الجولة الثانية من الانتخابات البلدية، جرت بهدوء وبنجاح ملفتين، في مختلف مناطق محافظة الجبل، رغم احتدام التنافسات العائلية، وتصاعد الصراعات الحزبية، والتي دفعت بالعماد ميشال عون إلى النزول شخصياً لدعم معركة تياره في جونيه!

يمكن القول أن موسم الانتخاب البلدي يتنقل بين المحافظات والأقضية، والمدن والقرى، بخطوات ثابتة، وسط أجواء ديمقراطية مقبولة وتسجل، حتى الآن طبعاً، رقماً قياسياً في انخفاض الحوادث الأمنية الناتجة عن الاحتكاكات بين أنصار اللوائح المتنافسة، وذلك قياساً على ما كان يجري في الانتخابات السابقة، من صدامات وإطلاق نار، أو حتى ضبط عمليات رشاوى، خاصة في ساعات الاقتراع الأخيرة.

استكمال إجراء الجولات الانتخابية البلدية حتى نهاية أيار (مايو) الحالي، في هذه الأجواء المشجعة داخلياً، رغم اتساع النيران المشتعلة إقليمياً، وخاصة في سوريا، من شأنه أن يضاعف مسؤولية الأطراف السياسية، الوطنية والتاريخية، عن استمرار هذا الشغور المُعيب في رئاسة الجمهورية.

لم يعد ثمّة ما يُبرّر، تلك الحجج الواهية التي يلجأ إليها البعض، على خلفية الصراعات الدولية والإقليمية المحتدمة في المنطقة، وخاصة الخلاف السعودي - الإيراني المشتعل على طول خطوط التماس في الإقليم، من سوريا إلى اليمن، مروراً بالعراق والبحرين، والقول بأن الاستحقاق الرئاسي يتطلب «توافقاً ما» بين الرياض وطهران، بل ويذهب البعض أبعد من ذلك، عندما يربطون الانتخابات الرئاسية بانتهاء الحرب الدموية في سوريا!

* * *

الواقع أن الذين يتسلّحون بمثل هذه المبررات التعجيزية، يُدركون أكثر من غيرهم، أن ليس في الأفق ما يُشير إلى تفاهمات وشيكة تنهي هذا التوتر الدولي - الإقليمي حول مغانم دول المنطقة، وهم أنفسهم يعلمون، أكثر من غيرهم أيضاً، أن محاولات إعادة وصل ما انقطع بين الرياض وطهران لم تفلح، حتى الآن، في إعادة النبض لقنوات الحوار الجدي بينهما، وبالتالي فإن الرهان على أي تقدم في العلاقات السعودية - الإيرانية، يعتبر مقامرة ليست مضمونة النتائج، إذا لم تكن خاسرة سلفاً، في المدى القريب على الأقل!

يضاف إلى ذلك، أن أهل الحل والعقد من السياسيين اللبنانيين، أيقنوا منذ فترة، أن لبنان لم يعد على أجندة الدول الشقيقة والصديقة، المعنية بأوضاع المنطقة، ويكاد لا يكون موجوداً، حتى في أسفل سلم الأولويات التي تشغل الأشقاء والأصدقاء حالياً، والتي تتركز، كلها تقريباً، على تفاصيل الحروب المشتعلة في سوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى ليبيا، وما ينتج عنها من تداعيات وتعقيدات بالغة الخطورة، في العلاقات الإقليمية والدولية لبلدان المنطقة.

إذاً، أمام هذا الواقع الصريح والمرير، في آن، ماذا تنتظر الأطراف السياسية الفاعلة في لبنان، للمبادرة إلى إنقاذ البلد والنظام والجمهورية من انهيار محتم، في حال استمرار هذا الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية، وتعاظم الخلل الذي يضرب بقية المؤسسات الدستورية، لا سيما مجلسي النواب والوزراء، بسبب عدم وجود رئيس للجمهورية؟

وهل يمكن إجراء الانتخابات النيابية في ربيع العام المقبل، في حال لم يكن ثمة رئيس للجمهورية في قصر بعبدا؟ أم أن المطلوب تمديد ثالث للمجلس النيابي الذي مُدّد لأعضائه مرتين متتاليتين؟

* * *

لم يعد خافياً أن العقدة الأولى والأساس، التي تحول دون إجراء الانتخابات الرئاسية هي استمرار مقاطعة التيار العوني، وحليفه «حزب الله»، للجلسات الانتخابية طوال سنتين كاملتين، تحت شعار ميشال عون رئيساً، أو لا رئيس ولا جمهورية في لبنان!

وبدا واضحاً للجميع، أن عدد الأصوات النيابية المؤيدة أصلاً لعون، آخذ بالتنافص شيئاً فشيئاً، خاصة بعد ترشيح النائب سليمان فرنجية في السباق الرئاسي، ومع ذلك التعطيل مستمر، والفراغ الرئاسي يرمي بثقله المرهق على الوضع المتهالك في البلد.

ومن المعيب فعلاً أن يكون الرؤساء الأوروبيون الذين يزورون لبنان، وكان آخرهم الرئيسان الفرنسي والإيطالي، أكثر حماساً لملء الشغور الرئاسي، من أطراف لبنانية تدّعي الدفاع والتضحية من أجل البلد، وتتخذ من شعارات الغبن والمظلومية المسيحية، مادة يومية لخطاباتها السياسية التحريضية!

غير أن المفارقة المضحكة - المُبكية فعلاً، تكمن في ظاهرة إصرار أحزاب وقوى مسيحية تدّعي الدفاع عن صلاحيات الرئيس المسيحي، وعن دور المسيحيين في السلطة، على تعطيل الانتخابات الرئاسية، واستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية.

في حين لا تفوّت شخصيات وأحزاب وقوى إسلامية أية فرصة من دون الدعوة للإسراع في انتخاب رئيس للبلاد وإنهاء الشغور المعيب، والنكتة أن هذه الشخصيات والأحزاب والقوى «متهمة» من قبل أطراف التعطيل المسيحيين، بالهيمنة على صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية!

عش رجباً ترَ عجباً... في بازار المزايدات الطائفية اللبنانية!!