عندما سقط صدام حسين في بئر أمريكية  أصبح العراق حصّة سياسية من حصص ايران في منطقة نفوذها بتسهيل أميركي واضح وبصيغة دستورية أعطت رئيس الحكومة الشيعي كل الصلاحيات التي أوهنت من الشريك السُني وجعلته أسير شكوكه بغُبن أرسله الى التطرف الذي لا عودة عنه .

آنذاك , وفي اللحظة الراهنة من تاريخ العراق الشيعي على حساب سُني مفتوح على احتمالات كثيرة ذهب فريق من قيادات شيعية سرّاً أو بعلم القيادة الايرانية الى المملكة العربية السعودية وقال للقيادة الملكية : نحن شيعة عرب ونطمح لتعاطي عربي جدي مع العراق على ضوء المرحلة السياسية الجديدة والصيغة التي فصلها الأمريكيون للعراقيين وكان الكلام يستبطن تلميحاً هو أبلغ من التصريح المباشر ومضمونه أن شيعة العراق عرباً وليسوا فُرُساً .

آنذاك لم تهتم المملكة بشيعة العراق واعتبرتهم ايرانيين تابعين بإحسان الى ايران لذا لم تبذل المملكة ما من شأنه المساهمة في تعزيز عروبة العراقيين الشيعة الذين تربطهم بإيران ضرورات مذهبية وخصومات سياسية لا حصر لها وبقيت المملكة  على حال من التعاطي السلبي مع العراق الجديد في حين أنها بذلت ما في وسعها لعلاقات أكثر من جيدة مع عدوتها إيران باعتبارها الجارة الأقوى للخليج والمرجعية القائدة للشيعة في العالم وكان استقبالها للشيخ هاشمي رفسنجاني ومن ثمّ للحاج أحمدي نجاد في فترتيّ رئاستيّهما المتباعدة اهتماماً ملكياً بالغ الأهمية .

هذا التعاطي السعودي دفع بالشيعة العراقيين الى وضع العراق في السلّة الايرانية رغم الخصومة الكبيرة بينهم من ولاية الفقيه ووحدة المرجعية الايرانية الى كثير من السياسات المتصلة بمصالح العراق ودوره في المنطقة فلا حزب الدعوة المستفرد بالسلطة كان ايرانياً ولا العائلات الدينية من آل الحكيم وآل الصدر الى المرجعيات النجفية  من ورثة السيد الخوئي الى السيد السيستاني بوارد أن يكونوا إيرانيين بمعنى الانقياد لمرجعية الجمهورية الاسلامية الايرانية .

قديماً, بذل الفقيه الاستثنائي المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي جهداً كبيراً لتسوية خلافات الشيعة في البحرين والسعودية ورفض أن يكونوا الشيعة كانتون خاص في البلاد التي يتواجدون فيها ودعا دول الخليج الى تصحيح العلاقة مع الشيعة بإصلاح سياسي يشمل مشاركة الشيعة في المؤسسات كما أنه أوّل من قال أن اللبنانيين الشيعة في لبنان ليسوا ايرانيين وكان يخاطب بذلك العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي نافحت الدعوات الشيعية في المملكة والبحرين واعتبرت دعواتهم للاصلاح السياسي مؤامرة ايرانية للانقلاب على دول الخليج .

مع الربيع العربي بدت السعودية حريصة على الاصلاح في البنية السلطوية العربية وأيّدت الثورات ضدّ الرؤساء في حين أنها استثنت البحرين وأخرجته من الربيع العربي واعتبرته خريفاً ايرانياً ودخلت في شباك فعلي مع ايران في العراق وسورية والبحرين ومن ثمّ في اليمن مع تعاطي ناعم وخشن معها في لبنان وقد أخذ هذا الشباك طريق الحرب وببعد مذهبي  ضاعف من الانقسام المذهبي التاريخي بين المسلمين .

في لبنان لم يكونوا الشيعة ايرانيين بل ان هناك من قاتل ايران في لبنان ووقف بوجه التمدد الايراني وتاريخ الصراع بين حركة أمل وحزب الله واضح في هذا المجال ومع خروج النظام السوري من لبنان بقرار أميركي دفعت السعودية بممثلها في لبنان الى التعاطي مع حزب الله الايراني وشطب الرئيس نبيه بري الغير ايراني من المعادلة السياسية والكل يعلم ان جماعة 14آذار وعلى رأسهم تيّار المستقبل رفضت رئاسة نبيه بري للمجلس النيابي الاّ أن ايران رفضت عرض وسطاء المملكة وأكدوا على رئاسة الرئيس بري للمجلس .

بعيد اغتيال الرئيس الحريري وثورة الأرز قامت نُخب شيعية ولاقت المملكة في مشروعها العربي وان بطريقة غير مباشرة من خلال القول بأن الطائفة الشيعية في لبنان غير مصادرة من قبل ايران وأن لبنانية الطائفة وعروبتها ديدن الشيعة في لحظة حرجة مُكلفة وكان تقدير المملكة حصر التعاطي الشيعي مع المرجعية الايرانية وقام تيّار المستقبل بوأد المولودة الشيعية العربية وأكمل دور السعودية في تسخيف الجو الشيعي غير الايراني بعدم اهتمام وبحرص شديد على ارضاء ايران في حزبها طيلة الحكومات المشتركة .

الآن وبعد أن بلغ السيل الايراني الجبل السعودي وانكشف حجم الخصومة بين الدولتين لم تجد السعودية شيعياً واحداً يقف معها في حربها الضروس مع ايران كما أن تيّار المستقبل العجيب لن يجد في لبنان شيعة لطالما اتُهموا بالارتباط به وبالعمالة للمملكة العربية يؤيدون مشروعه الوطني في الشكل , الطائفي في المضمون , وعليه أن يتحمل نتيجة ايصال الطائفة الشيعية بكاملها الى أن تكون ايرانية هو والمملكة التي ستعاني كثيراً من عصبية شيعية غذت عناصرها أدوار المملكة السلبية ولم تتعظ من مواعظ من دعاها الى التفكر بعقل معتدل لا متطرف وطلب منها اعادة النظر في سياسات خاسرة لا صالح لها بها على الاطلاق .