نظريا قد يمكننا الفصل بين ما هو سياسي وما هو إنمائي على مستوى العمل البلدي حتى بتلك البلديات التي يرأسها حزبي منظم وليس مجرد مؤيد، وهذه الحالة تلمسناها بالجنوب وبأداء معظم البلديات فلا حركة أمل كانت مضطرة للطلب من أي رئيس بلدية بأن يجير منجزاته لمصلحة الحركة بشكل مباشر ولا الحزب هو في هذا الوارد، هذا فضلا عن القول باستحالة الموضوع أصلا .

فالفصل العملي بين السياسي والانمائي هو حاصل ذاتياً، فلا فرق بين تزفيت طريق يقوم به أي من الأفرقاء السياسيين ولا عمارة جدار أو تنظيف شارع سوف يختلف بين تنظيم وآخر بما هو فعل، ولا يترتب على استلام رئاسة أي من البلديات لجهة حزبية معينة تخصيص مقدرات البلدية لجمهور هذه الجهة عينها دون بقية سكان القرية أو المدينة !

حتى أنه ومن المعروف أن الأحزاب السياسية إنما تتدخل بشكل مباشر بالشأن البلدي فقط في مرحلة الإنتخابات من أجل تسجيل انتصارات معنوية ومن ثم يتراجع مستوى التدخل إلا ما ندر طيلة مدة البلدية وحتى الانتخابات القادمة  هذه هي الحال من الزاوية السياسية، يبقى أن الإشكالية الأكبر هي مع حزب الله وتجربته في العمل البلدي وإنما من زاوية فكرية هذه المرة، ولا علاقة لنا بالشأن السياسي كما بينا أعلاه.

ولا بد من الإشارة قبل الحديث عن سلبيات الثقافة الدينية من القول أن هذه الثقافة والتربية الدينية قد تنتج إنساناً صادقاً وأميناً ومهذباً إلا أن هذه المواصفات وحدها لا تكفي حاملها لأن يتبوأ العمل البلدي، ولا هي تؤهله بالضرورة أن يدير عملاً تنموياً بالخصوص إذا ما كان صاحبها متقيد بالفقه الشرعي التقليدي وما فيه من أحكام شرعية وفتاوي لم تخضع لعملية تحسين أو تتطوير منذ مئات السنين .

فإبن حزب الله (الادمي) مثلا أول ما يمكن أن يفكر فيه بعد وصوله هو العمل على تحسين وزيادة دور العبادة المساجد والحسينيات، وإحياء المناسبات الدينية والشعائر الحسينية، وهذه بالنسبة إليه بحسب الثقافة الفقهية هي الأعمال التي تقربه إلى الله زلفى أكثر من أي عمل آخر، ولا يوجد في قاموسه الفقهي مثلا إقامة مهرجانات بلدية فيها ما فيها من الإختلاط بين الجنسين فضلا عن دعم نشاطات فنية إذا ما دخلت فيها الموسيقى الحرام فضلا عن إنشاء مسارح ودور سينما بالمدن والقرى قد يعرض فيها ما هو منافي للشرع المقدس بنظره. 

إن الثقافة الفقهية عند المتدين تجعل منه عن قصد أو عن غير قصد شخصية رافضة لكل ما يمت إلى البهجة والفرح والسعادة بصلة، فأعظم نشاط ثقافي يمكن أن يقدم عليه هو مهرجان شعري بذكرى شهداء البلدة، أو حفلة زجلية (بدون دف ولا تصفيق طبعا لأنها حرام ) احتفالا بيوم التحرير مثلا. 

حتى المساعدات المرضية المباشرة أو المساعدات الإجتماعية التي يمكن أن تنفقها البلدية من موازنتها الخاصة فإنها سوف تخضع للمعايير الفقهية البالية التي تميز بين محتاج متدين ملتزم بالأحكام الشرعية فهو مستحق للمساعدة وبين فقير محتاج من أهل البلدة ولكنه غير متدين فلا يستحق المساعدة .

وكذلك هي الحال في وجوب تقديم الحكم الفقهي على القوانين اللبنانية المعمول بها بحسب فهمه، وهذا ما شهدناه بخصوص المحافظة على أراضي المشاع التابعة للخزينة اللبنانية وغيرها . 

كل هذا وغيره من الأمور التي تسمح لنا بالقول أن الثقافة الفقهية التي تتحكم بمنطق التفكير والتي من خلالها يدير إبن حزب الله البلدية لا تسمح له بأن يمتلك إبداعات خلاقة تساهم بتحسين الحياة اليومية للبلدة أو المدينة، لأن طبيعة الفقه تأخذه للتركيز على الأمور الأخروية والإعراض عن الشؤون الدنيوية الدنيئة والمنبوذة، وهذا النمط من التفكير سيحمله معه طيلة فترة وجوده بالبلدية حتى ولو أنه استطاع أن يتحرر من الشأن الحزبي ، ومن هنا ولدت المقولة المتداولة هذه الأيام في قرى وبلدات الجنوب : إبن حزب الله آدمي ومهذب بزوجو إختي بس ما بنتخبو ع البلدية.