إن محور الانحراف الخطير في الزيارت هو أن الزائر يتصور الحياة وإمكانية التصرف في عالم الشهود والدنيا للشخص المزور ، كما في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في جملة :"أشهد أنك تسمع كلامي وترد سلامي" . إلا أن هذا الاعتقاد مخالف للقرآن الكريم قطعا ،وقد أوصانا أهل البيت عليهم السلام بعرض رواياتهم على القرآن الكريم فما وافق القرآن فخذوا به وما خالفه فاضربوه عرض الجدار .

فهل يؤيد القرآن الكريم هذا المعتقد،أم لا ؟ لنرى ذلك ...

1_الآية الكريمة من سورة البقرة تتحدث عن واقعة أحد الأنبياء وهو(عزير) تقول{أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه القرية بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم}(البقرة : 259). فهنا نرى الآية الشريفة تصرح أن الله تعالى أمات عزيرا ثم لما بعثه سأله عن مدة لبثه فتصور أنه لم يلبث أكثر من نهار واحد أو أقل .وهذا يعني أنه لم يكن يعلم بما جرى له هذه المدة الطويلة رغم أنه نبي عظيم من أنبياء بني إسرائيل .

فكذلك الحال في الأئمة وأبناء الأئمة والشهداء الذين لا ينبغي الشك أنهم أحياء ولكن "عند ربهم يرزقون" ومقام العندية هذا لا يعني أنهم أحياء في الدنيا أو أن أرواحهم جالسة على قبورهم تسمع وترى الزائرين بل إنهم عند ربهم في جنات الخلد يرزقون، كما قالت الآية الكريمة على لسان آسية زوجة فرعون :{رب ابن لي عندك بيتا في الجنة}(التحريم : 11).

أو قوله تعالى :{في مقعد صدق عند مليك مقتدر} (القمر : 55). فمقام العندية يعني في الجنة فلا يعقل أن يعيش النبي أو الإمام في أعلى درجات النعيم الخالد متلذذا بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يدرك ما يعرضه عليه الزوار من حاجاتهم ويلبي لهم طلباتهم التي تثير الحزن والأسى في غالب الأحوال أو يدرك ما يجري على المؤمنين من بلايا ومحن ولا يقدر على رفعها عنهم وهل يعقل أن يدرك النبي الأكرم أو الإمام علي أو الزهراء ما جرى على الحسين وعلى أهله وأطفاله من مصائب وقتل وعطش ثم لا يحزنون له ولا يبكون من أجله ؟

فإذا قلنا بأنهم يحزنون على هذه المصائب كما نقرأ ونسمع من أهل المنبر مثل هذه المفاهيم الموهومة ،فهذا يتعارض مع قوله تعالى بأن هؤلاء الأولياء والشهداء{لا خوف عليهم ولا هم يخزنون}(يونس:62).

2_قوله تعالى في محادثته مع عيسى بن مريم :{وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم مافي نفسك إنك أنت علام الغيوب(116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد}(المائدة : 116_117).

وهذا يعني بصريح العبارة أن عيسى وهو من أنبياء أولي العزم لم يكن يعلم ما جرى على أتباعه بعد وفاته فليس هو المسؤول عن انحرافات قومه بعد وفاته لعدم علمه بهم ، والله تعالى هو الرقيب عليهم لا هو. ثم إننا لا نجد ولا آية واحدة تؤيد هذا المعنى الزائف الوارد في بعض الروايات والمترسخ في أذهان العوام حتى في أذهان الفقهاء التقليديين وأصحاب التشيع التقليدي المشغولين دوما بالدفاع عن هذه العقائد المنحرفة وحراسة التصورات المشوهة باسم الدفاع عن دين العوام من شبهات الوهابية ومنزلقات العلمانية . فلو كان لهذه المفردة المهمة من عقائد الشيعة أصل في الدين والوحي لأيدها القرآن الكريم بأكثر من آية من آياته الكريمة.