالقطاع المصرفي وإهتزاز الوضع النقدي أي دون المس بمنظومة الاستقرار النقدي ،  من خلال المرسوم 137 والذي أتى ك "مخرج".

ويشدد على أن اوباما يدرك تماما أن أي إهتزاز في الوضع النقدي  اللبناني يمثل كارثة كبيرة وخطيرة لأن " داعش" سيتغلغل آنذاك في الطبقات الفقيرة وسيدخل الاموال بكميات كبيرة الى لبنان،   لتمويل الخلايا النائمة والهائلة فيه.

وبرأيه فإنه وعلى الرغم من أن المصرف المركزي يملك احتياطات هائلة تمكنه من مقاومة أي إهتزاز نقدي لكن هذا - وبالطبع-  لفترة معينة .

ويشرح بأن مسعى سلامة منذ اللحظة الاولى، هو أن يبرز في المؤسسات والمنتديات المالية الدولية أن السلطة المالية  ضمن الواقع اللبناني ملتزمة بكل القرارات الدولية حول الشفافية،  ومكافحة تبييض الاموال، والتهرب الضريبي وغيره ..... لافتا إلى أن ما يطرحه الكونغرس الاميركي له بعدان الاول  إقتصادي والثاني سياسي كي ينتج عنه معطيات سياسية محددة.

وإنتقالا إلى ناصر الدين نجده يعتبر أن قرار الكونغرس الاميركي أتى في وقت لا يحتاج البلد أبدا الى السجال الحاصل بين حزب الله ومصرف لبنان،  " ونرى أن الإستقلالية  التي تميز بها المصرف منذ تأسيسه عام 1963 مهددة لا بل دوره مهدد وسمعة القطاع المصرفي مهددة ، فضرب سمعته أو التأثير عليه يؤدي إلى تدهور أسرع مما هو متوقع في المالية العامة في لبنان " .

ويشير إلى أن الوضع ليس "مزحة" بل خطير، مستبعدا وجود هوامش كثيرة أمام مصرف لبنان  يتصرف ضمنها ،  مبررا ذلك بأن هذا القانون مفروض على كل دول العالم لكن أصعب شيء تطبيقه في لبنان .

والمصرف- بحسب تعبير ناصر الدين-  يدرك أن لا مهرب من تطبيقه،  وأن أي قطاع مصرفي سيرفض الالتزام به من الأفضل له التوقف عن العمل ، لأنه لا يمكن أن يكون جزيرة معزولة عن القطاع المصرفي العالمي .

وبنظره فإن مصرف لبنان يحاول إمتصاص الغضب الحاصل كالعادة بحكمته من خلال التعميم 137 "ولكن أستبعد أنه سينجح بالحصول على أي تنازل من السلطات الاميركية وما نراه اليوم هو مشهد سيلسي – إقتصادي بين حزب الله وجمعية المصارف ".

وحول المخاطر يجيب "  في الحقيقة تتمثل في حال عدم الالتزام  بإرتفاع المخاطر السيادية المرتبطة بسندات الخزينة لأن المصارف هي من تمول الدولة اللبنانية ، وهذا الدين سيشكل مشكلة مستقبلا حيث من المحتمل حصول تخفيض للتصنيف الائتماني للديون اللبنانية إذا لم يقم لبنان بإجراء " تصحيح " في ماليته العامة،  وإذا لم يحصل تخفيض للعجز مترافقا مع نمو إقتصادي مقبول،  وإذا إستمر مستوى الدين العام للناتج المحلي بالارتفاع وبطبيعة الحال ستكون المصارف هنا مهددة لأنها هي من تحمل هذا الدين السيادي" .

ومن هنا نرى ان المصارف اللبنانية ليست في وضع مريح جدا حتى بتنا نلاحظ بعض المصارف تلمح بإمكانية إنتقال مركزها الرئيسي إلى دول أخرى وهذا ضمن خطة لتخفيف خطر الديون السيادية وتوزيع المخاطر عندها.
أما على المدى المتوسط فإن عدم التزام المصارف بالقانون الاميركي ليس خيار،  لأن عدم الالتزام يعني خروج القطاع المصرفي من المنظومة المصرفية الدولية . وهذا فيه إستحالة فالدول الكبرى مثل روسيا وحتى إيران رأينا كيف أدت العقوبات الإقتصادية إلى إنهيار إقتصادها ووصوله إلىا حافة الهاوية والإقتصاد اللبناني لا يحتمل مثل هذه العقوبات.  يرى ناصر الدين

ويضيف " ومن الواضح أن مصرف لبنان ليس لديه الرغبة بالدخول في الاشتباك السياسي في البلد وغير قادر على القيام بأكثر مما فعله في التعميم 137 ". لافتا إلى انه ومن المعروف أن تراجع الوضع الاقتصادي بشكل سريع يؤدي إلى تدهور مباشر إلى درجة لا يمكن إستيعابها في حال لم يكن هناك إلتزاما .

وبصراحة لا أحد يتمنى عزل القطاع المصرفي ، لأن ذلك يعني غياب الدور الذي كان يلعبه  حيث كان يشكل بين 6 إلى 8 % من الناتج المحلي أي  الرئة التي يتنفس منها اللبنانيون في الداخل والخارج وهل ينقص لبنان أن " يضرب " القطاع المصرفي ؟.

 

بدوره يشير وهبي  إلى ان الإقتصاد اللبناني مضطر على الموافقة على كل القوانين المالية الصادرة عن الولايات المتحدة ،" لأن كل تعاملاته تتم بالدولار حتى أن قسم كبير من تحويلات المغتربين تصل إلينا بالدولار والتي تشكل مصدر قوة للقطاع المصرفي وهي في حال توقفت أو تراجعت سيتأثر القطاع سلبا ولا ننسى أنه وصلت إلى بين 8 إلى 9 مليار دولار في بعض السنوات وإلى 13 مليار في سنوات أخرى" .

ويؤكد أن القطاع المصرفي هو القطاع الاقتصادي الوحيد الذي لا يزال يقف على رجليه بعد أن تراجعت بقية القطاعات خصوصا  قطاعي السياحة والعقارات فمثلا إنخفضت تراخيص البناء بنسبة 10 في المئة ومستوى البيع العقاري 20 في المئة والقطاع التجاري ككل بنسب تتراوح بين 20 إلى 25 في المئة .

ومن هنا يستنتج أن لا بديل أمام مصارفنا عن الحاجة للتعامل مع مصارف المراسلة الأميركية التي تتعامل بالدولار الذي أصبح عملة دولية، شأنها شأن معظم دول العالم .

أما الولايات المتحدة  فترى أن كل من يريد التعامل بالدولار عليه أن يكون خاضعا لمعطياتها وشروطها وعليه أن يتعاضد معها لمحاربة الارهاب وللأسف الإرهاب أصبح وجهة نظر . بحسب تعبيره.

وفي حال توقف تعامل جمعية المصارف على الصعيد الدولي فالضرر كبير وهنا الكارثة الاقتصادية – المصرفية .

ويبدي وهبي تصوره أن حزب الله لم يدخل حتى الآن في مواجهة مع جمعية المصارف،  وأن الأمور لا تزال تحتمل " الأخذ والرد " وكلام السيد حسن نصر الله في 1 أيار كان خطة ذكية لتخفيف الوضع عن القطاع المصرفي،  بأن حزب الله ليس لديه حسابات مصرفية ولا ثروات في المصارف،  وكانت نوع من " المخرج " للجمعية كي تقول إنها لا تتعامل مع حزب الله .

ووفق وهبي،  فإن جمعية المصارف إتخذت موقفا " نوعا من البلوك " لأنها تفضل المحافظة على مصالحها وتعتبر نفسها أنها المعنية والمشكلة هنا أنه لدينا حلقة أضعف في القطاع المصرفي وهي المصارف الصغيرة والمتوسطة غير القادرة على المواجهة .

ويعطي مثالا على أننا إذا نظرنا إلى هيكلية القطاع نجد أن غروب الفا يضم 5 إلى 6 مصارف ، يسيطر على 80 في المئة من السوق اللبناني من حيث الودائع والسيولة ووجهتها نوعا ما غربية ، لذلك نجد أن التعاطي معها ليس سلسا كفاية ، ولديها توجه دولي يتعارض مع فكر المقاومة وما شابه وبالنسبة لها المال والمصالح هو الاهم .

ويختم " فالمصارف اللبنانية تمادت في تطبيق القانون الصادر عن الكونغرس الأميركي واليوم أتى التعميم 137 للتخفيف قليلا من التأزم الحاصل ". مؤيدا كل من عازار زناصر الدين بأن مصرف لبنان غير قادر على القيام بأكثر من ذلك،  دون أن ننسى أن جمعية المصارف ذهبت إلى الولايات المتحدة و" فضحت " المسألة وهي التي غيرت المسارفيما كان هناك قبل زيارتها بعض " المخارج " بينما وصلنا اليوم إلى إغلاق بعض المصارف حسابات بالليرة اللبنانية لنواب ووزراء في حزب الله .