حزب الله والتحديات المستقبليّة؟

يواجه حزب الله للمرة الأولى منذ تأسيسه في ثمانينات القرن الماضي حملة من قبل دول عربية لتصنيفه «تنظيماً إرهابياً»، مع الإشارة إلى أن الحزب سبق أن تعرض لحملات عديدة لوضعه على لوائح الإرهاب العالمية، سواء من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو الكيان الصهيوني أو بعض الدول الأخرى كبريطانيا وكندا ودول أوروبية.

والخطورة في مثل هذه الحملة انها تضع تنظيماً لبنانياً كان له دور أساسي في مقاومة الاحتلال الصهيوني في اطار «المنظمات الإرهابية»، لأن ذلك قد يؤدي إلى وضع تنظيمات أخرى في الإطار نفسه بحجج مختلفة كما يحصل مع حركة حماس التي وجّه إليها النظام في مصر تهمة المشاركة في عملية اغتيال المدعي العام السابق في مصر هشام بركات، مع ان الحركة نفت مثل هذه التهمة.

والعديد من القوى والحركات الإسلامية توصف بـ«الارهاب» من قبل بعض الدول العربية والغربية كما حصل مع الإخوان المسلمين في مصر بغض النظر عن صحة الاتهامات ومدى جدوى هذه الحملات.

فما هي الأسباب التي دفعت بعض الدول الخليجية والعربية إلى تصنيف حزب الله «منظمة إرهابية»؟ وكيف يمكن الحزب الرد على هذه الحملات؟ وما هي التحديات المستقبلية التي يواجهها الحزب بسبب هذه الحملات؟

أسباب الحملة على حزب الله

بداية ما هي الأسباب التي دفعت بعض الدول الخليجية والعربية إلى وضع حزب الله على لائحة الإرهاب؟ وما مدى صحة هذه الاتهامات؟

انطلقت بعض الدول الخليجية والعربية ولا سيما السعودية والبحرين في الحملة على حزب الله بسبب دوره المتصاعد في المنطقة، ولا سيما في سوريا والعراق والبحرين واليمن، اضافة الى اتهامه بالتدخل في بعض الدول الخليجية وتدريب وتسليح عناصر من هذه الدول، كما انها لم تميز بين دور حزب الله السياسي والشعبي في لبنان وبين اجنحته العسكرية، كما حاولت بعض الدول الاوروبية كبريطانيا مثلاً عندما اعتبرت الجناح العسكري الخارجي لحزب الله «إرهابياً» فيما ابقت على العلاقة السياسية مع الحزب.

وقد ردّ المسؤولون في حزب الله على الاتهامات التي وجهت إليهم، وشرح الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في آخر خطاباته دور الحزب في بعض الدول العربية والبوسنة، مؤكداً أن الحزب هو الذي «يواجه الإرهاب» في المنطقة وانه «يدافع عن مصالح العرب والمسلمين»، كما ان بعض الدول العربية والإسلامية والعديد من القوى والأحزاب العربية والإسلامية والفلسطينية رفضت الاتهامات لحزب الله بالإرهاب، مع ان معظم القيادات الإسلامية أبدت اعتراضها على دور الحزب في سوريا.

ومن الواضح ان تعاظم دور حزب الله الإقليمي والخارجي وتدخله بالقتال في سوريا واليمن والعراق، وقيامه بمهمات تدريبية في العديد من الدول العربية هو السبب الرئيسي وراء هذه الحملة، وكل ذلك ادى وسيؤدي إلى مناقشات عميقة حول هذا الدور وانعاكاساته على الحزب والوضع اللبناني وكل الأوضاع العربية والإسلامية، مع الاشارة إلى ان وضع اي تنظيم له دور في المقاومة على لوائح الارهاب سيعطي الكيان الصهيوني وأميركا وأي دولة عربية أو أجنبية الحق بمثل هذه التصنيفات، ما يعرض هذه القوى لحملات مشابهة.

المواجهة.. والتحديات المستقبلية

لكن كيف يمكن حزب الله وقوى المقاومة والحركات الاسلامية التعاطي مع مثل هذه الحملات؟ وأي رؤية مستقبلية يمكن ان ينتهجها الحزب مستقبلاً لمواجهة هذه التحديات؟

قد تكون الحملة الإعلامية والسياسية والشعبية المضادة لاتهام حزب الله أو بعض قوى المقاومة بالإرهاب ضرورية ومهمة، وتُسهم في إيجاد رأي عام شعبي رافض لمثل هذه التهم، لكن الاكتفاء بمثل هذه الردود لا يكفي لمواجهة مثل هذه الحملات، خصوصاً اذا تحولت إلى اجراءات قانونية أو عملية قد تطاول مناصري قوى المقاومة ومؤيديها، ومن هنا أهمية العمل من أجل مواجهة هذه الحملات بشكل معمق ومتكامل، سواء من خلال معالجة الأسباب العميقة لحصول هذه الحملات، أو عبر القيام بخطوات سياسية وقانونية ودبلوماسية لمنع تحول هذه الحملات إلى اجراءات قانونية وعملية.

ومن هنا أهمية اعادة دراسة الأسباب التي دفعت بعض الدول إلى توجيه الاتهام لحزب الله بكونه «منظمة ارهابية»، ومن أهم هذه الأسباب تزايد دور الحزب المباشر في الصراعات الجارية في دول المنطقة، بغض النظر عن الأسباب او الحجج التي يضعها قياديو الحزب لتبرير مثل هذه التدخلات، لذا إن الخطوة الأهم لمواجهة هذه الحملات العمل على معالجة هذه الصراعات والوصول الى حلول سياسية تنهي هذه المشكلات وتعود بالحزب إلى دوره المقاوم كأولوية، بدل الانخراط في الصراعات المـتأججة في المنطقة.

وبموازاة ذلك، ومع أهمية السجال الذي يخوضه قادة الحزب لتبرير تزايد دوره الاقليمي والخارجي، فإن حجم التحديات المتزايدة امام الحزب يستلزم مراجعة دوره الاقليمي والخارجي، مع الأخذ في الاعتبار الحسابات الداخلية والظروف السياسية المتسارعة، ما ينتزع الذرائع ممن يمارسون هذه الحملات، ويعيد للمقاومة دورها الأساسي في مواجهة العدوّ الصهيوني، ويفتح الطريق أمام تسويات سياسية توقف الصراعات القائمة في أكثر من دولة عربية.

 

مجلة الأمان