أبرز ما انتهى اليه «لقاء الإثنين» في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري هو الإتفاق على استمرار الحوار الثنائي بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، في ظل استمرار الحوار الآخر بين قادة الكتل النيابية، وكلا الحوارين يديرهما بري ويرعاهما. فالبديل من الحوار في بلد يتآكله الفراغ والتعطيل والتوتر والتشنج الطائفي والمذهبي سيكون حتماً « حوار الشارع» الذي لا ينجم منه إلّا إضطراب الأمن والإستقرار…كان من الضروري جداً أن ينعقد اللقاء بين بري والحريري، فالبلاد دخلت منذ أكثر من أسبوع في مرحلة محفوفة بالمخاطر مشفوعة باحتقان سياسي ومذهبي شديد تسببت به المضاعفات التي نجمت من قرار المملكة العربية السعودية بوقف هبة الاربعة مليارات من الدولارات التي كانت قدّمتها للجيش والقوى الامنية اللبنانية، وكان من هذه المضاعفات تهديد الحوار الثنائي بين «حزب الله» وتيار المستقبل بالتوقف أو التعليق حتى إشعار آخر، وذلك على وقع ردود الفعل الداخلية المتناقضة حول القرار السعودي والتي ارتفعت معها سقوف الخطاب السياسي هنا وهناك، متزامنة مع توترات وحوادث أمنية راحت تنذر بقرنها في هذه المنطقة وتلك.

فعلى أثر إعلان القرار السعودي بوقف الهبة للبنان والذي تم تبريره بما تتعرض له المملكة من إنتقادات وحملات سياسية على يد «حزب الله»، ارتفعت اصوات في تيار «المستقبل» على المستوى النيابي تدافع عن السعودية وتهاجم «الحزب» وتدعو الى توقف الحوار معه،

وبلغت ذروة التوتر والتصعيد على «الضفتين» قبيل ساعات من الجولة الحوارية التي انعقدت بين الجانبين الاسبوع الماضي في عين التينة أثناء وجود بري في بروكسل، إذ بلغه هناك ان هذه الجولة لن تنعقد فكان ان جرت اتصالات عاجلة بينه وبين الحريري انقذت هذا الحوار من الإلغاء،

أو التعليق على الأقل، واكتُفي بأن يقتصر الحضور فيها على السيد نادر الحريري مدير مكتب الحريري والحاج حسين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والوزير علي حسن خليل المعاون السياسي لبري. كذلك اتفق بري مع الحريري على ان يكون للبحث صلة بينهما بعد عودته من بروكسل.

تزامنت عودة بري مع حراك عنيف في الشارع نجم من «الفيديو» الذي بثته محطة «ام. بي. سي» السعودية وتناول السيد نصرالله، وجاء بعد وثائقي «حكاية حسن» الذي بثته قناة « العربية» السعودية أيضاً، وتناول الأمين العام لحزب الله ايضاَ، ولكنه لم يلقَ أي رد فعل لدى جمهور «الحزب» وبيئته. علماً ان تحركات وحوادث كانت حصلت في منطقة السعديات وغيرها ذهب البعض الى اعتبارها من مضاعفات القرار السعودي.

ولكن اللافت في ما حصل في الشارع، وتحديداً في بعض شوارع بيروت وضواحيها أن المعنيين من قوى سياسية وأمنية رصدوا اندساس اشخاص في مجمل هذه التحركات عملوا على تأجيج الوضع والقيام بأعمال عنف وشغب كادت ان تتسبب بفتنة، خصوصاً ان البعض راح يتناول الخلفاء الراشدين.

ما انتهى اليه اللقاء بين بري والحريري كان اتفاقاً بينهما وبما يمثلان على الاستمرار في الحوار بشقّيه الثنائي بين «المستقبل» و»حزب الله»، والنيابي بين رؤساء الكتل النيابية، وقد صارح بري الحريري بأن «لا خيار لنا الّا الإستمرار في الحوار، وان البديل من الحوار هو انفلات الشارع كما حصل، وربما اكثر، الامر الذي يتسبب بفتنة، كذلك فإنه في ظل الشغور الرئاسي وتعطيل التشريع في مجلس النواب، وكذلك تعطيل عمل الحكومة لا خيار للوصول الى حلول الّا بالحوار حتى وإن تأخر في تحقيق النتائج العملية والسريعة».

ولم يغب الاستحقاق الرئاسي عن البحث بين بري والحريري، إذ شكّل طبقاً من الأطباق الرئيسية على طاولة العشاء السياسي بينهما، وفي هذا الإطار دار الحديث حول ما آل اليه مصيرهذا الاستحقاق حتى الآن في ضوء المبادرات المطروحة وما احتوته من ترشيحات، وصولاً الى ما يمكن ان يكون عليه مصير جلسة الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم والتي تحمل الرقم 36، وكان هناك توافق على اهمية التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية لما يفتحه من آفاق لحل الازمة اللبنانية.

وفي هذا السياق يعتبر بري «ان ثمرة الاستحقاق الرئاسي قد نضجت وينبغي ان يتم قطافها لأنها اذا لم تقطف ستقع على الارض»، ولذلك فإنه يعول على الاتصالات والمشاورات الجارية في مختلف الاتجاهات علّها تتوصل في لحظة ما الى نتائج عملية.

ومن المرجح ان يتجه بري الى تفعيل طاولتي الحوار الثنائي والنيابي في ضوء التطورات الجارية، على ان تبقى الاولوية في الحوارين لبند رئاسة الجمهورية، بحيث يواكبان بالبحث كل ما يجري سياسياً وامنياً، خصوصاً ان البلاد مقبلة في ايار المقبل على استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية والتي تنقسم التوقعات في شأنها بين متفائل بإجرائها، خصوصاً ان وزارة الداخلية قد انجزت تقريبا كل الترتيبات اللازمة لها، وبين متشائم يعزو تشاؤمه الى ان بعض القوى السياسية البارزة غير متحمسة لخوضها في الظروف الراهنة في ضوء انعكاسات ما يجري في المنطقة وتداعياته على الاوضاع اللبنانية عموماً.

ولم يغب القرار السعودي بوقف الهبة للجيش والقوى الأمنية عن اللقاء، وفي هذا السياق اعاد بري على مسامع الحريري تكرار تأكيد الموقف الذي اعلنه امام البرلمانين الأوروبي والبلجيكي وقال فيه: شكراً للسعودية على هذه الهبة، شكراً لها عشرين مرة، فالعروبة هي التي تجمعنا بالسعودية، وهذه العروبة هي التي ستدفعها الى العودة عن قرارها بوقف الهبة».

وقد ظلّل البحث في هذا الإجراء السعودي وأبعاده وخلفياته مناخ يشير الى ان القيادة السعودية قد تعود عن قرارها في لحظة ما، لأنه بدأ يتبيّن ان وقف الهبة سيضرّ بلبنان وجيشه وقواه الأمنية في هذه المرحلة الدقيقة، ولأن هذه الهبة كانت منذ بدء تنفيذها صفقات تسليح مع الجانبين الفرنسي والأميركي ترتب مسؤوليات على دول وشركات لم يعد في الإمكان التراجع عنها، وكذلك لا يمكن الرياض الّا ان تفي بالتزاماتها تجاهها بموجب الهبة، خصوصاً لجهة الاسلحة والعتاد المتنوع الذي ستؤمنه هذه الدول للبنان وفق جداول زمنية تم الاتفاق عليها مع الجيش والقوى الامنية اللبنانية.

واللافت ان بري تلقى أمس اتصالاً من السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري يهنئه فيه على موقفه من السعودية امام البرمان الاوروبي، ويتفق معه على لقاء قريب بينهما. علماً ان لدى بري دعوة لزيارة السعودية كان تلقّاها قبل أشهر، ولكنه وعد بتلبيتها في الوقت الذي يراه مناسباً.