جوجلة الانتخابات تظهر محاسبة أهل بيروت للحريري , وتسجيل إعتراض في بعلبك على حزب الله

 

السفير :

لبنان ليس بخير.. والأصح أن لبنان بخطر.
قد يكون الخطر الخارجي قدراً لا مفر منه، سواء أتى من جهة الحدود الجنوبية أو الشرقية، لكن ماذا عن الخطر الداخلي وماذا عن مسؤولية كل لبناني في مواجهة هذا الخطر؟
هذه محاولة لإجراء قراءة سياسية لنتائج الانتخابات البلدية في بيروت وزحلة، تتجاوز الصناديق والأسماء واللوائح، إلى ما يصح تسميتها «الحسابات الطائفية» التي باتت تتحكم بسلوكيات شريحة واسعة من اللبنانيين تحركها العصبيات أو المخاوف في هذا الاتجاه أو ذاك.
خرج سعد الحريري من انتخابات بيروت مأزوماً. يشي خطابه أمس بهذه النتيجة، إلا إذا أراد أن يكابر ولا يقرأ الأرقام، فيتصرف كمنتصر في المراحل الانتخابية التالية، وتحديداً في طرابلس. الأزمة بين الحريري والمكون الشيعي واضحة للعيان. هما، وبرغم حوارهما الثنائي الضروري والمطلوب لتخفيف التوتر المذهبي، يندفعان على سكتين متوازيتين متناقضتي الاتجاهات.. والصدام بينهما كان يمكن أن يكون وارداً في كل لحظة، لولا الحصانة الداخلية المشتركة، مدعومة بمظلة دولية حامية للاستقرار لاعتبارات لبنانية وخارجية!
الأزمة بين الحريري ووليد جنبلاط تكبر ولا نقاش سياسياً بين الطرفين، إلا ما يتصل بملفات عاجلة، معظمها يتصل بمنظومة المصالح والخدمات في الدولة.
الأزمة بين الحريري والمكونات المسيحية صارت واضحة للقريب والبعيد. كل الاستثمار الخليجي لاجتذاب «القوات» على مدى عقد من الزمن، بات من الماضي، إذا قرر سعد الحريري أن لا يغادر مربعين اثنين: استذكار تبني سمير جعجع القانون الانتخابي الأرثوذكسي وعدم تصديق واقعة تبني جعجع ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
ما جرى في انتخابات بيروت يشي بأزمة مفتوحة بين الحريري وباقي المكونات المسيحية. يكفي للتدليل على ذلك عدم قدرة الماكينات الحزبية (خصوصاً «التيار» و «القوات» و«الكتائب») في العاصمة على اجتذاب الجمهور الحزبي للتصويت لـ«لائحة البيارتة»، بينما أظهرت الأحزاب الأرمنية كعادتها التزاماً جعلها تمنع تسرب جمهورها باتجاه تأييد لائحة «بيروت مدينتي» أو «لائحة شربل نحاس» بما شكلته هذه أو تلك من تعبير احتجاجي على «خيانة».. «الإبراء المستحيل» أو رفض إسقاط اللوائح من فوق!
أما في زحلة، فإن من يدقق في مجريات الساعات الأربع الأخيرة، يكتشف أن قرع أجراس الكنائس واستنفار الماكينات الحزبية بإشراف مباشر من عون وجعجع، جعل التصويت يتخذ طابعاً طائفياً احتجاجياً ضد محاولة سعد الحريري و «حزب الله» مصادرة القرار الزحلي بذريعة «الوفاء» لورثة إيلي سكاف في المدينة، من دون احتساب مردود هذا التجييش على مستقبل العلاقات بين زحلة والجوار.
لكأن كل طرف يريد أن يحصّن نفسه أو بالأحرى ساحته (الطائفية أو المذهبية). أبلغ سعد الحريري بعض معاونيه كلاماً خطيراً قبل ساعات من إقفال صناديق الاقتراع في بيروت: «إذا سقطت «لائحة البيارتة» أو اختُرقت، سأعتزل العمل السياسي نهائياً». هذا الكلام بلغ مسامع قيادات سياسية أخرى أبرزها الرئيس نبيه بري!
اعتباراً من لحظة صدور نتائج الانتخابات في بيروت وزحلة، صار لزاماً على كل من الحريري و«حزب الله» التعامل مع الوقائع بطريقة مختلفة. صحيح أن «حزب الله» حصد غمار ما يزرعه في «ساحته» (النموذج الأبرز في بعلبك وبريتال)، لكن لم يعد خافياً على أحد أن الحزب يكاد يتمنى لو أنه يعفي نفسه من هذا الاستحقاق الذي يجعل بطون معظم القرى والبلدات والمدن الجنوبية والبقاعية (وبعض جبل لبنان) مفتوحة ومشرعة على نبش أحقاد وعصبيات تتناقض كلياً وتضحيات الحزب الكبيرة وما ينبري له من دور على الصعيد الإقليمي.. ومن يقرأ خطاب السيد حسن نصرالله الأخير، لن يجد صعوبة في قراءة مفردات لم يستخدمها قائد حزبي مثله في أي خطاب من قبل.
من هنا يصح القول إن سعد الحريري يجد نفسه في القانون الانتخابي والاستحقاق الرئاسي والخيار البلدي في مواجهة اصطفاف طائفي (إسلامي ـ مسيحي) يعيد تذكير اللبنانيين بانقساماتهم التي جعلت بلدهم يدفع أثماناً كبيرة من منتصف السبعينيات حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
أما «حزب الله»، فإنه يدفع أثمان «تحالف رباعي» حوّل ميشال عون إلى «تسونامي مسيحي» غير مسبوق في التاريخ السياسي اللبناني منذ الاستقلال حتى ربيع العام 2005، ومن ثم يدفع الحزب على مدى عقد من الزمن أثمان «تفاهم سياسي» مع «الجنرال»، برغم أن كل طرف يمتلك «فاتورة» مختلفة لحسابات الربح والخسارة، وها هو الحزب يدفع في العام 2016 أثمان «تفاهم معراب».
لنقرأ ما كتبه الزميل جان عزيز (مستشار عون) في حسابه الشخصي (الفايسبوك)، أمس الأول: «إذا بالرئاسة في هيدي عين (عون) وهيدي عين (سليمان فرنجية) وبزحلة صار في 3 عيون (ميريام سكاف ونقولا فتوش و «التيار الحر»)، لكن بكرا بانتخابات جزين واصلين على السبع أعين... جنرال، سيد، ما بعرف إذا عارفين. واجبي قلكن إنو سوء التفاهم بألف خير»!
لقيادة «حزب الله» أن تخوض في أبعاد مثل هذه «الرسائل»، وهي التي كانت قد استمعت جيداً الى شكوى تبرع «ممثلو الرابية» بنقلها إليها احتجاجاً على تسمية مرشح لـ «حزب الله» في لائحة «الكتلة الشعبية» في زحلة. نسي «المتبرعون» أن الحزب قرر في الانتخابات البلدية الماضية في العاصمة أن يضحي بمقعده البلدي احتجاجاً على بلوغ مفاوضات انضمام «التيار الحر» الى اللائحة الائتلافية البيروتية.. الحائط المسدود.
في العام 2016، أعفى «التيار» نفسه من مجرد إعطاء «علم وخبر» للحزب. اكتفى «الجنرال» بتفويض سمير جعجع أن يفاوض باسمه «تيار المستقبل» وكان له ما يريده من «حصة»، فيما كان الحريري يجاهر في يوم الانتخابات أن عدم وجود «حزب الله» في «لائحة البيارتة» شكّل قيمة مضافة لها!
هذه «العينة»، ويوجد مثلها العشرات، تكفي للتدليل أن قدرة الرابية على الجمع بين «إعلان النيات» و «تفاهم مار مخايل» هي المعيار والأساس. من حق «الجنرال» أن يستفيد من «متراس معراب» لقطع الطريق رئاسياً على سليمان فرنجية، لكن هل يبرر له ذلك أن «يمون» على ما ليس بمقدور الحزب أن يتحمله لا في ثقافته.. ولا في أدبياته؟
ليس من مصلحة «حزب الله» أن يرفض كل ما من شأنه تمتين الوحدة المسيحية وطي صفحة الماضي بين «القوات» و «الجنرال»، وهو إذا تعامل سلباً مع هذا التطور النوعي في الساحة المسيحية، لكأنه يرفض بذلك طي صفحة الماضي بينه وبين «حركة أمل» بكل ما تسببت به من ندوب وجراح في «البيت الشيعي».
في المقابل، ليس خافياً على أحد أن ثمة انزلاقاً مسيحياً إلى حد الهروب إلى الأمام. عندما تحالف جعجع و «الكتائب» مع آل الحريري، اختفى من قاموس معراب والصيفي مصطلح «الحقوق المسيحية» لمصلحة أمور مختلفة. يسري الأمر نفسه على تفاهم «التيار» و «حزب الله». جرى استثمار «فائض القوة» عند الحليف في كل شاردة وواردة من ضمن جدول الأعمال السياسي المحلي المفتوح منذ عشر سنوات حتى الآن، وكاد الأمر أحياناً يجعل الحزب محرجاً أمام حليفه الذي لا يمكن أن يستغني عنه (نبيه بري) وأمام مؤسسة (الجيش) التي لا يمكن التفريط بحرف واحد من حروف أبجديتها القتالية الاستثنائية، والأمثلة أكثر من أن تحصى وتعد.
برغم ذلك، كان يجري دوماً تكبير المخاوف عند المسيحيين. الاستهداف قائم لدور المسيحيين في المشرق. الأمثلة أكثر من أن تحصى وتعد من القدس إلى بغداد مروراً بسوريا، لكن هل الخطر على المسيحيين في لبنان هو نفسه؟ وفي حالتي الإيجاب أو النفي، كيف تتم مواجهة مثل هذا الخطر؟ هل ثمة إستراتيجية مسيحية موحدة (كنيسة وأحزاباً ومجتمعاً) لمواجهة هذا الخطر، أم أن كل طرف مسيحي يغنّي على مواله، وهل هناك «موال» يمكن أن يتجاوز لعبة السلطة والنفوذ و «المصالح».. إلى حد طرح الإشكاليات المتصلة بالدور المسيحي التاريخي وبعده الوجودي للبنان واللبنانيين لا للمسيحيين وحدهم؟ وهل يدري البعض إسلامياً ومسيحياً أن المضي في استثارة لعبة المخاوف قد يجعل المجموعات الإرهابية المتطرفة في طليعة المستفيدين منها؟
الأسئلة كثيرة أمام اللبنانيين وليس المسيحيين من أجل إزالة المخاوف وتبديدها إذا وُجدت، لكن للأمر شروطاً ومقتضيات، محلياً وإقليمياً ودولياً، أولها أن يتحول المسيحيون إلى صمام أمان بدل استمرار انزياحاتهم وانحيازاتهم مع هذه الكتلة أو ضد تلك الكتلة الطائفية.

النهار :

مع أن طلائع النتائج الاولية للانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت والبقاع كانت رسمت ملامح فرز سياسي "صامت" استمر صموده بضع ساعات أمس في انتظار صدور النتائج الرسمية لعمليات فرز آلاف الصناديق، فإن ما أثارته النتائج المثبتة لاحقا من صدمات ومفاجآت بدا مرشحاً لاحداث تداعيات سياسية بعيدة المدى لا يستبعد ان تتمدد مفاعيلها تباعاً نحو التحالفات السياسية العريضة وآفاق الانتخابات النيابية نفسها. ولم يعد خافياً في ظل ما تضمنته الكلمة التي القاها الرئيس سعد الحريري عصر أمس اثر التثبت من فوز لائحة "البيارتة" في بيروت أو اثر "الزلزال" السياسي الذي ضرب زحلة بفعل انتصار لائحة "انماء زحلة" المدعومة من الأحزاب المسيحية الثلاثة "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" والكتائب على لائحتي "الكتلة الشعبية" والنائب نقولا فتوش بان تداعيات من العيار الثقيل ستتوالى تردداتها طويلا وربما انسحبت على وقائع انتخابية مقبلة في مناطق جبل لبنان والشمال خصوصاً.
في بيروت برزت بقوة تداعيات "الصوت المسيحي" في مناطق الدائرة الاولى التي كشفت واحداً من احتمالين صبا في النهاية في اظهار خرق كبير جدا للتحالف العريض الذي ضمته لائحة "البيارتة" لمصلحة لائحة "بيروت مدينتي" التي جمعت نحو تسعة الاف ناخب يحسب معظمهم من مناصري "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" والكتائب. الاحتمال الاول يتمثل في عدم تمكن الاحزاب من ضبط قواعدها بفعل عدم اقتناع هذه القواعد بلائحة التحالف. والاحتمال الثاني "تسامح" ضمني من القيادات الحزبية مع اتجاهات مخالفة للموقف "الرسمي" المعلن للاحزاب. واذ تشدد أوساط هذه الاحزاب على الاحتمال الاول، فان فوز لائحة "البيارتة" في النهاية بدا نتيجة حتمية لكثافة تصويت قواعد تيار "المستقبل" والمتحالفين معه في الدائرتين الثانية والثالثة بالاضافة الى ملتزمي لائحة "البيارتة" في بيروت الاولى. هذا التطور اتخذ دلالات ساخنة في ظل كلمة الرئيس الحريري الذي هنأ عبرها أهل بيروت بفوز اللائحة و"بالاختبار الديموقراطي المشرف"، كما هنأ كل اللوائح التي شاركت في الانتخابات في بيروت والبقاع. ومع انه أكد ان "هناك صفحة جديدة" وتوجه بتحية لافتة الى الذين صوتوا للائحة "بيروت مدينتي"، اتخذ كلامه بعداً بارزاً بقوله: "في الحقيقة انكم تشبهوننا ولا تشبهون أبدا الذين حاولوا ان يزايدوا علينا باصواتكم لهدف واحد هو كسر المناصفة ولكن بيروت اكدت ان المناصفة خيار لا تتراجع عنه". وذهب الى القول أيضاً: "هناك حلفاء التزموا معنا بالكامل وهناك حلفاء آخرون فتحوا خطوطاً لحساب مرشحين من خارج اللائحة بشكل كان يمكن ان يهدد المناصفة وهذا أمر لا يشرف العمل السياسي والعمل الانتخابي".
مصادر مواكبة للائحة "البيارتة" قوّمت لـ"النهار" نتائج الانتخابات فقالت ان ما جرى أثبت أن الرئيس الحريري "اضطلع بدوره كزعيم وطني وليس فقط كزعيم بيروتي. فهو على رغم كل الصعوبات التي واجهها إستطاع خلال 10 أيام فقط إستنهاض الشارع البيروتي فكان الصانع الاول للمعركة الانتخابية". وسجلت ملاحظة على أداء الاحزاب الحليفة للحريري في الدائرة الاولى حيث "لم تنظم مهرجاناً واحداً أو لقاء شعبياً". وشددت على" ان العمل البلدي في بيروت دخل مرحلة جديدة ستبرهن إنجازاتها عن عزم الحريري على ان يقرن القول بالفعل".
وقالت أوساط نيابية في 14 آذار لـ"النهار" إن انتقادات الرئيس الحريري في كلمته أمس طاولت من دون تسمية الاحزاب في الاشرفية كما طاولت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.ولفتت الى ان هناط أحباطا من موروثات المرحلة الاخيرة تسبب بالارباك في إدارة المعركة. ولم تستبعد أن تظهر تداعياتها في المرحلة التالية من الانتخابات في جبل لبنان الاحد المقبل وخصوصاً في إقليم الخروب.

زحلة
أما في زحلة، فان وقع فوز لائحة أسعد زغيب بدا مدوياً، خصوصاً ان اللائحة المدعومة من الاحزاب الثلاثة اكتسحت المقاعد ال21 جميعا بغالبية 10510 أصوات في مقابل 8896 صوتاً للائحة "الكتلة الشعبية " و7044 صوتاً للائحة النائب فتوش. هذا التطور عد مكسباً كبيراً لتحالف الاحزاب الثلاثة في معركة أحسن ادراتها وخصوصاً للتفاهم الثنائي بين "التيار الوطني الحر " و"القوات " وشكّل صدمة قاسية لـ"الكتلة الشعبية " التي، على رغم تحقيقها رقماً مرموقاً، ستجد نفسها أمام مراجعة حسابات جذرية لسلوكيات الناخب الزحلي من جهة وطبيعة التحالفات السياسية من جهة أخرى. وفي رأي العماد ميشال عون أن "زحلة امتدت الى كل لبنان بمجرد التصويت بأكثريتها للائحة الاحزاب المتمثلة بالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لان انتشار القوات والتيار هو على امتداد لبنان وهذا ما يجب ان يعطي أهل زحلة طمأنينة".

 

النتائج النهائية
وأفادت وزارة الداخلية مساء أمس أنّ النتائج النهائية والرسمية للانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت في بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، بدأ إعلانها تباعاً، في موقع الوزارة الإلكتروني الرسمي.
وتوضيحاً لما يصدر من شكاوى عن التأخير في إعلان نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية، اكدت الوزارة "أنّ دورها في العملية الانتخابية ينتهي عند تسليم صناديق الإقتراع إلى لجان القيد المعنية، التي يرأسها قضاة عدليون". وذكرت بأنّه في الانتخابات البلدية والاخيتارية عام 2010 تأخّر الإنتهاء من عمل لجان القيد في انتخابات بيروت إلى ما بعد ظهر الإثنين، ولم يتمّ نشرها إلا في صحف الثلثاء.

 

المستقبل :

بفرحة فوز ممزوجة بالامتنان لوفاء البيارتة والانتقاد لأداء بعض الحلفاء، أطلّ الرئيس سعد الحريري غداة انتهاء الدورة الانتخابية في العاصمة ليبارك لبيروت انتخاب مجلسها البلدي الجديد وليشكرها على الوفاء لمشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري مشدداً على أنها «قالت كلمتها بالسياسة» وحسمت خطها السياسي. وإذ هنأ البيارتة بنجاحهم في «الاختبار الديموقراطي المشرّف» وأعرب عن امتنانه لكل واحد منهم «أعطى صوته لخيار بيروت السياسي» وتقديره للحلفاء الذين «التزموا بالكامل وصبّوا أصواتهم للائحة البيارتة«، غير أنّ الحريري انتقد في الوقت عينه أداء بعض الحلفاء «غير المشرّف» سياسياً وانتخابياً ممن شاركوا في لائحة البيارتة و«فتحوا خطوطاً لحساب مرشحين من خارجها»، وتوجّه في رسالة بالغة الدلالة إلى أهل بيروت بالقول: «تذكروا جيداً عندما يتهمونكم بالطائفية والعنصرية أنكم أنتم ولا أحد سواكم من حمى المناصفة».
وفي كلمة ألقاها خلال احتفال أقيم مساءً في «بيت الوسط» في حضور رئيس وأعضاء «لائحة البيارتة» إلى جانب عدد من نواب العاصمة والفاعليات، لفت الحريري بعد التهنئة بفوز اللائحة إلى أنّ «اليوم هناك صفحة سياسية جديدة»، وخصّ بالذكر الناخبين الذين صوّتوا للوائح أخرى ولا سيما منها لائحة «بيروت مدينتي» فشدد على كونهم «جزءاً من نسيج بيروت» متوجهاً إليهم بالقول: «تشبهون أحلامنا وطموحاتنا (...) ولا تشبهون أبداً الذين حاولوا أن يزايدوا علينا بأصواتكم لهدف كسر المناصفة ولكي «يمَرّكوا» على البيارتة وبيروت وعلى إرادتها السياسية»، وأردف مضيفاً: «بعض الجهات وصلت فيها المزايدة إلى حدّ «المسخرة» السياسية وغير السياسية على البيارتة وأهل بيروت وهذا شيء مرفوض ومردود لأصحابه». وختم بإعادة التأكيد على أنّ برنامج المجلس البلدي الجديد «وضع لينفذ»، واعداً بمواكبة عمل البلدية للنهوض إنمائياً وخدماتياً وحياتياً وبيئياً بالعاصمة حتى لا تبقى فيها «مناطق بسمنة ومناطق بزيت».
ومساءً، بدأت وزارة الداخلية والبلديات بث النتائج النهائية للانتخابات البلدية والاختيارية في كل من بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل عبر موقعها الالكترونيwww.interior.gov.lb، في وقت بدت لافتة للانتباه النتائج المسيحية التي حققتها لائحة «بيروت مدينتي» في دائرة بيروت الأولى على حساب الأحزاب المسيحية والتحالف العوني - القواتي في هذه الدائرة ما طرح أكثر من علامة استفهام حول التزام الائتلاف المسيحي المشارك في «لائحة البيارتة» بالتصويت لمرشحي هذه اللائحة باستثناء «حزب الطاشناق» الذي التزم وصبّ كامل كتلته الناخبة في صالح «البيارتة».
أما بقاعاً، وفي حين أعلن «حزب الله» أمس فوز لوائحه البلدية بعدما زاحمته لوائح العائلات بشكل ملحوظ في عدد من البلدات والمناطق لا سيما في بعلبك وبريتال، حطت أم المعارك الانتخابية رحالها في زحلة بإعلان فوز لائحة «إنماء زحلة» الائتلافية بين الأحزاب المسيحية برئاسة أسعد زغيب بشق الأنفس مع فارق لا يتجاوز المئة صوت بين آخر الفائزين على لائحة الأحزاب وبين يوسف سكاف أول الخاسرين على اللائحة المنافسة.

الديار :

المناصفة في المقاعد البلدية لا غير، في الزعامة لا مناصفة ولا مثالثة. قالها النائب سيرج طورسركيسيان «سعد الحريري هو الزعيم الاوحد لبيروت»، ولو كان حكم الاقلية التي لا تتجاوز الـ20 في المئة.
التوصيف اتى من نائب مسيحي وارمني، اين هو ميشال عون وسمير جعجع وسامي الجميل؟ حين يكون هناك زعيم اوحد لا يكون هناك الى جانبه نصف زعيم او ثلث زعيم.
التوصيف ازعج وزيراً بارزاً من تيار المستقبل، ليس فقط لان المصطلح لا يطلق عادة الا على الديكتاتور، وانما ايضا لان هذا اللقب الذي حمله الديكتاتور العراقي عبد الكريم قاسم، بطل انقلاب تموز 1958 على الملكية (وحيث ابيدت العائلة الملكية باسرها)، قاده الى نهاية تراجيدية، دون استعادة تلك اللحظات الاخيرة والهائلة.
في الجانب المسيحي، كان هناك انزعاج من نوع آخر، ما حدث من تظاهرات، وما صدر من تصريحات، اظهر ان رئيس تيار المستقبل هو المنتصر الوحيد، وهو الناطق الوحيد باسم بيروت، كما انه الوصي (السياسي) على المجلس البلدي بحيث تبقى المناصفة في اطارها الشكلي.
الشيخ سعد لم يعترض على توصيف طورسركيسيان، ولم يعلق. بدا وكأنه يثبت التوصيف من خلال غضبه على الحلفاء. قال بعد ظهر امس «نحن فخورون اننا عملنا مع كل البيارتة (وقصده المسلمين والمسيحيين) على حماية وصية المناصفة. وهذا عنوان اساسي في المعركة. ومع الاسف، بعض القوى السياسية لم تفهمه، وبعض الجهات وصلت فيها المزايدة الى المسخرة السياسية وغير السياسية على اهل بيروت.
واكد «ان هذا مرفوض ومردود لاصحابه» مشيراً الى «ان لائحة البيارتة» على صورة بيروت ولبنان. هناك حلفاء التزموا معنا وصوتوا للائحة البيارتة وآخرون فتحوا خطوط حساب مرشحين خارج اللائحة، ما هدد المناصفة وهذا لا يشرف العمل السياسي والانتخابي.
وكانت معلومات بيت الوسط قد اشارت الى ان الحريري «الذي خاض غمار المناصفة» صدم من الارقام التي وضعت امامه والتي تظهر ان لائحة «بيروت مدينتي».. تقدمت على لائحة «البيارتة» في المناطق المسيحية، وتحديداً حيث التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية».
في زحلة قرعت الاجراس، عند المسيحيين «الكنيسة تناديكم»، لبوا نداءها وتجاوزت نسبة الاقتراع الـ40 في المئة، في بيروت قرع الطبول لم يأت بالنتيجة المماثلة، بالرغم من هاجس المناصفة، بقي الاقبال على الصناديق تحت خط الديموقراطية مثلما هو تحت خط النصر...
وزير العمل سجعان قزي ربما تأثر بالفرنسي موريس دوفرجيه الذي اعتبر ان الديموقراطية تكون حين تكون صناديق الاقتراع حتى النصف او اكثر. ماذا حين تكون النسبة دون الـ20 في المئة؟
النتائج كانت ملتبسة في زحلة، صحيح ان الاحزاب (وكل يغني على ليلاه) اكتسحت المقاعد الـ21، ودون ان يكون لبلدة تعنايل عضو واحد، لكنها لم تكتسح لا زعامة آل سكاف، ولا زعامة النائب نقولا فتوش.
في عروس البقاع، ثمة كثيرون يلقون باللائمة على «السادة المستشارين» الذين قالوا للسيدة ميريام ان فتوش «لا يؤمن له». دماغ قانوني وثروة طائلة، حتى اذا ما تعاونت معه انتخابياً، وهو الكاثوليكي، فلا بد ان يضع يده على الزعامة.
امس، كان هناك من يرى ان ارملة الوزير الراحل الياس سكاف، تعوزها البراعة التكتيكية والرؤية الاستراتيجية، من برجها العالي، علو مسقط رأسها بشري عن سطح البحر، خاضت الحرب ضد فتوش وضد الاحزاب التي ورثت كراهيتها ربما عن زوجها، وربما اكثر عن ابيها النائب السابق جبران طوق.
حساب بسيط اذا ما جمعت الاصوات التي نالتها لائحة يوسف سكاف مع الاصوات التي نالتها لائحة موسى فتوش، لكانا الاثنان تجاوزا لائحة الاحزاب باكثر من 5 آلاف صوت...
حصيلة الارقام اظهرت ان الاحزاب فشلت في الغاء سكاف وفتوش. كان يفترض ان تتجاوز الاصوات التي نالتها اصوات الاثنين. هذا لم يحصل بانتظار الانتخابات النيابية حيث الظروف مختلفة، وقد تكون التحالفات (والمعادلات) مختلفة حتى اشعار آخر، جارة الوادي في ... المتاهة.
في رأس بعلبك والقاع، وعلى الجرود ينتشر مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية، ليس غريباً ان تسمع رأي استاذ جامعي «لو اخذنا هنا بتعبير الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران «منطق الاشياء» لوجدت «القوات اللبنانية» و«حزب الله» في خندق واحد، وعلى لائحة واحدة.

ـ مسيحيون في «حزب الله»؟ ـ

ونسأل ما اذا كان هناك مسيحيون في «حزب الله»، وفي البقاع الشمالي كما في لبنان الشمالي، تأتي الاجابة السريعة بـ «اننا في مواجهة «داعش» كلنا حزب الله».
في القاع، خسرت اللائحة المدعومة من الوزير السابق البير منصور، ومن «حزب الله» مع ان كل سكانها مسيحيون، امام لائحة «القوات اللبنانية» التي اثبتت انها الرقم واحد في البلدات والقرى المسيحية هناك.
عرسال ظهرت امس بحلة جديدة، انقلاب على «ابو عجينة» في الانتخابات البلدية، وعلى «ابو طاقية» في الانتخابات الاختيارية، وباسل الحجيري هو رئيس البلدية الآن لا علي الحجيري الذي يتهم تيار المستقبل وآخرين بالتآمر عليه. احد اقربائه يقول «لن نرضى ان يكون كبش محرقة» في اي صفقة او في اي سيناريو حول وضع البلدة.
كثيرون يتهمون «ابو عجينة» بانه هو والشيخ مصطفى الحجيري، من دفعوا بالبلدة الى الاتون السوري.
في كل الاحوال، كان «الانقلاب» على كل الالسن في عرسال، حتى ولو كان الرئيس الجديد من «الجماعة الاسلامية» وبعدما حصل نوع من الانشقاق بين تيار المستقبل في بيروت وتيار المستقبل في البلدة.
في بريتال التي لم يدخلها «حزب الله» انتخابيا من قبل، ربما بسبب «تشابك البنادق»، بدت الصورة مختلفة هذه المرة، الى حد كبير، بالاوراق فقط، بالاصوات فقط، أُخرج الشيخ صبحي الطفيلي من اللعبة؟
انتخابات بعلبك كانت دقيقة وحساسة، منذ البداية، تعليمات قيادة«حزب الله» ان مدينة الشمس يجب ان تكون فوق المعادلات المذهبية، اذا هل ذهب الشيخ نعيم قاسم الى هناك لادارة العملية الانتخابية، وفي ظل الهياكل الرومانية، بشخصية يوليوس قيصر ام بشخصية ابو عمر عبد الرحمن الاوزاعي، الفقيه الشهير وابن المدينة؟
العيون الى الامام، الاحد المقبل في جبل لبنان. النائب وليد جنبلاط في قضاء الشوف بين الصحوة السنية والصحوة المسيحية. بقدر ما هو لاعب تكتيكي، لا تعوزه البراغماتية ابداً، يتكيف بسرعة، وان كان واضحاً ان ظروف عام 2016 هي غير ظروف عام 2010، على الصعيد السني حيث «الجماعة الاسلامية» خططت لتكون فاعلة على الارض، وتتقدم كل القوى الاسلامية، او على الصعيد المسيحي، وحيث التحالف بين عون وجعجع بتأثيرهما الكبير في المنطقة، ومن دير القمر الى الدامور...

 

الجمهورية :

فيما تستعدّ محافظة جبل لبنان لخوض استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية الأحد المقبل، استمرّت القراءات السياسية في أرقام نتائج الانتخابات ودلالاتها في كلّ من بيروت والبقاع وبعلبك ـ الهرمل، في وقتٍ بدأ بعض التحالفات بمواجهة صعوبات، على غرار ما سُجّل أمس من وقائع تشير إلى أنّ التحالف «العوني» ـ «القواتي» مقبل على تنافس في جونية، وذلك خلافاً لتحالفهما في زحلة. وكان اللافت أمس إعلان الرئيس سعد الحريري أنّ «هناك حلفاء التزموا معنا التزاماً كاملاً، وصبّوا أصواتهم لـ«لائحة البيارتة»، وأنّ هناك حلفاء آخرين فتحوا خطوطاً لحساب مرشّحين من خارج اللائحة، بنحوٍ كان يمكن أن يهدّد المناصفة، وهذا أمرٌ لا يشرّف العملَ السياسي ولا العمل الانتخابي». وفي حين ستلاقي جلسة انتخاب الرئيس اليوم مصير سابقاتها من التأجيل، شخصَت الأنظار إلى قصر الإليزيه حيث عُقد اجتماع بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تابَعا خلاله المواضيع التي كانت عُرضت في لقائهما الأخير في بيروت، وفي مقدّمها الاستحقاق الرئاسي. توقّفَ مصدر أمني عند الأجواء الأمنية التي رافقت الانتخابات الأحد الفائت، فوصَفها بـ«الجيّدة» وتعكس التفاهمات السياسية للأحزاب والقوى الفاعلة على الأرض.
وقال المصدر لـ«الجمهورية» إنّ هذا الامر إن دلّ على شيء فهو يعني انّ الاستقرار الامني هو وليد التفاهمات السياسية.
وعلمت «الجمهورية» انّه خلال اليوم الانتخابي وفيما كانت القوى الامنية والعسكرية بجهوزها الكامل على الارض، زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قائدَ الجيش العماد جان قهوجي في مكتبه في اليرزة لمتابعة مجريات الوضع الأمني، وعقدا اجتماعاً انضمّ اليه مدير المخابرات العميد كميل الضاهر، وكان تشديدٌ على ضرورة التيقّظ واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والاستثنائية طوال هذا الشهر لتمريرالاستحقاق البلدي بلا خروق امنية حفاظاً على نجاح الانتخابات وسلامة الناخبين معاً.
وكان المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، جال بدوره يوم الأحد على عدد من المراكز الانتخابية، متفقّداً التدابير الأمنية المتخَذة لتأمين حسنِ سير الانتخابات، وأعطى توجيهاته للعناصر المولجة حماية هذه المراكز بضرورة البقاء على جهوز تام لتوفير الأمن والاستقرار للعملية الانتخابية.
وزارة الداخلية
إلى ذلك، أعلنت وزارة الداخلية والبلديات عبر مكتبها الإعلامي أنّ النتائج النهائية والرسمية للانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، بدأ الإعلان عنها، تباعاً، على موقع الوزارة الإلكتروني الرسمي.
وأكّدت الوزارة أنّ دورها في العملية الانتخابية ينتهي عند تسليم صناديق الاقتراع إلى لجان القيد المعنية، التي يَرأسها قضاة عدليّون. وذكّرت أنّه في الانتخابات البلدية والاخيتارية للعام 2010 تأخّرَ الانتهاء من عمل لجان القيد في انتخابات بيروت إلى ما بعد ظهر الإثنين، ولم يتمّ نشرُها إلّا في صحف الثلثاء.
مع الإشارة إلى أنّ وزارة الداخلية لم تقصّر في تقديم التجهيزات اللوجيستية إلى لجان القيد وأعضائها طيلة النهار، اليوم، تسهيلاً لإنجاز إعلان النتائج. وستعمل الوزارة على تأمين الإجراءات اللازمة لتسريع إعلان النتائج في المحافظات الأخرى خلال المراحل المقبلة.
قراءة النتائج
في هذا الوقت، تبدّد الغبار في بيروت وزحلة وانصرفَت القوى المسيحية الى درس النتائج. فالدرس الأوّل هو من بيروت، حيث الأحزاب المسيحية، من 14 و8 آذار انضوَت في لائحة الرئيس سعد الحريري «الشاملة» لتضمنَ الفوز أوّلاً والمناصفة الطائفية ثانياً.
ويأخذ كوادر من تيار«المستقبل» على رفاقهم المسيحيين في 14 آذار عدمَ دينامية قياداتهم على الأرض، على غرار ما فعلَ الحريري. وكاد الإهمال المسيحي لدى البعض، أن يهدِّد بخرقِ اللائحة واختلال المناصفة. ولو حصَل ذلك، لكان «المستقبل» قد حمَّل بعضَ المسيحيين أنفسهم مسؤولية حصول ذلك.
أمّا في زحلة فيجدر التوقّف عند الآتي:
حصَلت «لائحة الأحزاب» في زحلة على نحو 10500 صوت، ولائحة السيّدة ميريام سكاف على نحو 8800 صوت، ولائحة النائب نقولا فتوش على نحو 7000 صوت. وفي قراءة مجرّدة للأرقام، يمكن الاستنتاج أنّ القوى الخصمة للأحزاب في المدينة جمعت ما يقارب 15800 صوت، أي نحو 60% من المقترعين الزحليين، مقابل نحو 40% للأحزاب.
وافتراضاً أنّ هناك نحو الخمسة آلاف شيعي وسنّي (من أصل 6 آلاف مقترع) أعطوا سكاف وفتوش أصواتهم، فهذا يعني أنّ 10800 ناخب مسيحي أعطوا أصواتهم للّائحتين المنافستين للأحزاب. وافتراضاً أنّ هناك ألف صوت سنّي وشيعي صبَّ في مصلحة لائحة الأحزاب، فهذا يعني أنّ اللائحة حصلت على أصوات 9500 مسيحي.
والترجمة لذلك، في شكلٍ حسابي، أنّ 10800 مسيحي اقترعوا لسكاف وفتوش مقابل 9500 للأحزاب، أي أنّ الدفّة ما زالت تميل، مسيحياً، لغير مصلحة الأحزاب التي راهنَت على أن تحظى بدعم يقارب 70% أو 80%، بل 86% لعون وجعجع وحدهما، من دون حزب الكتائب.
وعلى الأحزاب أن تدرس أنّ تحالف رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لم يحقّق «التسونامي المسيحي» المطلوب، بل أعطى نتائج عكسية أحياناً، إذ عمد خصومُ الرَجلين (رئيس مجلس النواب نبيه برّي والحريري و«حزب الله» ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط) إلى إفهامهما بأنّ هذا التحالف لن يفيدهما سياسياً، وأنّ قوّتهما رهنٌ بالحلفاء في 8 و14 وجنبلاط أيضاً. وربّما يتقاطَع الثنائي السنّي - الشيعي، في شكلٍ غير معلَن، وربّما غير مقصود، على مواجهة الثنائي المسيحي في بعض الأماكن.

اللواء :

مع الساعات الأولى لصباح يوم أمس، اطمأن فرسان اللوائح المشكلة من الائتلافات السياسية والحزبية الكبرى إلى فوزهم:
«لائحة البيارتة» في بيروت، الذي أدى فوزها كاملة إلى «حماية المناصفة» بين المسلمين والمسيحيين، على حدّ تعبير الرئيس سعد الحريري، وهذا هو المكسب الكبير، على الرغم من الأسئلة المفتوحة التي ترتبت عن خروج انصار «التيار الوطني الحر» عن «الشراكة الانتخابية»، والتصويت للائحة «بيروت مدينتي» في دائرة بيروت الأولى، أي الأشرفية والمدور والرميل، الأمر الذي طرح إشكاليات العمل السياسي والتحالفات الانتخابية، واحدث جرحاً يحتاج إلى وقت لشفائه ومعالجة ندوبه.
ولائحة «انماء زحلة» المكونة من أحزاب الكتائب و «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» والتي رأى في نجاحها النائب ميشال عون استعادة لزحلة إلى مساحة الوطن، معتبراً ان النتيجة تغري لأن يحصد التحالف المسيحي نتائج في سائر المدن والبلدات، حيث هناك بلديات مسيحية.
وهذا الموقف، على ما فيه من إيحاء بأن زحلة كانت وكأنها خارج الوطن، أو انها باتت في قبضة الحلف الثلاثي، وما ستجر من ردود فعل من قبل القيمين على اللائحتين المنافستين، برئاسة رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف ودعم النائب نقولا فتوش اللذين لو تحالفا، وفقاً لخبراء الانتخابات، لألحقا هزيمة ساحقة بالائتلاف الحزبي، قياساً إلى حجم الأصوات التي نالتها اللائحتان، بالنسبة إلى أصوات لائحة انماء زحلة.
وفي البقاع أيضاً، عبر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن ارتياح «حزب الله» لفوز كامل أعضاء اللائحتين في مدينة بعلبك وفي بلدة بريتال، كاشفاً ان ماكينة حزب الله كان يعمل في عدادها عشرة آلاف مندوب، مهوناً من خرق حصل في ست بلديات، ومشدداً في مجال تأثير العقوبات الأميركية على أموال البلديات، على ان الحزب سيضع حداً لها، ولا علاقة للاميركيين بإدارة الدولة ولا البلديات، اما الاسلوب فهو «الطريقة السياسية الأخلاقية التي يفهمها الاميركيون»، على حدّ تعبيره.
قراءة في النتائج
ومع بدء إعلان النتائج رسمياً في بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك الهرمل باقلامها ولوائحها ونسب المقترعين، انشغلت أوساط خبراء الانتخابات ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية، والسفارات العاملة في بيروت، في قراءة نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية، التي جرت الأحد الماضي، والتي من شأنها، قبل اكتمالها في جبل لبنان والجنوب والنبطية والشمال وعكار، ان تضيء على المشهد السياسي والنفوذي وطبيعة التحولات والتغيرات في البيئات العائلية والطائفية، وحجم الزعامات وقدرة الحركات المدنية والمجتمع المدني وسائر ما يُطلق من تسميات على المجموعات المدنية التي أطلقت حراكاً في الشارع في الأشهر الماضية التي سبقت اجراء الانتخابات والتي حملت رموزاً من هذه الحراك على خوض هذه التجربة على أساس احتمال التغيير من الداخل:
1- لم يتمكن المجتمع المدني في بيروت وبعلبك ومدن أخرى من احداث أي خرق في هذه الانتخابات باستثناء بعض القرى في البقاع الغربي أو البقاع الشمالي، وعزت أوساط المراقبين هذا العجز إلى عاملين اثنين:
- تدني نسبة الإقبال على الاقتراع، لا سيما في بيروت.
- وتكتل الأحزاب التقليدية الكبرى بتحالفات ائتلافية تخطت معها الانتخابات السياسية لتواجه لوائح وصفت «بالمتفلتة والناقمة على السلطة»، على خلفية أزمة النفايات والفضائح وتلوث الغذاء والانترنت غير الشرعي وسوى ذلك.
2- أظهرت معركة زحلة حجم الصراع على زعامة المدينة، بين العائلات التقليدية والتجديد الحزبي، والذي أظهر ترجيحاً للقوى العائلية، على الرغم من موقف الكنيسة ونفوذ نواب المدينة المحسوبين على أحد أحزاب الائتلاف (القوات اللبنانية) بحيث أنه لو تمّ الائتلاف بين «الكتلة الشعبية» وكتلة موسى فتوش لكانت النتائج حسمت باتجاه آخر.
3- لعلّ المفارقة كانت في مدينة بعلبك حيث أن ما يزيد عن 45 في المائة من ناخبي مدينة الشمس صوّتوا للائحة المنافسة للائحة «حزب الله»، مما يعني تبدلاً في مزاج الناخب الشيعي، وخروجاً إلى المجاهرة بالاعتراض على تحكم الحزب بالقرار الشيعي.
«التمرّد العوني»
4- في التداعيات الحزبية لانتخابات بيروت، لم يكن من الممكن أمام رئيس تكتل الإصلاح والتغيير ميشال عون إلا أن يعترف بأن تمرداً حزبياً، أو ما وصفه بالانتفاضة حصل في منطقة الأشرفية، أي دائرة بيروت الأولي، قاده القيادي العوني زياد عبس في وجه تركيبة الائتلاف التي رعاها الوزير السابق نقولا صحناوي.
وفيما توعّد عون بمحاسبة أصحاب هذه «الانتفاضة»، كشف مصدر على صلة برئيس التيار الوزير جبران باسيل، أن قراراً بفصل عبس من المرجح أن يصدر عن قيادة الحزب، على خلفية خروجه على القرارات ودعم مرشحين اختياريين من خارج لائحة التيار.
كما صدر بيان عن لجنة الإعلام المركزي في التيار جاء فيه أن مفوض عام المجلس التحكيمي في التحقيقات الداخلية باشر التحقيق في ضوء المعطيات المتوافرة، وسيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين، بعد إحالتهم على الهيئة.
5- وستفتح هذه الحادثة الباب على مصراعيه لتتبعات وتعقبات أخرى في أحزاب وقوى، في ضوء ما ستفرزه بيانات التصويت النهائية، في ضوء معلومات عن أن بعض أعضاء بلدية بيروت الذين أبعدوا عن اللائحة تخلفوا عن المشاركة في الاقتراع.
وبالنسبة للصوت الشيعي، فإن أكثر من 73 ألف ناخب، باستثناء مناصري «أمل» عاشوا أزمة اقتراع، أو وقفوا على الحياد في ضوء موقف «حزب الله» الغامض، حيث تبين أنه لم يصوت للائحة الوزير السابق شربل نحاس أو للائحة «بيروت مدينتي».
6- ومع ذلك، سجل الاعتراض المدني حضوراً إنتخابياً لا يمكن قراءة مفاعيله قبل اكتمال المراحل الأخرى من الانتخابات.

الاخبار :

يعيش الرئيس سعد الحريري واحدة من أسوأ المراحل التي مرّ بها منذ دخوله عالم السياسة. هي المرة الأولى التي ينفض عنه جمهوره، وجمهور حلفائه. نتائج انتخابات بلدية بيروت أول من أمس كشفت الكثير من الثغر التي ترقى إلى مستوى الفضيحة. «لائحة البيارتة» التي قاد الحريري بنفسه حملتها الانتخابية في أحياء العاصمة، وجمعت غالبية أحزاب السلطة، نالت أقل من 10 في المئة من أصوات أهل العاصمة.

أما منافسوه، فحصدوا، متفرقين، نسبة قريبة. حتى الساعة الواحدة من فجر اليوم، وفيما كان فرز الأصوات لا يزال مستمراً من قبل اللجان القضائية في البيال، أوردت مصادر متطابقة نتيجة شبه نهائية، تشير إلى نيل لائحة البيارتة أكثر من 41 ألف صوت، في مقابل نحو 29 ألف صوت للائحة «بيروت مدينتي».
وحازت مرشحة اللائحة الأخيرة، نادين لبكي، أكبر عدد من الأصوات بين معارضي لائحة تحالف السلطة. وترددت مساء أمس معلومات عن تمكنها من اختراق لائحة السلطة، قبل أن تقلب أصوات المزرعة المشهد.
فيما لم يلامس الوزير السابق شربل نحاس، بحسب ماكينات انتخابية، عتبة الـ10 آلاف صوت. أما مرشح جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، فنال أكثر من 10 آلاف صوت. ويقول «الأحباش» إنهم منحوا جميع أصواتهم لـ20 مرشحاً من لائحة البيارتة، بناءً على تفاهمات مع قوى سياسية مشاركة في اللائحة. إذا صح هذا القول، فهذا يعني أن النتيجة كادت أن تكون أكثر سوداوية لتيار المستقبل مما هي عليه الآن. هذه الأرقام مرعبة للحريري. 

كان بمقدور قوى 8 آذار وحدها أن تُسقِط لائحته، فيما لو قررت يوم الانتخابات حشد أصواتها لتصبّ في مصلحة «بيروت مدينتي» ونحاس ومرشح «الأحباش»! وهذه الأرقام ربما كانت السبب الذي دفع ماكينة تيار المستقبل الانتخابية إلى عدم إعلان النتائج غير الرسمية الموجودة في عهدتها، والتي جمعتها من مندوبيها في أقلام الاقتراع أول من أمس. فكل مندوب يحصل على نتيجة الفرز الذي يجريه رؤساء الأقلام في مراكز الاقتراع، قبل إحالة الصناديق والنتائج الاولية على لجان القيد. ويكفي جمع هذه النتائج الجزئية لتظهر النتيجة الإجمالية.
«ثمة حاجة لمراجعة جدية»، يقول وجه بارز من وجوه الحريرية السياسية. وهذه المراجعة هي لأداء الحريري وفريقه. لا يمكن الأخير أن يستمر «ببيع» الناس «اعتدالاً» و»مناصفةً» «لأ للسلاح» و»ليسقط النظام السوري» وما إلى ذلك من شعارات. ثمة كفاءة مفقودة، سياسياً، وإنمائياً، وبلدياً، وخدماتياً... إضافة إلى الشحّ المالي الذي يعاني منه. لم يقدّم الحريري منذ دخوله عالم السياسية أي مبادرة إنمائية أو انتخابية توحي بأن في فريقه من يفكّر خارج صندوق «العمل السياسي التقليدي»، القائم على تزفيت الطرقات وإنشاء أرصفة وإقامة شبكة صرف صحي، والاستفادة من بقرة خزينة الدولة الحلوب.
أزمته التي استجدّت أول من أمس هي مع الحلفاء. الأرقام الرسمية أمس أظهرت أن «بيروت مدينتي» حصلت على 9 آلاف صوت في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية والرميل والصيفي)، في مقابل 6700 صوت للائحة البيارتة. الحريري لم يخف عتبه على شركائه المسيحيين في اللائحة. «وحدهم الطاشناق التزموا معنا»، يقول مستقبليون. أما القوات والتيار الوطني الحر والوزير ميشال فرعون، فقد سمعوا من الحريري في خطاب ألقاه أمس بمناسبة «فوز لائحة البيارتة» كلاماً واضحاً من دون أن يسميهم. قال: «هناك حلفاء فتحوا خطوطاً لحساب مرشحين من خارج اللائحة، بشكل كان من الممكن أن يهدد المناصفة، وهذا أمر لا يشرف العمل السياسي ولا العمل الانتخابي». الرجل مستاء للغاية من القوات اللبنانية بالدرجة الأولى. يُدرك المحيطون به الأزمة التي واجهت التيار الوطني الحر في الأشرفية، وانقسام مناصريه بين مؤيد للتحالف مع المستقبل في بلدية بيروت وبين معترض عليه، وانكفاء جزء منهم عن التصويت. لكنهم لا يتفهمون ذلك. كذلك فإنهم أخذوا علماً بمشكلة حزب الكتائب و»حرَد» النائب نديم الجميّل بسبب عدم منحه ما يريده على لائحة المخاتير. لكن الحريري لم «يبلع» أداء القوات اللبنانية. وردت يوم الأحد معلومات تشير إلى أن القوات لم تعمل بكامل قوتها في بيروت، وأن مناصرين لها منحوا أصواتهم لـ»بيروت مدينتي»، في محاولة لمعاقبة رئيس تيار المستقبل على موقفه الداعم للائحة الكتلة الشعبية في زحلة. يردّ الحريريون بـ»أننا لم نغدر. في زحلة كان موقفنا واضحاً. أما في بيروت، فنحن كنا في تحالف». ما جرى في «بيروت الأولى» يرونه غدراً، لا أكثر ولا أقل. ويقول مستقبليون: «كان بمقدورنا تأليف لائحة لا نعطي فيها الأحزاب المسيحية إلا العدد الذي نريده، بمعنى أن يسمي تيار المستقبل بعض الأسماء المسيحية، خصوصاً أن التيار يضم في كتلته نواباً مسيحيين عن بيروت. والنتيجة التي كنا سنحصل عليها لن تكون مختلفة عن تلك التي حصلت عليها اللائحة الائتلافية، بما أنها لم تستفد من أصوات الناخبين التابعين للأحزاب والتيارات التي تحالفنا معها».
العتب يطاول النائب وليد جنبلاط أيضاً. لكن ما يشفع له أن مناصريه في بيروت قليلو العدد نسبة إلى الكتل الأخرى. وحاول بعض المستقبليين اتهام الرئيس نبيه بري بعدم التزام «لائحة البيارتة»، قبل أن يذكّرهم زملاء لهم في التيار بأن نحو نصف أصوات المقترعين الشيعة صبّ لـ»البيارتة»، وهي النسبة المتوقعة من ماكينة حركة أمل، لكونها لا تمون على جميع الناخبين الشيعة في بيروت، وخاصة في ظل مقاطعة حزب الله للانتخابات البلدية، وبالتالي، «تسرّب» جزء من جمهوره للتصويت بلا توجيه. لكن كل ذلك لا يخفي واقع «تهرّب» الجزء الأكبر من جمهور الحريري من الاستجابة إلى دعواته المتكررة للاقتراع.