لقد كان للحديث الصادر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دوره العملي في التشريع ،ولولاه لفقدت الشريعة صفة الكمال والشمول والمرونة التي امتازت بها عن جميع الشرائع والتشريعات الوضعية . لكن هذه الأحاديث تعرضت للتحريف من قبل الفرق والقصاصين ،وأصحاب المصالح السياسية والتجارية ،وحتى من بعض المنحرفين في تشيعهم بالإضافة إلى العناصر المعادية لأهل البيت(عليهم السلام) التي كانت تضع أحاديث الغلو والمثالب لإيجاد فجوة بين الشيعة وجماهير المسلمين عن طريق تلك الأحاديث التي تسئ إلى سمعتهم ،لذلك وقف شيوخ الشيعة ضد المنحرفين عن التشيع وطرح مروياتهم ،بل تطوع فريق منهم إلى التأليف في أحوال الرواة ووضعوا أصول "علم الرجال والحديث" ليكون الباحث على بينة فيما يعود إلى الراوي والرواية ،فألف علي بن الحسن بن علي بن نضال ،وكان مرجعا في أحوال الرواة ومن الموثوقين في الجرح والتعديل ، كما ألف في الموضوع نفسه كل من الفضل بن شاذان ،ومحمد بن أحمد بن داود شيخ القميين في عصره ،ومحمد بن خالد البرقي ،ومحمد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعياشي وغير هؤلاء ،كما نص أصحاب الفهارس كالنجاشي والفهرست للطوسي ومنتهى المقال للمرزا محمد وغيرهم ،وقد أكد هذه الحقيقة الشيخ الطوسي في كتابه (العدة)،وجاء فيها أن الطائفة ميزت الرجال الناقلين لهذه الأخبار ووثقوا الثقات منهم وضعفوا الضعفاء ،وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين لا يعتمد عليه ، وصنفوا الممدوحين والمذمومين ، فقالوا : فلان متهم في حديثه وفلان كذاب أو مخالف في المذهب ، ونحو ذلك من الطعون التي تضع حدا بين من يجوز الاعتماد عليه ومن لا يجوز ، وتوالت بعد ذلك المؤلفات في علمي الرجال والدراية بشكل أوسع تناولت أصناف الحديث من حيث إرساله وتقطيعه وتعليله ونحو ذلك ، وأصبح من الميسور لكل من يريد أن يتحرى الأحاديث الصحيحة ويميز بينها وبين غيرها أن ينتهي لذلك . ولمعرفة ما هو الفرق بين علم الدراية وعلم الرجال ؟

نقول : أن علم الرجال يبحث فيه الرواة واحدا واحدا بشكل تفصيلي من حيث الجرح والتعديل ،بينما علم الدراية ،يبحث فيه عن الرواة إجمالا بأن يقال مثلا : رجال السند إن كانوا عدولا فالخبر صحيح. وبعبارة أخرى ،إن كلا من العلمين يبحث فيه عن السند ،لكن علم الرجال يبحث فيه عن السند بحثا صغرويا ،أي كل راو على حدة ، بخلاف الدراية الذي يبحث فيه عن السند بحثا كبرويا ،فنعرف صفة الخبر على حساب صفة الرواة بشكل عام.