منذ أن "أتمت" بريطانيا فضائلها على العرب بعد الحرب العالمية الأولى بتقديم فلسطين أرضاً سائبة للصهاينة لبناء دولة إسرائيل، أهم دولة عنصرية حديثة قامت منتصف القرن العشرين، فشرّدت مئات الآلاف من الفلسطينيين، واستباحت دماءهم أولا واراضيهم تالياً، واستقرت في قلب الوطن العربي غُدّة سرطانية تنشر سمومها في أرجائه الواسعة.

أنّى توجهت في العالم العربي، مشرقاً ومغرباً، فإنّك ،ولا بد، ستجد إسرائيل وراء كل مصائب العرب وتخلفهم وتمزقهم وانحطاطهم. فلولا إسرائيل لما تجرّأ العسكر، عندما تواثبوا على ارائك السلطة، فوضعوا الديمقراطية على الرّف، وزرعوا الاستبداد والفساد، لأكثر من ستة عقود من الزمن، ولولا إسرائيل لما أُنهكت الجيوش العربية، ومن ورائها شعوبها بحروب مدمرة، وآلاف القتلى وعشرات آلاف المعتقلين.

ولولا إسرائيل لما تعرّضت المنطقة العربية لاستغلال الإمبراطوريتين الأميركية والسوفياتية بشراء الأسلحة، ورهن الإرادة الوطنية والقومية لعقود خلت، فضلا عن زرع القواعد العسكرية في أراضيهم وموانئهم، ولولا إسرائيل لما استبدّ صدام حسين في العراق، وحافظ الأسد في سوريا، وأنور السادات في مصر، وخلفه حسني مبارك، ولولا إسرائيل لما دخلت أميركا بلادنا بربع مليون جندي، مع أحدث الأسلحة الفتاكة والذكية، ولولا إسرائيل لما استمرّ بشار الأسد صامدا في وجه الشعب السوري ،الذي خرج باحثا عن حريته وكرامته المسلوبة منذ أكثر من أربعين عاماً.

ولولا إسرائيل، لما تناغمت السياسة الأميركية ،ولأول مرة في تاريخ هذه المنطقة، مع السياسة الروسية، ومع المصالح الإيرانية، لتتلاقى في نهاية الأمر مع الأهداف العدوانية الإسرائيلية، في التوسّع والهيمنة.

ولولا إسرائيل لما تنامت في هذه البلاد أصوليات إسلامية متخلفة وعُنفية، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وتستوي في ذلك أبرز المذاهب  التي تعمل جاهدةً على تمزيق الأمة ، وهدر مواردها وقتل شعبها وتهجيره إلى أقاصي المعمورة.

منذ أن أطلق نظام الأسد النار الحي على المتظاهرين السلميين، دعمته إسرائيل، وأملت وفرضت على الإدارة الأميركية عدم التدخل لزحزحته  وإنهاء وجوده، إسرائيل مسؤولة عن الجرائم الكيماوية، ومناورات الأميركيين والروس بعدم التدخل، تمدّد داعش وراءها إسرائيل والنظام السوري وحلفاؤه، مجازر سوريا المتنقلة وآخرها مجزرة حلب، وراءها إسرائيل حامية هذا النظام، وما اللاعبون المحليون إلاّ أدوات، إمّا غافلة، أو مُستغفلة، أو الحالتين معاً.

يؤثر عن القائد نابليون بونابرت، أنّه كان عندما تُعييه الحيلة، في معرفة سبب بعض المصاعب، كان يقول:chercher la femme. أي إبحث عن المرأة، وعندما أعيتنا الحيلة، في معرفة ما أصابنا من كوارث ودواهٍ. ربما علينا أن نبحث عن إسرائيل، علينا أن نبحث عن الوجهة التي تشير لها الإصبع، لا أن نتلفت حوالينا.