أولاً: تمهيد:

إذا كان مصطفى بدر الدين من مواليد عام ١٩٦١ ، ودخل الكويت مطلع الثمانينات ليشارك في تفجيرات الكويت عام ١٩٨٣ ، فهذا يعني أنّه كان مدرّباً عل التفجيرات في مقتبل عمره (شأن القنطار) لدى تنظيمات فتح اللبنانية( ومن أشهرها الكتيبة الطلابية) التي أنشأها عرفات على تخوم الحركة الوطنية اللبنانية، وذلك إمعاناً في تخريب الوضع اللبناني برُمّته، ولطالما ناشده السيد محسن إبراهيم( رئيس المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية يومها) الكفّ عن ذلك دون جدوى .

إذن كان بدر الدين ومغنية وثُلّة لا بأس بها من قادة حزب الله اليوم، قد انخرطوا في صفوف فتح عرفات، حيثُ يتساوق الجهاد مع الانتهازية والوصولية، لينقلبوا بعد ذلك إلى صفوف حزب الله الصاعد، برعاية إيرانية شاملة وكاملة، وقد ساعد على ذلك خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان تحت ضغط الاحتلال الإسرائيلي.

ثانياً:  ولادة حركة جهادية أصولية:

خلّف  الإنسحاب الفلسطيني والدخول الإيراني حركة جهادية أصولية، ولكن باستلهام شيعي ،يستند بقوة على ولاية الفقيه الخمينية، واستقرت على مُسمّى "حزب الله"، وقد تأصّلت عندها النزعة العدوانية لتيارات الحركة الوطنية العلمانية، أو ما قاربها، حتى وصلت أخيرا إلى الصدام المسلح مع حركة أمل، وقاد هذه الحركة الجهادية لفيفٌ من علماء الدين بقيادة الراحل  السيد محمد حسين فضل الله، وقد حمل حزب الله ولاية الفقيه بأمانة وعزم، وقد بثّ في بداية انطلاقته خطاباً يشبه إلى حدٍ بعيد خطاب الخوارج في وجه الإمام علي أولا، وابن الزبير تاليا، والامويين والعباسيين على السواء،فيختلط في هذا الخطاب، الإنساني واللاانساني، الفظاظة والتقوى، العنف والتسامح، النزعات الفردية والطموحات الجماعية، حتى تمكنت الحالة الخمينية من تقويض أسس التشيع الإمامي ومعتقده حول الإمامة الروحية والمعصومية المنسوبة لذرية الإمام علي بن أبي طالب، وافتتحت في المنطقة العربية الإسلامية فترة تاريخية لا يتعدى عمرها ثلاثة عقود، فترة مكثّفة ،متوترة، استجلبت التيار الأصولي الإسلامي(السّني) إلى ساحة الصراع، فولّدت مبادئ وأفكار ومطالب مشروعة وغير مشروعة في آنٍ واحد، فجّة ومحتقرة ،نزيهة ومتعالية في آنٍ واحد،، وتدور في حمأتها الجدلية القديمة، جدلية الدين والسياسة ويبقى العنف سيد الموقف.

ثالثا: النهايات الحزينة.

لا يملك المتتبع لمجريات الأحداث ودراميتها بعد استشهاد بدر الدين، إلاّ أن يحزن، فقد تراوحت تعليقات المبجّلين والشامتين والمستهزئين ، من الشهادة والقداسة والفداء، إلى الإرهاب والاجرام، أو الانتحار في الساحة الخطأ، وهذا وحده يقمُطُ القلب، ويمطّ الشفتين، فافعال هؤلاء القادة الذين قضوا، تبدو كأنّها مُقنّنة ، نسجها قدرٌ واحد لا يرحم، من أحضان المقاومة العرفاتية إلى الولاية الخمينية، إلى مسيرة حزب الله المثيرة للكثير من الجدل، تبدو كأنّها أفعال تمت خارج الزمن،لا تنكشف إلاّ بعد مروره،أو أنّها لا تتأثر بمروره أدنى أثر ،فهي التي يصح عليها القول: لا جديد تحت الشمس، فالقنطار الذي أمضى ثلثي عمره وراء قضبان الاحتلال الإسرائيلي، عاد ليستشهد!!

في سوريا، كذلك بدر الدين الذي أمضى سبعة عشر عاماً في سجن الكويت، حتى خرج بمعجزة دخول صدام حسين إلى الكويت، عاد ليستشهد! على أرض سوريا، ومغنية استشهد على أرض سوريا التي تميد منذ أكثر من خمس سنوات تحت اقدام الطغاة المستبدين، يُقتلون..أو يستشهدون!!

لنتذكر قول الشاعر السوري عمر أبو ريشة: ومن المبكيات أن يُقتل الأحرارُ في غير ملعب الأحرار.