الانتخابات جرّت بسلام , وأسقطت ذريعة التمديد , وإقبال متفاوت في المناطق

 

السفير :

بعد انقطاع طويل عن كل أشكال التصويت والديموقراطية، بلغ حد «الجفاف».. جرت أمس الجولة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت والبقاع في موعدها المقرر، من دون تسجيل حوادث بارزة، وهذا في حد ذاته حدث يرقى الى مستوى الإنجاز في زمن التمديد الذي ثبت انه «قهري»، لا «قسري»، كما حاولت ان تروج سابقا بعض مراكز القوى في السلطة المتآكلة.
أما على مستوى النتائج الاولية، فإن صناديق بيروت وبعلبك والهرمل وبريتال لم تحمل مفاجآت سياسية، مع فوز لائحة «البيارتة» في العاصمة، وتقدم لوائح ثنائي حزب الله ـ حركة أمل وحلفائهما في البقاع.
لكن الصورة بقيت حتى ساعة متأخرة من ليل أمس غير مكتملة في زحلة، وسط تضارب في ارقام الماكينات الانتخابية للوائح الاحزاب المسيحية و «الكتلة الشعبية» وموسى فتوش، وإن تكن مصادر تحالف الاحزاب قد أكدت تقدم التحالف، خصوصا في الاقلام المسيحية، في انتظار حصيلة الاقلام السنية والشيعية.
ماذا عن تفاصيل اليوم الانتخابي الطويل؟
أمس، سقطت الأوهام المفتعلة التي عممتها الطبقة السياسية على مدى سنوات حول عدم ملاءمة الاوضاع الامنية والظروف المحلية والاقليمية لإجراء أي انتخابات، فكان التمديد الاول ثم الثاني لمجلس النواب، وكان الشغور الرئاسي «المستدام»، بحجة الضرورات التي تبيح المحظورات.. قبل ان يتبين البارحة، بالعين المجردة، ان بإمكان اللبنانيين ان يقترعوا، ويتنافسوا، بشكل طبيعي من دون ان تنعكس الازمة السورية وحرب اليمن وتظاهرات العراق والتجاذبات الروسية الاميركية على سلامة العملية الانتخابية.
وحتى عرسال، المعروفة بوضعها الامني الحساس، نتيجة وجودها على تماس مباشر مع الارهاب التكفيري، خاضت الاستحقاق البلدي بكثافة ونجاح، في تحد للجماعات المسلحة، وحتى لمنطق السلطة الذي كان يتسلح في السابق بخصوصية واقع عرسال لتبرير «موبقات» التمديد..
البارحة، سقطت الذرائع التي تم باسمها تأجيل الانتخابات النيابية، وحرمان اللبنانيين من فرصة اختيار نوابهم، في الموعد الدستوري المحدد، وبالتالي فإن أصوات الناخبين في الاحد البلدي والاختياري بدت بمثابة صرخة ضد الطبقة الحاكمة وإدانة لها، بعدما ثبت بالدليل القاطع انها سلبت المواطنين أحد أهم حقوقهم السياسية والديموقراطية، وفرضت عليهم تمديدا غير مشروع ولا مبرر للمجلس النيابي المنتهية ولايته.
والمفارقة، ان الانتخابات البلدية والاختيارية الناجحة عموما، باستثناء بعض الثغرات والمخالفات الموضعية، إنما تمت في ظل غياب رئيس الجمهورية وشلل مجلس النواب وتخبط الحكومة، ما يعني ان اللبنانيين يملكون قدرا من الوعي والمسؤولية، يمنحهم «اكتفاء ذاتيا» لخوض الاستحقاقات الدستورية بأفضل طريقة ممكنة، حتى لو لم يبق من الدولة سوى الوجود الامني الذي تتطلبه حماية العملية الانتخابية.
ولعل نسب الاقتراع المرتفعة في العديد من المناطق، والتي لامست أحيانا حدود الـ70 في المئة، تعكس توق اللبنانيين الى التعبير عن أنفسهم وخياراتهم، بعد سنوات من «التصحر» والاقامة الجبرية خلف قضبان أمر واقع مهترئ، فاحت منه روائح النفايات والصفقات.
دلالات بيروت

.. وحدها بيروت، اقتصر منسوب الاقتراع فيها على حوالي العشرين في المئة، على الرغم من كل التعبئة التي سبقت الانتخابات، وخصوصا من قبل الرئيس سعد الحريري.
لكن ذلك لم يحل دون فوز «لائحة البيارتة» بكامل أعضائها، وعلى قاعدة المناصفة، وبفارق كبير عن لائحتي «بيروت مدينتي» و «مواطنون ومواطنات»، ما يضع المجلس البلدي الجديد أمام تحدي الإنتاجية والتناغم، في ظل تركيبة متداخلة، تشبه توازنات مجلس الوزراء.
ويمكن القول ان اللائحتين المضادتين حاولتا بإمكانيات متواضعة ان تحركا المياه الراكدة وتصنعا فارقاً ما، إلا ان الاصطفافات السياسية المقفلة وانخفاض معدل الاقتراع وانكفاء المعترضين واليأس من القدرة على التغيير.. كلها عوامل ساهمت في إعطاء الأفضلية للائحة «البيارتة».
ومع ذلك، فإن الفوز الذي حققته لائحة ائتلاف السلطة لا يحجب الحقائق الآتية:
- تراجع وهج «تيار المستقبل» على مستوى العاصمة، بفعل الغياب الطويل لرئيسه عن لبنان وتقلص قدرة شعاراته التقليدية على التأثير في البيارتة الذين اختار قرابة 80 في المئة منهم الامتناع عن التصويت.
- افتقار تركيبة «لائحة البيارتة» الى الانسجام، بعدما ضمت تناقضات نافرة وفاقعة، من قبيل الجمع بين «التيار الوطني الحر» و «المستقبل» في وعاء واحد، الامر الذي انعكس تراجعا في الإقبال المسيحي، وتململا في اوساط جزء من قواعد التيار، بلغ حد الصدام العلني بين فريقي زياد عبس ونقولا صحناوي في الاشرفية وتسرب جزء من الاصوات المسيحية الى لائحة «بيروت مدينتي»، مع الاشارة الى ان الأقلام الارمنية التي تخضع لنفوذ الطاشناق التزمت بلائحة «البيارتة».
- قرف المواطنين من الاحزاب ونقمتهم عليها، بعد تراكم الفضائح والارتكابات طيلة الفترة الماضية وصولا الى جريمة النفايات، فكانت النتيجة انكفاءً احتجاجياً للناس، وبالتالي عجز ائتلاف السلطة الذي ضم مروحة واسعة من القوى المسيحية والاسلامية عن استقطاب الناخبين.
- إخفاق القوى المعارضة لـ «لائحة البيارتة» في توحيد صفوفها وتقديم بديل متكامل، ما أدى الى تبعثرها وتوزعها على لائحة «بيروت مدينتي» ولائحة الوزير شربل نحاس غير المكتملة «مواطنون ومواطنات».
- شعور شريحة واسعة من الناخبين بأن أصواتهم لن يكون لها وزن أو تأثير نتيجة عدم اعتماد النسبية في الانتخابات.
حرارة زحلة

.. لكن الصورة اختلفت في زحلة، حيث رفعت ضراوة المنافسة بين لوائح الاحزاب المسيحية و «الكتلة الشعبية» وآل فتوش نسبة التصويت الى 41 في المئة، وسط توازن قوى في الشارع المسيحي، منح الصوتين الشيعي والسني «قيمة مضافة»، علما ان «حزب الله» اعتمد خيارا عابرا للوائح المتصارعة، من خلال التصويت حصرا لمرشحي «التيار الوطني الحر» و «الكتلة الشعبية» وفتوش.
وليس خافيا، ان انتخابات زحلة التي اتخذت الطابع السياسي الاوضح، شكلت الاختبار الميداني الاول، بـ «الذخيرة الحية»، لتفاهم «التيار الحر» - «القوات اللبنانية»، إضافة الى انها بدت محكا لتماسك تحالف «حزب الله» - «التيار»، ولمحاولات إنقاذ تحالف «المستقبل» - «القوات».
وفيما سُجل تراجع في حضور المال السياسي على مستوى الجولة الاولى من الانتخابات عموما، قياسا على الاستحقاقات السابقة، تردد ان الاستخدام الاوسع لسلاح الرشى تم في معركة زحلة، حيث ضبط «فرع المعلومات» بالجرم المشهود عملية رشوة علنية، في وضح النهار.
رسالة بعلبك
أما في بعلبك وبريتال، فقد اتسم التنافس ببُعد سياسي، تجاوز الاطار الانمائي أو العائلي المحض، وهذا ربما ما يفسر حرص نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على الانتقال الى البقاع، والمشاركة الشخصية في ادارة غرفة العمليات الانتخابية، وكأن الحزب يريد ان يؤكد ان انشغاله بالجبهة السورية وبرصد الخطر الاسرائيلي على الحدود الجنوبية لا يمنع اهتمامه بتحصين الجبهة الداخلية وبالدفع في اتجاه توليد مجالس بلدية تواكب احتياجات بيئته الحاضنة ومطالبها الانمائية.
وكانت لافتة للانتباه، نسبة الاقتراع المرتفعة في منطقتي بعلبك والهرمل، في انعكاس لقدرة تحالف «حزب الله» - «حركة أمل» على التعبئة الشعبية من جهة، ولحرارة المنافسة في بعض الاماكن من جهة أخرى، لا سيما في مدينة بعلبك حيث كانت المبارزة بين لائحة تحالف «حزب الله» و «أمل» و «القومي» و «البعث» و «التيار الحر» و «جمعية المشاريع» برئاسة العميد المتقاعد حسين اللقيس، ولائحة رئيس البلدية الاسبق غالب ياغي المتمايزة سياسيا والمؤلفة من ممثلين عن العائلات.
وفي بلدة بريتال، تنافست لائحة «التنمية والوفاء لنهج الشهداء» المدعومة من «حزب الله»، مع لائحة «إنماء بريتال» التي ترأسها رئيس بلدية بريتال منذ عام 1998 عباس اسماعيل والمدعومة بشكل رئيسي من بعض العائلات، والتي قيل إنها تحظى ايضا بدعم الشيخ صبحي الطفيلي، فيما انسحبت «حركة أمل» من الانتخابات تاركة لعناصرها حرية الاختيار.

النهار :

على رغم كل الكلام، يمكن ان تشكل المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية مفتاحاً لاستحقاقات أخرى مؤجلة أبرزها الانتخابات الرئاسية ثم النيابية، فان هذا التفاؤل يذهب هباء بعدما تبين ان السلطة السياسية مررت استحقاقاً ينفس الاحتقان ويعيد اظهار وجه من وجوه الديموقراطية التي تضمحل شيئاً فشيئاً، لكنه لا يبدل كثيراً في موازين القوى، ذلك أن للعوامل العائلية والعشائرية والمصلحية الضيقة أثرها البارز في الاختيار على الصعيد البلدي الذي تتراجع فيه الخيارات السياسية الى حدها الادنى. أما الانتخابات الرئاسية فصارت مرتبطة بارتباط الافرقاء بصراعات المنطقة والمحاور وحسابات الدول ومصالحها، ومثلها الانتخابات النيابية التي أراح تأجيلها النواب من الاعباء المعنوية والمادية للاستحقاق في ظل الازمات المالية والعسكرية التي يعانيها اكثر من طرف.
لكن الاكيد ان اجراء الاستحقاق الانتخابي، الاول منذ ست سنوات، اسقط كل الذرائع التي أفضت الى تمديدين لمجلس النواب لتعذر اجراء الانتخابات صادق عليهما المجلس الدستوري، علماً ان الظروف لم تتبدل مذذاك. أما الحماوة الانتخابية التي لم توحد "متحالفين" في اكثر من منطقة، فلم تتمكن من حشد الناخبين أمام مراكز الاقتراع، وخصوصاً في بيروت التي عجزت اللائحتان المتنافستان ("البيارتة" و"بيروت مدينتي") عن جذب اعداد اضافية من المقترعين يتجاوز عددهم في جولات سابقة. واذا كانت زحلة شهدت أم المعارك، فان تعداد المقترعين كشف مدى "قرف" الناس من تلك "الحروب العبثية" على حد قول مواطنين عبروا عن ارائهم وقرروا عدم المشاركة، في مقابل مشكلة المجنسين المتجددة والتي تطل برأسها عند كل منعطف انتخابي. أضف بروز العامل الشيعي الاكثر تأثيراً في المواجهات ان في بيروت، أم في زحلة حيث اعتمد "حزب الله" توزيع اصواته على اللوائح الثلاث المتنافسة، في سابقة حاول من خلالها ارضاء الجميع من دون استعداء احد، فيما حسمت "حركة أمل" خيارها الى جانب اللائحة التي يدعمها النائب نقولا فتوش، في انفصال عن الحزب، وهو المشهد الذي سيتكرر في الانتخابات النيابية الفرعية في جزين حيث يدعم الحزب مرشح "التيار الوطني الحر" فيما تدعم الحركة المرشح بيار سمير عازار.
واعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان "المرحلة الاولى من الانتخابات تمت بخير وسلام بنسبة عالية جداً والاهم ان الانتخابات تمت في موعدها واللبنانيون أثبتوا انهم يستحقون الديموقراطية والحرية يحافظون عليها ويحترمونها في كل المناطق اللبنانية وانهم جاهزون للاستحقاقات المقبلة بالانتخابات الرئاسية وبعدها بالانتخابات النيابية".
واستبق المشنوق اجتماع اللجان النيابية المشتركة اليوم، والتي تبحث في قانون جديد للانتخابات النيابية يؤمل منه اجراء الاستحقاق المؤجل فأكد ان "الانتخابات الاولى التي يجب ان تجري في لبنان لاكتمال النصاب السياسي للنظام اللبناني هي رئاسة الجمهورية وبعدها تتم الانتخابات النيابية واي كلام آخر هو لفتح مشكلة وليس لتحقيق النتيجة".

بيروت
في العاصمة، فازت لائحة "البيارتة" ليس بعدد الاصوات وانما بحيازتها المقاعد الـ 24 استناداً الى مصادرها من دون أي خرق من اللائحة المنافسة التي نالت تعاطفاً جماهيرياً لم يتجسد في صناديق الاقتراع. وبدا مؤيدو لائحة "البيارتة" غير متحمسين للمشاركة لثقتهم بفوزها الاكيد، فيما تخاذل المتعاطفون مع اللائحة الاخرى لاعتقادهم أن فوزها مستحيل. واعتبرت "وكالة الصحافة الفرنسية" في تقرير لها ان "بيروت مدينتي" تعد نموذجاً جديداً من نوعه في لبنان يتحدى الاصطفافات السياسية والطائفية. وفي عداد مرشحي اللائحة المخرجة نادين لبكي التي أحرزت جوائز عدة عن افلامها التي تحاكي الواقع اللبناني ومشاكله الاجتماعية وذاكرة الحرب، والمغني والمؤلف الموسيقي المعروف أحمد قعبور، ورئيس تعاونية صيادي السمك في عين المريسة نجيب الديك. وقد خاضت الانتخابات على أساس برنامج مستوحى من حركة الاحتجاج المدنية التي شهدتها بيروت الصيف الماضي على خلفية ازمة النفايات التي اغرقت شوارع العاصمة وضواحيها".
وقد احتفل انصار "البيارتة" ليل أمس في محيط "بيت الوسط" حيث شاركهم الرئيس سعد الحريري والتقط معهم الصور التذكارية. ونقلت أوساطه استياءه من حجم المشاركة في بيروت.

 

المستقبل :

بإقبال فاق نسبة الاقتراع المسجّلة في انتخابات 2010، وفي وجه كل ماكينات التهويل والتجييش المضاد الهادفة إلى حرف البيارتة عن وجهتهم وأصالتهم، قالت بيروت كلمتها أمس وجددت الولاء والوفاء لخط الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومسيرته الوطنية التي يواصلها الرئيس سعد الحريري من خلال انتخاب أبناء العاصمة لائحة البيارتة «زي ما هيّ» لرئاسة وعضوية المجلس البلدي الجديد في استفتاء بيروتي صريح يمنح الحريري ثقة متجددة بنهجه الوطني سياسياً وإنمائياً. وعلى هذين البعدين السياسي والإنمائي كان الحريري قد أكد صباحاً خلال الإدلاء بصوته معرباً عن ثقته بكون «بيروت ستظهر هويتها السياسية»، ثم شكر مساءً مع إقفال صناديق الاقتراع كل البيارتة الذين قاموا بواجبهم «لتبقى بيروت محروسة بأهلها»، وسرعان ما أعطى شارة انطلاق العمل البلدي لصالح العاصمة وأبنائها في كلمة مقتضبة مساءً أمام وفود احتشدت قبالة بيت الوسط للاحتفال بالفوز، ليعود رئيس «لائحة البيارتة» 
جمال عيتاني فيعلن من بيت الوسط عند الثانية من بعد منتصف الليل أنّ «المعركة حسمت كلياً لصالح اللائحة» على أن يلقي الحريري كلمة بعد ظهر اليوم بعد أن تكون وزارة الداخلية والبلديات قد أعلنت النتائج النهائية الرسمية للاستحقاق.

«حرق أعصاب» في زحلة
أما بقاعاً، وتحت وطأة احتدام أم المعارك الانتخابية في زحلة بين كل من لوائح تحالف الأحزاب وآل سكاف وآل فتوش، تحولت عملية استشراف نتائج التصويت إلى ما يشبه معركة «شد حبال وحرق أعصاب» بين ماكينات اللوائح الثلاث حتى ما بعد منتصف الليل ما استدعى إرجاء إعلان النتائج النهائية حتى صباح اليوم بانتظار اكتمال عملية احتساب صناديق الاقتراع واتضاح صورة فرز الأصوات لتحديد الفائزين. 
بعلبك وبريتال تحرجان «حزب الله»
وبينما كانت عرسال على قدر المسؤولية الوطنية وخيبت آمال العاملين على تشويه صورتها الوطنية والمراهنين على خروجها عن كنف الدولة من خلال إقبال أهلها الانتخابي والحضاري المتميز تأكيداً على انتمائهم المتجذر للدولة ومؤسساتها والتزامهم الراسخ باستحقاقاتها الدستورية، برز في مشهد الاستحقاق البلدي بقاعاً الإحراج اللافت للانتباه الذي سببته لوائح العائلات لـ»حزب الله» بعدما زاحمته في معارك بعلبك وبريتال ما خلق أجواء واضحة من الارتباك لدى ماكينة الحزب اضطرته إلى إرجاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً أن يعقده نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم منتصف الليلة الماضية لإعلان نتائج الانتخابات في البقاع حتى الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم.

الديار :

ورقة التوت سقطت.. أين قانون الانتخاب؟
الانتخابات البلدية التي جرت امس دون تفاعلات او انفجارات او حتى هزات امنية، اثبتت ان الحيثيات التي تم الاستناد اليها للتمديد للمجلس النيابي مرتين، لجهة هشاشة الوضع الامني واحتمالاته لم تكن واقعية ولا منطقية.
حتى عرسال التي طالما ننظر اليها على انها «مركز الانفجار» شهدت، في ظل الاجراءات الامنية، انتخابات هادئة، بل وفي منتهى الهدوء، حتى ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قال ان «احلى قلم اقتراع رأيته كان الذي ذهبت اليه في عرسال».
ولائحة «البيارتة» التي هي عبارة عن كوكتيل يضم ممثلين لكل الاحزاب فازت بكل اعضائها، مع فارق ضخم بينها وبين «بيروت مدينتي»، حتى ان احد اعضاء اللائحة الفائزة لم يتورع عن وصف اللوائح المنافسة بـ «الاكسسورات»
هذا لا يحجب نقطة الضعف في ذلك الفوز اذ ان عدد المقترعين بقي دون الـ 18 في المئة وهو ما افسح في المجال للمناوئىن القول ان اكثرية اهل بيروت انتقموا من الطبقة السياسية التي عجزت حتى عن معالجة النفايات التي تكدست في المدينة وحولت حياة سكانها الى جحيم.
وما ان عرفت ارقام بعض اقلام الاقتراع التي اظهرت الفارق الكبير مع اللائحة المنافسة حتى توجه عدد من الشبان الذين حملوا اعلام تيار المستقبل الى «بيت الوسط» حيث استقبلهم الحريري بالتأكيد «اننا ابتداء من الغد سنبدأ العمل لصالح بيروت».
وكان تعليق من النائب وليد جنبلاط الذي قال «ليس المهم الانتصار انما المهم ماذا بعد» ملاحظا ان «الحفل جميل ولكن كما يقولون راحت السكرة وجاءت الفكرة».
وكان جنبلاط قد علق بالقول «حتى الشيخ سعد غير مقتنع بلائحة البيارتة» قبل ان يغرد عبر تويتر بعبارة «بيروت البيارتة خلصونا طلعوا النتيجة وروحوا ناموا».
في زحلة بقيت الارقام تلعب حتى منتصف الليل تقريبا، وميريام سكاف التي تدعم لائحة «زحلة الامانة» صرحت بأن النتائج الاولية ايجابية قبل ان تبدأ الارقام بالتدهور لمصلحة لائحة الاحزاب بعد فرز نحو 50 قلما من اصل 114 قلما وكان الفارق بألوف الاصوات.
وفي كل الاحوال لم تظهر النتائج النهائىة حتى الثانية بعد منتصف الليل وان كانت مصادر «القوات اللبنانية» قد اكدت ان لائحة الاحزاب يمكن ان تفوز بالمقاعد الـ 21 اذا ما بقيت الارقام في التصاعد.
والواقع ان البانوراما الانتخابية في مدينة زحلة بدت امس مشوشة جدا لينعكس ذلك مساء اي بعد اقفال اقلام الاقتراع والمباشرة في الفرز وقبل ان تبدأ التظاهرة السيارة للائحة «انماء زحلة» في شوارع المدينة.
كما لم تظهر النتائج في بلدة رياق وحوش حالا حيث المنافسة بين لائحة «حزب الله» ولائحة «امل» فيما فازت لائحة الحزب بكامل اعضائها الـ15 في بلدة علي النهري برئاسة رئىس البلدية الحالي احمد المذبوح.
وفي بلدة ايعات فازت لائحة غازي عبد الساتر في مواجهة لائحة «حزب الله».
وفي بلدة النبي شيت فازت لائحة «بلدتي امانتي» المدعومة من «حزب الله» وحركة «أمل».
وفي بلدة راشيا، اعلنت ماكينة الحزب التقدمي الاشتراكي فوز لائحة الحزب على لائحة زياد شبلي العريان بفارق 500 صوت.
وفي عيناتا فازت لائحة ميشال نصر رحمة بـ8 أعضاء ليفوز بالمقعد التاسع وائل رحمة من اللائحة المنافسة. كما فازت بلدة برقا اللائحة المدعومة من «القوات اللبنانية» برئاسة غسان جعجع.

ـ بسرعة السلحفاة ـ

وكانت الانتخابات في بيروت تسير بسرعة السلحفاة، قلق كبير في بيت الوسط من ان تبقى نسبة المقترعين دون الـ20 في المئة، وان كان الرئيس سعد الحريري قد تجاوز بسهولة التداعيات السياسية والاعلامية والشعبية لنسبة المقترعين في بيروت في انتخابات عام 2010 حين توقفت عند 18 في المئة.
واذا كانت اوساط تيار المستقبل تتحدث عن عدم وجود اي علاقة بين الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية، فان معارضي التيار يشيرون الى ان الحريري نفسه من اضفى البعد السياسي على انتخابات الأمس وبذل جهوداً شاقة من اجل استقطاب الناخبين، من خلال التركيز على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي كان يراهن عليها لحمل الناخبين المسيحيين على التوجه، بكثافة الى صناديق الاقتراع.
ضآلة الاقبال في بيروت صدمت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي وصف النسبة بانها غير مقبولة، داعياً الناخبين الى تأدية واجبهم في صناديق الاقتراع، ولكن لتبدو لا مبالاة اكثر من ثلاثة ارباع ناخبي العاصمة، وكأنها رسالة الى الطبقة السياسية التي اغرقت المدينة في القمامة لاشهر طويلة، فيما الخلافات بينها جعلت القصر الجمهوري فارغاً ولمدة سنتين قابلتين للاستمرار الى ما شاء الله وما شاءت القوى الاقليمية.
لكن جعجع، الفخور بكونه لبنانياً كما قال لأنه بالرغم من الظروف الدراماتيكية في المنطقة، تشهد البلاد انتخابات بلدية، بدا قلقا من المشهد الانتخابي في مدينة زحلة حيث بدت لائحة الاحزاب المسيحية (التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» والكتائب) في مواجهة مزدوجة مع ميريام سكاف، ارملة الوزير الراحل الياس سكاف، والنائب نقولا فتوش.

ـ اتركوا كأس العرق ـ

ودعا رئىس «القوات» الزحليين الى «ترك كأس العرق» والتوجه الى مراكز الاقتراع.
وعكس مدى القلق ان عناصر من «القوات» قرعت الاجراس في بعض من كنائس المدينة لحمل الناخبين على التصويت، ودون التوقف عن توجيه الاتهام الى سكاف وفتوش بشراء الاصوات، وهو الامر الذي نفاه وزير الداخلية نهاد المشنوق.
وتعتبر «عروس البقاع» وعاصمة الكثلكة في المشرق، منطقة بالغة الحيوية بالنسبة الى «القوات اللبنانية» التي تتمثل فيها بـ3 نواب من اصل 7 نواب، وان كان تيار المستقبل، حيث الكتلة السنية «الهائلة» في قضاء زحلة، من اوصل الثلاثة الى ساحة النجمة حين كان شهر العسل في ذروته بين الحريري وجعجع.
وقد بلغ التوتر العصبي حد التضارب بين انصار لائحة الاحزاب ومنافسيهم، ودون ان يتجاوز العنف هذا المستوى، مع انتشار كثيف للقوى العسكرية والامنية في سائر المناطق كما في مناطق بيروت.

ـ عون: النسبة السيئة ـ

واعتبر رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون والذي يشارك في لائحة الاحزاب (البيارتة) ان نسبة المقترعين سيئة جداً بالنسبة الي انا شخصياً ايضاً، معتبراً انه ايا تكن خيارات الناس عليهم التوجه الى صناديق الاقتراع، على الاقل حتى نتعرف على آرائهم.

 

الجمهورية :

غريب أمر القوى السياسية، تعجز عن أبسط واجباتها في انتخاب رئيس للجمهورية، وتتباهى في الفوز بمختار في الأشرفية، أو بلدية في البقاع من بين عشرات البلديات. تتذرّع بمخاوف أمنية لعدم إجراء الانتخابات النيابية، وهي في الحقيقة لا تخاف إلّا على مناصبها ومقاعدها. سقطت الذرائع الأمنية أمس عندما نزل المواطنون إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجالسهم البلدية والاختيارية في بيروت والبقاع، فيما يستمرّ النواب في التقاعس عن النزول إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية، أو إقرار قانون للانتخابات النيابية. وقبل أن تعلَن النتائج الرسمية لانتخابات بيروت والبقاع، انهمكَ اللبنانيون في التدقيق في نتائجها السياسية، وحجم تصويت كلّ فريق ضمن تحالفاته، وأسباب انكفاء أعداد كبيرة من المواطنين عن الإدلاء بأصواتهم. وفي المقابل سارَع البعض إلى الترويج بالفوز في مكان والتعتيم على التعثّر في أماكن. تَعدَّد الرابحون أمس، وكان أبرزهم الرئيس سعد الحريري الذي ضمنَ بحيوية لافتة انتصارَ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في العاصمة، والديمقراطية التي أعيدَت الروح إليها، ووزارة الداخلية والجيش وقوى الأمن التي وفّرت الأمن على رغم كلّ الأعباء. واكبَت «الجمهورية» العملية الانتخابية منذ ساعات الصباح الأولى، وتوزّعَ مندوبوها على مختلف المناطق، خصوصاً تلك التي شهدت معارك حامية، حيث تركّزَت المعركة في بيروت بين «لائحة البيارتة» التي يَرأسها جمال عيتاني، المدعومة من تيار «المستقبل» والقوى الحزبية الأخرى، في مقابل لائحة «بيروت مدينتي» برئاسة المهندس ابراهيم منيمنة، والتي نواتُها من المجتمع المدني، وأظهرت النتائج الأوّلية فوز «لائحة البيارتة»، بعد يوم اقتراع طويل لم يشهد أيّ إشكالات تُذكر، فيما وصلت نسبة الاقتراع إلى 20.14 في المئة. (التفاصيل صفحة 6).
أمّا في الأشرفية، الصيفي والرميل فكانت المعركة على لوائح المخاتير، لكن اللافت كان تسجيل خلافات داخل صفوف «التيار الوطني الحر» نتيجة عدم التزام بعض قياديّيه بالقرار المركزي (راجع صفحة 7).
وبقاعاً أظهرت النتائج الأوّلية فوز لائحة «إنماء زحلة» برئاسة أسعد زغيب على لائحتَي «زحلة الأمانة» برئاسة يوسف سكاف، و»زحلة تستحق» برئاسة موسى فتّوش، بعدما وزّع «حزب الله» أصواته على «التيار الوطني الحرّ» ولائحتَي سكاف وفتّوش، وانقسام الصوت السنّي، وسط تراشق الاتهامات بالرشاوى واستخدام المال الانتخابي (التفاصيل صفحة 8).
وفي بعلبك الهرمل فازت اللوائح المدعومة من تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» في معظم المدن وخصوصاً في بعلبك والهرمل، بينما سُجّل يوم هادئ في عرسال التي تخطّت نسبة الاقتراع فيها الـ 60 في المئة (راجع الصفحتين 9 و11).
كما واكبَت «الجمهورية» مجريات المعركة الانتخابية ورصَدت شكاوى المواطنين من غرفة العمليات المركزية في وزارة الداخلية (صفحة 10).
ولا بدّ من انتظار إعلان النتائج الرسمية اليوم لقراءتها في شكل مفصّل وشامل لتوضيح الصورة بعيداً من الترويج والاستغلال السياسيين.
الحريري
وفي المواقف، شكرَ الرئيس سعد الحريري مساءً كلّ البيارتة الذين قاموا بواجبهم الانتخابي في «يوم عرس بيروت، وهو يوم ديموقراطي بامتياز». وتمنّى «أن تفتح هذه الانتخابات الباب للانتخابات الرئاسية والنيابية في المستقبل».
واعتبر أنّ غياب «حزب الله» عن «لائحة البيارتة» أمر إضافي لبيروت.
سلام
وأكّد رئيس الحكومة تمّام سلام أنّ» الانتخابات البلدية مطلب شعبيّ بامتياز، وهي من صلب نظامنا الديموقراطي، ونأمل أن تنعكس على استحقاقات أخرى، وأبرزها انتخاب رئيس للجمهورية».
المشنوق
وقد نجحت وزارة الداخلية في هذه الانتخابات أمنياً ولوجستياً وتقنياً، وأكّد الوزير نهاد المشنوق بعد اليوم الانتخابي الطويل في مؤتمر صحافي عَقده في وزارة الداخلية مساءً «أنّ اللبنانيين أثبتوا أنّهم يستحقون الحرية والديموقراطية وأنّهم جاهزون للاستحقاقات المقبلة»، وقال: «ما رأيناه في مراكز الاقتراع كفيل بالإجابة عن كلّ مَن راهنوا أو عملوا على تأجيل الانتخابات». ولفت إلى «أنّ الانتخابات التالية يجب أن تكون الرئاسية قبل النيابية، وأيّ كلام غير ذلك هو في إطار فتح مشكلة».
وكان المشنوق قد انتقل صباحاً إلى البقاع واطّلع على سير العملية الانتخابية وترَأس اجتماعاً لمجلس الأمن الفرعي في سراي بعلبك. وجدّد تأكيده على أنّ «الانتخابات البلدية والاختيارية هي الخطبة، والعرس الديموقراطي هو في إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، وأشار الى أنّ مشاركة المواطنين بالانتخابات دليل إيمانهم بالديموقراطية والانتخاب كوسيلة وحيدة لإيصال الممثلين الى السلطة.
وفي نهاية العملية الانتخابية أكّدت قيادة الجيش عدم «تسجيل حوادث أمنية، باستثناء بعض الإشكالات المحدودة في عدد من المناطق، بحيث عملت قوى الجيش بالتنسيق مع القوى الأمنية على تطويقها ومعالجتها بصورة فورية».
حمادة
وأعرب النائب مروان حمادة لـ»الجمهورية» عن سروره الشديد لإجراء استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية أيّاً كانت نتيجته، ملاحظاً أنّ الإقبال في بعض المناطق جاء مخيّباً للآمال، وتمنّى «على الأجيال الطالعة والتي ستتسلّم إنْ شاء الله وقريباً مقادير الحكم والبلد، أن توليَ الاقتراع الانتخابي الديموقراطي اهمّية أكبر».
وإذ ذكّر حمادة بأنّ طرابلس والحدود الشرقية والضاحية الجنوبية ومناطق لبنانية عدة كانت تشهد تفجيرات، ما حالَ دون إجراء الانتخابات النيابية، اعتبَر أنّ «الأمر الوحيد الذي يؤخّر من الآن وصاعداً الانتخابات النيابية ليس أمنياً، وأتمنّى ان لا يعود أمنياً، إنّما هناك أمران لا بدّ منهما: إقرار قانون الانتخابات الجديد أو الاتفاق على إجراء الانتخابات مهما كلّف الثمن وفقاً للقانون الحالي»، مستبعداً حصول تمديد جديد آخر».
إلّا أنّ حمادة شدّد على وجوب ان نستفيد من هذه الفترة لانتخاب رئيس الجمهورية، آسفاً «أن يكون الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله قد أخّرَ الحلول الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية متمنّياً أن لا يكون في ذهنه أو ذهن بعض حلفائه تعليق الأمور الرئاسية حتى هذا الاستحقاق».

اللواء :

أسدلت الستارة عن المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك - الهرمل.
ففي الأحد 8 أيار 2016، نجحت حكومة الرئيس تمام سلام، ونجح وزير الداخلية نهاد المشنوق، في إجراء هذه الانتخابات، وسط هامش واسع من الحرية، وحوادث وإشكالات قليلة جداً، وحياد يكاد يكون كاملاً للسلطة المعنية، على الرغم من الأجواء الصعبة التي شاعت قبل الانتخابات ووضعت معيقات أمنية وسياسية، على أساس أنها تحول دون إجرائها، لكنها ما لبثت أن سقطت بقوة الوقائع الجديدة التي أفرزتها هذه الانتخابات، فاتحة الباب أمام المراحل الثلاث الباقية: الأحد 15 في جبل لبنان و22 في الجنوب والنبطية، و29 أيار في الشمال وعكار.
وبصرف النظر عن نسب الاقتراع التي تراوحت بين 48 في المائة في بعلبك و41.6 في المائة في زحلة و40 في المائة في الهرمل و35 في المائة في راشيا و34٪ في البقاع الغربي، وصولاً إلى بيروت التي تراوحت النسبة فيها بين 22 في المائة في بعض المناطق وأقل من 13 في المائة في مناطق أخرى لتصل إلى ما نسبته 17.76 في المائة أو أكثر، فإن القوى السياسية نظرت إليها وكأنها انتخابات نيابية تؤسس لإعادة تكوين سائر السلطات، سواء عبر المواقف أو الاقتراع أو المتابعة الميدانية.
وإزاء اضطراب الموقف الانتخابي، في ضوء الصورة التي يمكن أن ترسمها هذه الانتخابات للتأشير إلى حجم القوى السياسية والعلاقة بين هذه القوى والجمهور الذي تقدّم نفسها أنها تمثله لا سيما في منطقة البقاع بمحافظتيه وأقضيته، حيث أن «حزب الله» خاض معارك قاسية في بعلبك وبريتال واللبوة، وقرى وبلدات أخرى وصولاً إلى الهرمل، حيث تدنت نسب الاقتراع في هذه المدينة، فضلاً عن إشكالات وإطلاق نار كما تردّد، فضلاًَ عن أن الائتلاف المسيحي في زحلة، وعلى الرغم من تغريدة النائب إبراهيم كنعان من أن زحلة البداية ومبروك للتوافق المسيحي، عاد إلى دائرة الترقب مع تضارب نتائج الماكينات الانتخابية للوائح الثلاث المتنافسة في المدينة، وهي: لائحة إنماء زحلة برئاسة أسعد زغيب وقوامها الأحزاب المسيحية الثلاثة: الكتائب و«القوات» و«التيار الوطني الحر»، ولائحة زحلة الأمانة برئاسة يوسف سكاف التي تخوضها الكتلة الشعبية برئاسة السيدة ميريام سكاف ولائحة «زحلة تستحق» برئاسة موسى فتوش شقيق النائب نقولا فتوش.
تأخر إعلان النتائج
وعلى الجملة تأخرت عمليات الفرز فتأخر الإعلان الرسمي عن النتائج، وآثرت مختلف القوى الداعمة للوائح في بيروت والبقاع التريث بانتظار استكمال الفرز والتدقيق في النتائج:
1- ففي «بيت الوسط» في بيروت، حيث تدفق أنصار لائحة «البيارتة»، أطل الرئيس سعد الحريري وخاطبهم معرباً عن شكره تجديد الثقة بالمناصفة والعيش المشترك وتيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقال: «ابتداء من الغد ستبدأ العمل من أجل بيروت»، آملاً أن تكون النتائج لمصلحة البيارتة.
وكان الرئيس الحريري شكر في بيان أهالي بيروت «الذين قاموا بواجبهم الانتخابي لتبقي ديموقراطيتنا بخير وبيروت عاصمتنا محروسة بأهلها».
2- وفي البقاع، حيث أدار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم معارك الحزب الانتخابية في بعلبك - الهرمل، أرجأ مؤتمره الصحفي إلى اليوم، بعد أن كان مقرراً عقده عند منتصف الليل للحديث عن نتائج الانتخابات وتقييم الحزب لها، بعدما رعى «تشكيل لوائح في 27 بلدة في البقاع من خلال لوائح «التنمية والوفاء» (وهاتان الكلمتان ترمزان إلى حركة «أمل» (التنمية) والوفاء إلى «حزب الله») على حدّ ما أعلنه الشيخ قاسم في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في مدينة بعلبك، والذي كشف فيه أن 19 بلدية من البلديات في المحافظة تمكن الحزب من إنجاحها بالتزكية.
وخاض الحزب معركتين بارزتي الصعوبة في كل في مدينة بعلبك في وجه اللائحة التي ترأسها رئيس البلدية السابق غالب ياغي والمدعومة من تيّار المستقبل والجماعة الإسلامية وأحزاب في قوى 14 آذار، وفي بريتال في وجه اللائحة المدعومة من الأمين العام السابق للحزب الشيخ صبحي الطفيلي، حيث لمس المراقبون معركة «كسر عظم» في البلدة، بعدما سحبت حركة «أمل» يدها من المعركة.
وكشفت الماكينة الانتخابية للحزب انه فاز في 7 بلديات حتى الساعات الأولى من المساء في منطقة بعلبك - الهرمل وهي: حوش سنيد، حوش النبي، مقراف، قرجا، حلبتا، اللبوة ومجدلون. كما فازت لائحة الحزب - «أمل» في زلايا في البقاع الغربي.
3- الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اكتفى رئيسه النائب وليد جنبلاط بمواجهة أحد أصدقائه وخصومه عبر «التويتر» عندما كتب عن معركة زحلة: زحلة البردوني، المازة الجديدة، متبل مع بحص فتوش صخري، مشاوي فقيرة وفواكه مطحونة واركيلة مغسلة بوحل». أعلن ليلا فوز لائحة راشيا بالكامل في وجه اللائحة المدعومة من النائب السابق فيصل الداوود.
4 - اما الاحزاب المسيحية فلم تسجل لها حضورا على المسرح بعد اقفال الصناديق، واكتفت الانتظار لمعرفة الأرقام الرسمية والنتائج، فضلا  عن نسب التصويت في أقلام الاقتراع سواء في الأشرفية أو الرميل أو كرم الزيتون، أو في أقلام زحلة الـ 126 لتبني على الشيء مقتضاه، سواء في ما خص التحالفات أو لاتجاهات المعارك الانتخابية المقبلة، لا سيما في جبيل وجونية وبعبدا وفرن الشباك والمتن والقبيات في الشمال.
وزير الداخلية
وإذا كان الوزير نهاد المشنوق اعرب عن سروره البالغ باتمام الانتخابات في موعدها، مشيدا في مؤتمر صحافي عقده في عرسال، بانتماء البلدة إلى الدولة، بعد ان تجول في احيائها، فإنه أشار، في موقف سياسي يعبّر عن رؤية للمرحلة المقبلة، أن المطلوب بعد الانتخابات البلدية، اجراء الانتخابات الرئاسية، لأنه لا يكتمل العرس الوطني الا بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم تجري بعد ذلك الانتخابات النيابية، وهو الأمر الذي كان يراهن عليه فريقا «تفاهم معراب» فيما لو جاءت محصلة الانتخابات البلدية لمصلحتهما.
وكانت الجولة الأولى من انتخابات البلدية انطلقت منذ السابعة صباحاً بسلاسة ملحوظة وضمن إجراءات أمنية توزعت على أكثر من 20 ألف رجل أمن وجندي حول مراكز الاقتراع، في استحقاق بلدي هو الثالث من نوعه منذ اتفاق الطائف، أعاد الحيوية للمشهد الديمقراطي بتوجه اكثر من 476 ألف ناخب في العاصمة وحدها إلى أقلام الاقتراع لانتخاب 24 عضواً في البلدية من بين أربع لوائح متنافسة تضم ما لا يقل عن 90 مرشحاً، والكتلة الناخبة نفسها يتعين عليها أن تنتخب 108 من المخاتير.
ولم تسجل أية حوادث في العاصمة، ولا حتى إشكالات باستثناء شكاوى سجلتها لائحة «بيروت مدينتي» في مؤتمر صحفي عقدته بعد انتهاء عمليات الاقتراع.
وخلاف ذلك بدا الموقف بالغ الحدة في مدينة زحلة وبعلبك وبريتال، حيث افيد عن رشاوى مالية وتوقيف أشخاص وإشكالات واحتكاكات ما لبث أن طوقها الجيش والقوى الأمنية.

الاخبار :

فوز بطعم الهزيمة. هكذا هي حال تيار المستقبل وفريقه في بيروت. جمع التيار كل حلفائه، وجزءاً كبيراً من خصومه، لخوض معركة في العاصمة. لكنهم جميعاً لم يتمكنوا من حشد اكثر من 20 في المئة من الأصوات. ربح الرئيس سعد الحريري المجلس البلدي في العاصمة، لكنه خسر الناس.

في الكثير من دول العالم، تُعاد الانتخابات امام هذا الإقبال الهزيل الذي عبّر عن رفض 80 في المئة من الناخبين للخيارات المطروحة، أو للنظام الانتخابي برمته. صحيح ان الرئيس سعد الحريري يمكنه أن يفاخر بأن نسبة الاقتراع لم تختلف عن مثيلتها في الانتخابات البلدية عام 2010، إلا أن هذه المفاخرة لا تُخفي استياءه. مقربون منه تحدّثوا عن خيبته من الإقبال الضعيف أمس. فبحسب ماكينته، اقترع من «السنة البيارتة» نحو 55 ألف شخص. ما يعني ان زعامة الحريري، ورغم قيادته الحملة الانتخابية لـ»لائحة البيارتة» بنفسه، تبيّن أن 80 في المئة من أهل العاصمة لا ينجذبون لشعار «المناصفة» الذي رفعه، ولا هم معنيون بالعنوان العنصري الذي حمل لواءه الشيخ سعد ومرشحه لرئاسة البلدية جمال عيتاني، ألا وهو «بيروت لأهلها». كان بمقدور حزب الله «إيذاء» الحريري لو انه حرّك ماكينته يوم الانتخاب، وصبّ كتلة ناخبيه لخصوم «لائحة البيارتة». لكنه لم يفعل. ورغم ذلك، لم يتجاوز تأييد «لائحة السلطة» اكثر من ثلثي المقترعين.

لكن النتيجة تعكس أيضاً أن الاحتجاج على القوى النافذة كبر كثيرا خلال السنوات الماضية، إلا انه ظل موضعياً. وأن خصوم «قوى النظام» ليسوا اكثر من اصوات احتجاجية لا تقدر على التغيير. ففي مقابل «لائحة البيارتة»، تقف لائحتا «بيروت مدينتي»، و»مواطنون ومواطنات في دولة». الأولى كانت صاحبة الحضور الأكبر بين الجمهور، افتراضياً على الأقل. قدّمت نفسها في صورة «ناصعة» وعصرية، مستفيدة من الزخم الذي حظي به الحراك المدني الصيف الماضي. والمفارقة أن النتيجة التي حصدتها أمس بدت كنتيجة الحراك نفسه. وظروف معركة هذه اللائحة كانت ملائمة للغاية لها: قوى اللائحة المنافسة غير متراصة (مثلا، الخلاف القواتي ــ المستقبلي والخلاف العوني ــ العوني وعدم مشاركة حزب الله في «لائحة البيارتة» والموقف الملتبس للنائب وليد جنبلاط)؛ راعي «لائحة السلطة، أي الحريري، لا يملك القدرة على الانفاق الانتخابي كما في السابق؛ المجلس البلدي السابق موغل في «الارتكابات»، وآخرها محاولة تهريب صفقة الرملة البيضاء المشبوهة؛ ازمة النفايات التي أوصلت جماهير القوى التقليدية إلى مرحلة غير مسبوقة من «القرف» والاحتجاج لم تُحل بعد، فروائح النفايات لا تزال تصل إلى منازل سكان العاصمة والضواحي، رغم رفع «الزبالة» من الشوارع. يُضاف إلى ذلك أن التكتيك الذي اعتمدته لائحة «بيروت مدينتي» كان يهدف إلى عدم استفزاز الكتل الطائفية والسياسية الكبيرة، من خلال تجنّب الكلام السياسي الصريح. فعلى سبيل المثال، تعمّد البرنامج الانتخابي للائحة «المجتمع المدني» عدم الإشارة إلى شركة «سوليدير»، لا من قريب ولا من بعيد، رغم ان هذا البرنامج مبني في الجزء الأساسي منه على «التخطيط المدني» للعاصمة. ورغم ما تقدّم، لم تتمكّن «بيروت مدينتي» من الوصول إلى عقل الجمهور العريض وقلبه، مع كل الدعم الإعلامي الذي تلقته. «المجتمع المدني»، بكل نسخه، عاجز عن مخاطبة الناس. ثمة فئة من الجمهور تقبل بهذا «المجتمع» متحدّثاً باسمها في قضايا جزئية، لكنها لا ترى فيه قائداً لها أو ممثلاً سياسياً لها.
بدورها، بدت لائحة «مواطنون ومواطنات في دولة»، كـ»رئيسها» شربل نحاس، «حالة شغب» في وجه النظام.
تبقى عبرة أساسية من انتخابات بيروت أمس، سترفضها قوى نظام ما بعد الطائف أو ستتجاهلها: فضلاً عن أن نجاح مؤسسات الدولة في تنفيذ الاستحقاق، صار بحد ذاته حجة على السلطة نفسها التي تمنع الانتخابات النيابية، فإن نتائج الجولة الاولى من الانتخابات المحلية، تظهر مرة جديدة عقم النظام الاكثري في الانتخابات العامة، وضرورة الذهاب جدياً نحو النظام النسبي، بدل صراخ السياسيين وتأنيبهم الجمهور بسبب عدم إقباله على الاقتراع؛ إلا إذا كان ضعف المشاركة في التصويت في العاصمة امس تعبيراً عن استسلام المواطنين للامر الواقع أكثر منه مظهراً من مظاهر لامبالاتهم بالانتخابات.
خارج بيروت، كانت زحلة الاختبار الاول للتحالف الجديد بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وكانت النتيجة ايجابية لهذا التحالف. لكن خسارة لائحة الزعامة المحلية التقليدية المتمثلة بآل سكاف، لن تقفل بيتاً، كما ان نسب الاصوات الكبيرة التي حصلت عليها لائحة آل فتوش لن تنقل الراية من منزل الى آخر.