ما قبل 2 آذار، لم يعد ليصلح أن يكون كما بعد 2 آذار، فالجلسة التي شهدت للمرة الثانية غياب المرشحين وحضور النواب، دلّت على أنّ عدم استعجال حزب الله في انتخاب الرئيس لم يعد مجرد انتظار لتحسين الشروط، بل تكرّس سياسةً معتمَدة للتعطيل لا يعرف أحدٌ متى تنتهي، ويبدو أنّ الكلام الذي قاله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في ألمانيا أمام نوابٍ ألمان كان دقيقاً، إذ لمّح الى أنْ لا انتخابات رئاسية قريباً في لبنان. بعد 2 آذار بدأ جميع الأطراف مراجعة حساباتهم، وأوّلهم العماد ميشال عون الذي يراقب المشهد وهو في حال انتظار، قد يقطعها في 14 آذار المقبل حيث سيكون له موقف جديد ممّا يجري، خصوصاً من موقف حزب الله المنتظر خلف ترشيحه.

لم يعد الكلامُ عن موقف الحزب مجرّد هَمْس في الصالونات الضيقة، فالإشارات واضحة وتدلّ على أنّ حزب الله الذي دعم ترشيح عون، لم يقم بما عليه، لترجمة هذا الدعم بإيصاله الى قصر بعبدا. من هذه الإشارات التي يتوقف عندها بعض الأطراف استمرار النائب سليمان فرنجية في ترشيحه الذي يحتضنه كثيرون من حلفاء الحزب والنظام السوري.

وبما أنّ عون سريعُ الالتقاط في الموضوع الرئاسي، لم يخفَ عليه معنى استقبال النائب السابق فريد الخازن لفرنجية في شبه عراضة انتخابية سياسية، كذلك لم يخفَ عليه إطلاق العنان لتصريحات النائب عاصم قانصوه، ولا استقبال الأمير طلال ارسلان لفرنجية أمس، فكلّها مؤشرات تدل على أنّ حزب الله ترك لفرنجية ولحلفائه من قوى 8 آذار المناهضين لعون أن يقوموا بما عليهم، وأنّ الحزب لم يحاول التأثير في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، تاركاً اللعبة تأخذ مجراها.

ويُنقَل عن بعض قياديي «التيار الوطني الحر» استغرابهم موقفَ حزب الله الذي لم يبادر الى دعم عون كما يجب. وهذا الاستغراب مردّه الى التساؤل عن طبيعة موقف الحزب الحقيقي ممّا جرى في معراب، وتحديداً عن فتور الحزب تجاه هذا الإجماع المسيحي الذي حققته المصالحة، في وقتٍ كان الحزب كما غيره من القوى يجاهر بأنه فور اتفاق المسيحيين ستظهر الترجماتُ العملية لما اتفقوا عليه، هذا يعني باللغة العونية، أنّ قُطَباً مخفية لا تزال تتحكم بموقف بعض هذه الاطراف، لكنّ الفارق في ما بينها أنّ تيار «المستقبل» على سبيل المثال، جاهر برفض نتائج هذا الإجماع، فيما حزب الله بارك شكلاً، وامتنع عن القيام بما يُفترض القيام به، تجاه هذه المصالحة.

تمتدّ التساؤلات الى أكثر من ذلك وتصل الى حدِّ التشكيك برغبة حزب الله الوقوف الى جانب القوى المسيحية، وتفضيله البقاءَ على تفاهم مع مثلث القوى التقليدية القادرة على إنتاج السلطة القديمة ـ الجديدة (تيار»المستقبل»، حركة «أمل»، الحزب التقدمي الاشتراكي) واقتصاره على
استعمال التوافق المسيحي غطاءً لمشروعه، من دون أن يقدّم لهذا الغطاء الثمن الذي يستحقه.

أسئلة كثيرة باتت تُطرح في أروقة «التيار الوطني»، أولها سؤال يختصر كلّ الأسئلة: هل يريد حزب الله حقاً عون رئيساً أم لا؟ سؤالٌ يصرّ التيار على أنْ لا تطول الإجابة عنه، وأن يُحسم قبل الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، ولا يُتوقع أن يغيّب عون موقفه من هذا السؤال في ما سيقوله في 14 آذار، كونه المعني الأوّل بوفاء حلفائه والتزاماتهم الأخلاقية والسياسية، وذلك قبل موعد الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، التي يبدو أنها لن تختلف عن سابقاتها، فالمرشِحون مستمرون، ومرشحوهم مستمرون بترشيحهم، فيما الطرف المعطّل، يقف خلفَ اللاعبين، حاجباً مسؤوليته عن الفراغ، وتاركاً اللعبة تسير وفق إيقاع استمرار الأزمة، حتى نضوج التوقيت المناسب.