بغض النظر عن المضاعفات وردود الفعل التي أثارها القرار السعودي بوقف هبة الأربعة مليارات المقدّمة للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، فإن البعض راح ينسج سيناريوهات حول مصير حكومة الرئيس تمام سلام تصبّ في خط التشاؤم. يقول قطب سياسي إن البعض اعتقد أنه تحت جنح تفاعلات ومضاعفات قضية وقف الهبة السعودية معطوفاً عليها أزمة النفايات التي تستمر مع التفاعل وتتزايد روائح الفضائح والفساد منها، يمكن خلق جو من الضغوط بما يدفع رئيس الحكومة تمام سلام الى الإستقالة ما يدخل البلاد في فراغ كامل، بحيث تصبح بلا سلطة تنفيذية، ما يفرض على الجميع التداعي للنزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية كخطوة لا بدّ منها لإعادة تكوين السلطة.

وظن البعض أن استقالة وزير العدل أشرف ريفي ربما تكون «أول الغيث» على طريق استقالة الحكومة، بغض النظر عن الأسباب التي ساقها الرجل لتقديم استقالته الى رئيس الحكومة، لكن لن يطول الوقت حتى تنكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة وزير العدل وهي تتجاوز في جانب منها تلك الأسباب المعلنة للإستقالة الى مسائل تتصل بواقع الفريق السياسي الذي ينتمي اليه ريفي وما يتخذه من خيارات سياسية على مستويات عدة.

ويسخر القطب السياسي من الكلام حول احتمال استقالة الحكومة لأنه يعتقد جازماً أن فريق الأكثرية الحكومية لا مصلحة له بهذه الإستقالة، خصوصاً اذا أدرك أن هذه الحكومة باتت تشكل «خط الدفاع الأخير» عن «إتفاق الطائف» الذي يرفع هذا الفريق لواءه ويتهم الآخرين بالسعي لإسقاطه والذهاب الى «مؤتمر تأسيسي» يفضي الى نظام سياسي جديد للبنان.

وفي رأي هذا القطب أن فريق 14 آذار يحاول في هذه المرحلة، ومن خلال ردود فعله على وقف الهبة السعودية، أن يستعيد زمام المبادرة داخلياً في ضوء ما يواجه من استحقاقات وأقربها الإنتخابات البلدية، لشعوره باختلال توازن القوى بينه وبين الفريق الآخر، والإيحاء لحلفائه الإقليميين بأن حضورهم في لبنان قائم وفاعل على عكس ما يظنون، ولذلك فإنه يتجه الى مزيد من التصعيد السياسي داخلياً في وجه الفريق الآخر،

وعلى رأسه «حزب الله»، لكن هذا التصعيد قد لا يفيد كثيراً في المحاولة لتغيير المعادلة الداخلية، لأن الواقع الإقليمي المتحرك يومياً لم يُبقِ لكثير من الدول القريبة والبعيدة تلك الأدوار المؤثرة التي كانت لها سابقاً، إذ إن المنطقة تتجه الى نظام جديد سترسمه التسويات التي تطبخ للأزمات الإقليمية.

ويرى القطب نفسه أنه على رغم كل ما جرى ما يزال لدى تيار «المستقبل» و«حزب الله» حرص على استمرار الحوار بينهما، الى جانب حرص رؤساء الكتل النيابية على الحوار بينهم برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وإدارته. لكن البعض يتخوف من احتمال إقدام تيار «المستقبل» على تعليق الحوار مع الحزب حتى إشعار آخر في حال استمرارالتشنج والإحتدام الداخلي السائد والذي تفاقم بعد القرار السعودي الأخير.

اما في ما يتعلق بالإستحقاق الرئاسي الذي بات محكوماً بترشيحَي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، فإن ما حصل سيؤخّر إنجازه الى فترة إضافية لا يمكن أحد التكهن بمداها، أولاً لأن التوافق الداخلي المطلوب ليس على أحد المرشحين فقط، وإنما أيضاً على خوضه بتنافس ديموقراطي لم يحصل حتى الآن، وثانياً لأن التوافق الإقليمي عليه لم يحصل أيضاً، فيما الوضع في المنطقة يشير الى أن هذا التوافق ما زال بعيد المنال.