محاولات لإسترضاء السعودية , وحملة  (شحاذة وتسكع على أبواب الملوك ) , ولبنان في حالة هرج ومرج سياسي

 

السفير :

ترتفع السقوف السياسية، ويكاد التهويل من هنا وهناك يشعر اللبنانيين أن بلدهم قد يسقط بين لحظة وأخرى، لكن الإرادة الدولية والإقليمية والداخلية لا تشي حتى الآن، برغم بعض المؤشرات المقلقة، بوجود أي مصلحة خارجية أو داخلية في هز الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
يستقيل الوزير أشرف ريفي، بعد شهر وعشرة أيام من اجتماع القاهرة الوزاري، احتجاجا، ويلمح وزراء آخرون إلى أن كل الخيارات مطروحة، بما فيها إطاحة الحكومة، لكن الواقعية السياسية اللبنانية، وهي نعمة بامتياز، تجعل الحكومة «ممسوكة» ولا يتجرأ أحد على التفريط بها، نتيجة التوازنات الدقيقة التي لا تسمح لأحد بأن يغامر أبعد من الواقع السياسي الحالي، مخافة المجهول أو المحظور..
ولا مبالغة في القول إن جلسة الحكومة، أمس، كانت جلسة سياسية أعادت الاعتبار إلى النقاش السياسي الداخلي تحت سقف المصلحة الوطنية العليا أولا، وتفهم الحساسيات العربية ثانيا، وبالتالي، أعطت زخماً للحكومة، في انتظار تلمس كيفية تقبل القيادة السعودية للبيان الصادر عن مجلس الوزراء.
في هذا السياق، يفترض أن يشكل تحديد مواعيد لزيارات رئيس الحكومة تمام سلام، على رأس وفد وزاري، إلى السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، أول إشارة إيجابية، على أن يشكل برنامج الزيارات، وخصوصا للسعودية، وما سيصدر عندها، الاختبار لمدى التجاوب الملكي السعودي مع موقف حكومة لبنان ونداء رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري وعريضته.. ولو غلب عليها الطابع الاستعراضي!
وإذا كان تقييم كل من فريقي «8 آذار» و «14 آذار» قد جاء إيجابياً لما صدر عن الحكومة، فإن السؤال المطروح: هل يعتبر كافياً بالنظر لما كان ينتظره السعوديون، أم ينبغي أن يكون وقعه «أقوى»؟
وفق مصدر قريب من القرار السعودي، يعتبر البيان اللبناني «غير كاف». لماذا؟
يقول أحد الوزراء إن مسودة أولية للبيان الحكومي كان قد تم تبادلها بين بيروت والرياض، وتمت «مباركتها»، غير أن المفاجأة تمثلت في صعوبة «تسويقها» في مجلس الوزراء، ذلك أن المناخ الذي كان قد تفاهم عليه الثلاثي نبيه بري (قبيل سفره إلى أوروبا) وتمام سلام ووليد جنبلاط، كان يؤشر إلى ضرورة لمّ شمل الحكومة وإعادة تزخيمها وتمرير صيغة تحظى بإجماع كل المكوّنات الحكومية.
وعلى أساس ذلك، دخل الوزراء إلى الجلسة، ليتبين لمعظمهم، وهم كانوا في حكم المتفرجين، أن تمرير الصيغة التي وزعتها عليهم الأمانة العامة لمجلس الوزراء، دونه محاذير، خصوصا من جانب «حزب الله» الذي كان حريصا، بالتكافل مع حركة «أمل»، على التدقيق في أدق التفاصيل والعبارات الواردة في البيان.
وعلى مدى سبع ساعات تقريبا، ظل «الخط الساخن» مفتوحا بين المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين الخليل من مكتبه في حارة حريك، والخلية الوزارية التي انعقدت على هامش الجلسة الحكومية وضمت إلى رئيس الحكومة، وزير الداخلية نهاد المشنوق، وزير الدولة محمد فنيش، وزير الصحة وائل أبو فاعور ووزير المال علي حسن خليل الذي كان يتولى معظم الصياغات بعد التفاهم عليها مع المعنيين، وخصوصا «حزب الله».
ولوحظ أنه بالتزامن مع «الخط الساخن» بين حارة حريك و «السرايا الكبيرة»، فتحت الخطوط أيضا بين «السرايا» و «بيت الوسط»، وبين «السرايا» وكليمنصو، فكان أن صدر البيان بالإجماع ومن دون اعتراض أو تحفظ أي من مكونات الحكومة على أي فقرة من الفقرات الخمس.
في الفقرة الأولى، تمسك «حزب الله» بإضافة تعديلين، الأول، هو «بما يصون الوحدة الوطنية اللبنانية»، والثاني، «في القضايا المشتركة»، أي أن ركيزة الوقوف الى جانب العرب هي الوحدة الوطنية اللبنانية، كما أن الإجماع العربي مرهون بالقضايا المشتركة.
وأصبحت الفقرة الأولى كالآتي:
«أولا، انطلاقا من نص الدستور القائل إنّ لبنان عربي الهويّة والانتماء، وعضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزمٌ مواثيقها، وانطلاقاً من العلاقات الأخويّة التاريخيّة التي تربطه بالإخوة العرب، ومن الحرص على المصلحة العليا للجمهورية اللبنانية (بما يصون الوحدة الوطنية اللبنانية)؛ فإنّنا نؤكد وقوفنا الدائم الى جانب إخواننا العرب، وتمسّكنا بالإجماع العربيّ (في القضايا المشتركة) الذي حرص عليه لبنان دائماً».
في الفقرة الثانية، تضمن النص الأخير الآتي:
«ثانيا، إنّ مجلس الوزراء يجدّد تمسكه بما ورد في البيان الوزاري لحكومة «المصلحة الوطنية» من أن علينا، في هذه الأوقات العصيبة التي تمرّ بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصّن بلدنا تجاه الأزمات المجاورة ولا نعرّض سِلمَه الأهلي وأمانَهُ ولقمة عيش أبنائه للخطر».
وكانت قد تضمنت هذه الفقرة جزءا ثانيا مكملا لها أصر «حزب الله» بالتنسيق مع باقي مكونات «8 آذار»، على «نسفها» وحذفها نهائيا، وكانت تتضمن الآتي: «ان هذه السياسة (النأي بالنفس)، لا تعني النأي بلبنان عن أشقائه العرب والتنكر لهم ولموجبات الأخوة وللمسار التاريخي للعلاقات بين لبنان والدول العربية وخصوصا المملكة العربية السعودية التي ما قصرت يوما في حق لبنان وما بادرته على مدى تاريخه إلا بجميع أنواع الدعم والمساندة وبكل ما يحقق له الخير ويخدم أمنه واستقراره ووحدة أبنائه وسيادته على أراضيه».
في الفقرة الثالثة، أصر «حزب الله» على إضافة عبارة «والدول الشقيقة والصديقة»، استكمالاً للإشادة بدور السعودية، فأصبحت بصيغتها النهائية كالآتي:
«ثالثاً: إنّ لبنان لن ينسى للمملكة رعاية مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، ومساهمتَها الكبيرة في عملية إعمار ما هدمته الحرب، ودعمَها الدائم في أوقات السلم لمؤسساته النقديّة والاقتصادية والعسكرية والأمنية. كما لن ينسى أنّ المملكة، وباقي دول الخليج العربي (والدول الشقيقة والصديقة)، احتضنت ولا تزال مئات الآلاف من اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، الذين يساهمون بجهودهم في نهضة هذه المنطقة العزيزة من عالمنا العربي وينعمون بالأمان والاستقرار في ربوعها».

النهار :

اذا كانت عبارة "تمسكنا بالاجماع العربي في القضايا المشتركة الذي حرص عليه لبنان دائما" استلزمت سبع ساعات من العصف الفكري والمناورات الكلامية وشد الحبال في الجلسة الماراتونية الاستثنائية لمجلس الوزراء، فلا موجب تالياً للتساؤل عن اطلاق "المشاغبة" المبكرة التي تلت الجلسة بعد أقل من نصف ساعة من ارفضاضها واعلان مقرراتها. لكن الهم الأساسي الذي شغل الرسميين والمعنيين بعد التسوية التي آلت اليها الجلسة يتمثل في ما اذا كانت عملية التصويب القيصرية للموقف اللبناني الرسمي ستجدي نفعاً وتحدث أثراً فعالاً في اعادة احتواء الغضبة الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً واطلاق اجراءات اعادة بناء الثقة في العلاقات اللبنانية – السعودية التي تعتبر مفتاح التنقية في علاقات لبنان مع سائر دول الخليج العربي. ويبدو من المعطيات الأولية المتوافرة ان نسائم ايجابية قد تكون الجلسة فتحت الباب أمام نفاذها الى هذه الأزمة وهو ما ستظهره الجهود التي سيتولاها رئيس الوزراء تمّام سلام في المرحلة المقبلة.
تداعيات عاصفة الاجراءات السعودية حيال لبنان اتخذت أمس منحى شديد الحساسية وسط صورتي مجلس الوزراء السعودي الذي أكد الاجراءات التي اعلنت قبل أيام بوقف المساعدات للجيش وقوى الأمن الداخلي "في ظل مصادرة ما يسمى "حزب الله" اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي"، ومجلس الوزراء اللبناني الذي انعقد لاصدار موقف يصوب الخلل. لكن مجلس الوزراء السعودي قرن موقفه بتأكيده "وقوف المملكة إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكل طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني الشقيق"
وقدّر المجلس "المواقف التي صدرت من بعض المسؤولين والشخصيات اللبنانية بمن فيهم دولة رئيس الوزراء السيد تمام سلام، وعبّروا من خلالها عن تضامنهم مع المملكة". وبدا هذا الموقف السعودي بمثابة حافز اضافي للحكومة ورئيسها للخروج بالموقف الأكثر تعبيراً عن تمسك لبنان بالاجماع العربي وبالعلاقات الراسخة مع السعودية فتحولت الجلسة حلبة لاحدى أطول المماحكات الصعبة لدى مناقشة مسودة مشروع البيان المطروح.

بين بيروت والرياض
وقد علمت "النهار" ان البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء بالاجماع حظي برضى السعودية مما يؤشر حسب مصادر وزارية لبدء مرحلة طيّ الازمة التي بدأت بقرار الرياض وقف تنفيذ هبتيّ الثلاثة مليارت دولار للجيش والمليار دولار للجيش والقوى الامنية.وقالت هذه المصادر أن قرار مجلس الوزراء ما كان ليصدر لو لم يضمن الرئيس سلام أنه سيلقى قبولاً سعودياً. وأوضحت أن الممهدات للجلسة دلّت على أن أياً من مكونات الحكومة لا يريد التصعيد بدليل ما صدر عن إجتماع 14 آذار مساء أول من أمس في "بيت الوسط" والدعوة الى عقد جلسة الحكومة التي ما كانت لتوجّه الى إنعقادها لو لم يتم التاكد من ضمان نتائجها. وأفادت أن أجواء الجلسة كانت هادئة ولو شهدت مماحكات وأدلى كل طرف برأيه تحت سقف صدور قرار بالاجماع مما عكس وجود قرار كبير بعدم إسقاط الحكومة لإن لا إمكان لإجراء إنتخابات رئاسية قريباً. وأشارت الى أن إتصالات خارجية واسعة جرت مع بيروت والرياض هدفت الى تبيان واقع لبنان مع التأكيد أن هناك 17 مكوّنا لبنانياً ولا يمكن التعامل معها إنطلاقاً من مواقف مكوّن واحد لا يمثل في الأساس الفئة المذهبية التي ينتمي اليها. وأوضحت ان هذه المناخات يجب ترجمتها في رحلة الرئيس سلام الى الرياض وعدد من العواصم الخليجية والتي يريد رئيس الوزراء أن تكون مضمونة النتائج قبل القيام بها. وقالت ان من نتائج جلسة مجلس الوزراء تراجع الرئيس سعد الحريري عن إتخاذ موقف متشدد من الحكومة بعدما صدر القرار الذي صدر عنها.

 

وثيقة الحريري
لكن الحريري مضى في خطوة أخرى اتخذت دلالات باطلاقه من "بيت الوسط" عقب الجلسة ووسط حضور سياسي كثيف "وثيقة الوفاء للمملكة العربية السعودية والتضامن مع الاجماع العربي"، مناشداً العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز "عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه".
وعلمت "النهار" ان وفوداً من اتجاهات مختلفة ستزور السفارة السعودية اليوم تعبيراً عن التضامن مع المملكة.

القرار
وفي وقائع الجلسة الطويلة أن الرئيس سلام أعد مسودة القرار التي خضعت للمراجعة التي تولتها لجنة صياغة ضمت الوزراء: علي حسن خليل وحسين الحاج حسن ووائل ابو فاعور. وشهدت مرحلة الصياغة مداخلة لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قارب عبارة "الاجماع العربي" بطريقة جرى تعديلها في القرار النهائي. وحين رأى المشنوق ان ثمة اتجاهاً الى اعطاء حق "الفيتو " على تعابير معينة انسحب من الجلسة معترضاً وتدخل الرئيس سلام كما علم ان الرئيس الحريري تدخل بدوره عبر اتصالات وحصل تعديل في الصيغة وافق عليه المشنوق وعاد الى الجلسة.
وشهدت الجلسة سلسلة مداخلات إفتتحها الرئيس سلام بالتشديد على العلاقات مع السعودية والاجماع العربي.ثم كانت مداخلة للوزير الحاج حسن قال فيها إنه صار شخصياً في حاجة الى تأشيرة دخول للوصول الى مجلس الوزراء ما دام "حزب الله" قد صنف "جالية إيرانية"، فجاء أكثر من توضيح أن هذا الامر الذي نسب الى النائب وليد جنبلاط نفى نفياً قاطعاً. وهاجم الحاج حسن سياسة السعودية في اليمن والبحرين. ثم تحدث وزير الاقتصاد ألان حكيم فعرض نصاً للرئيس الايراني حسن روحاني يندّد بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران. بعد ذلك قال وزير شؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج ان تحويلات المغتربين سنوياً تقارب سبعة مليارات ونصف مليار دولار منها ستة مليارات من الخليج. ودعا وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الى إعتماد اللغة التي يعتمدها فريقا "المستقبل" و"حزب الله" في الحوار الثنائي على رغم الاختلاف في وجهات النظر في ما بينهما. وحذّر الوزير نهاد المشنوق من تداعيات ما بعد قرار وقف الهبتيّن من السعودية. وخاطب الوزير ابو فاعور زميله الحاج حسن سائلاً عن موقف "حزب الله" من الأكثرية المضطهدة في سوريا إسوة بموقف الحزب من الأكثرية في البحريّن؟ وأبدى وزير الخارجية جبران باسيل عدم إعتراضه على صدور قرار يوضح ان لبنان لم يكن ضد التنديد بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران.

 

المستقبل :

استفاق لبنان الرسمي أمس من كبوته التي أوقعته بها ديبلوماسية «الخارجية» والاغتراب عن جذوره العربية المتأصلّة في النصوص والنفوس والراسخة عميقاً في صلب الانتماء العروبي للوطن، فتداعى أمس عبر اجتماع طارئ لمجلس الوزراء إلى تجديد التمسك بالهوية العربية وبالإجماع العربي تبديداً لأي لُبس أو سوء تقدير ناتج عن موقف «النأي بالنفس» المُتخذ من قِبل الوزير جبران باسيل في كل من مؤتمري القاهرة العربي وجدّة الإسلامي. وإذ أكد المجلس باسم كل لبنان أنّه «لن ينسى المملكة» ودعمها التاريخي له، شدد في الوقت عينه على ضرورة «إزالة أي شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة»، متمنياً على رئيس الحكومة تمام سلام «إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لهذه الغاية». وبالتزامن، بادر الرئيس سعد الحريري إلى تنظيم لقاء «الوفاء للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي» في بيت الوسط حيث دافع عن عروبة لبنان بوصفها «هويتنا وقدرنا ومصيرنا»، مطلقاً في ختام اللقاء «وثيقة التضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية الشقيقة، لتكون مدخلاً نحو تصحيح دور لبنان وحماية انتمائه العربي».
الحريري، وفي كلمة ألقاها للمناسبة واستهلها بالتشديد على كون «الوفاء للمملكة يعني الوفاء للبنان»، نبّه إلى أنّ «خروج الديبلوماسية اللبنانية عن الإجماع العربي خطيئة، وخروج البعض عن حدود الأخلاق والمصلحة الوطنية في مخاطبة الدول الشقيقة جريمة سياسية بحق الدولة ومصالح اللبنانيين»، وجزم في المقابل بأنّ «أحداً لن يتمكن من إلغاء عروبة لبنان» وبأنّ مؤسسات الدولة «ليست محميات للسياسات الإيرانية في المنطقة»، متوجهاً إلى القيادة السعودية وقادة الخليج العربي بالقول: «إن الأصوات الشاذة التي تتهجم عليكم لا تنطق باسم لبنان ولا تمثل اللبنانيين، هي أصوات من انقلب على العروبة ومن خرج على الإجماع الوطني ولن نعطيها فرصة الاستيلاء على الجمهورية اللبنانية مهما بلغت التحديات».
وبعد أن ناشد باسم اللبنانيين الشرفاء والأحرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه»، دعا الحريري كل اللبنانيين المقيمين والمغتربين من كل المناطق والطوائف إلى التوقيع على وثيقة «التضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية الشقيقة» وكان أول الموقعين على نصها الذي يؤكد في أبرز نقاطه على «التزام لبنان، شعباً ودولة، موجبات الإجماع العربي ورفض الحملات المشوهة لصورته والمسيئة لعلاقاته الأخوية مع المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية». 
ومساءً، زار الحريري الرئيس ميشال سليمان في منزله في اليرزة حيث ذكّر، قبيل مشاركته في مأدبة العشاء التي أقامها سليمان على شرف عدد من القيادات والشخصيات الوطنية، بأنّ المرحلة الصعبة التي يمر بها البلد مردّها بشكل أساس الى عدم وجود رئيس للجمهورية بما يحول دون انتظام الحياة الدستورية والمؤسساتية في الدولة، مشيداً في الوقت عينه بالجهد الكبير الذي بذله رئيس الحكومة خلال جلسة مجلس الوزراء أمس. وكذلك شدد سليمان على أنّ «الإرباك الحاصل في السياسة الخارجية عائد أساساً لعدم وجود رئيس جمهورية»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «الهبة السعودية ستعود عاجلاً أم آجلاً وتُمنح للجيش».
مجلس الوزراء
بالعودة إلى الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء، فقد تلا رئيس المجلس بياناً صادراً «بإجماع أعضائه» توكيداً على أنه «انطلاقاً من نص الدستور القائل إن لبنان عربي الهوية والانتماء، وعضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، وانطلاقاً من العلاقات الأخوية التاريخية التي تربطه بالأخوة العرب ومن الحرص على المصلحة العليا للجمهورية اللبنانية بما يصون الوحدة الوطنية اللبنانية، فإننا نؤكد وقوفنا الدائم الى جانب إخواننا العرب، وتمسكنا بالإجماع العربي في القضايا المشتركة الذي حرص عليه لبنان دائماً». وبعد الانتهاء من تلاوة نص البيان جدد سلام رداً على أسئلة الصحافيين موقف لبنان الدائم في إبداء «أشد الإدانة والاستنكار» للاعتداءات التي تعرضت لها البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران. 
وأوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ «نقاشاً ماراتونياً سُجل خلال الجلسة بعدما استهلها رئيس الحكومة بطرح مشروع مسودة بيان إزاء المستجدات التي حصلت على مستوى العلاقة مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية»، مشيرةً إلى أنّ «وزيري «حزب الله» سرعان ما حاولا ربط الموضوع بأبعاد إقليمية متصلة بالحرب في سوريا واليمن غير أنّ عدداً من الوزراء قطعوا الطريق على هذه المحاولة من بينهم الوزير نبيل دي فريج الذي سأل: «شو خصنا بالحرب اليمنية والسورية؟ مجلس الوزراء هو مجلس لبناني يجتمع للبحث في مصالح اللبنانيين وللدفاع عن مصالح لبنان وعلاقاته مع العرب». 
وإثر انقضاء ساعات من النقاش تخللتها حلقات جانبية من المشاورات والاتصالات على أكثر من خط شملت تواصل الوزير علي حسن خليل بشكل مستمر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزراء «المستقبل» مع الرئيس الحريري، ووزيري «حزب الله» مع قيادة الحزب، تم التوصل إلى صيغة البيان الصادر بإجماع أعضاء الحكومة بعدما تم تذليل مختلف العقبات السياسية سيما منها المتصلة بمحاولة «حزب الله» الالتفاف على فقرة التمسك بالإجماع العربي وإضعاف مضمونها تحت ذريعة حماية «الوحدة الوطنية».

الديار :

كرست حكومة الرئيس تمام سلام وحدتها واتفقت بالاجماع على البيان الذي كرس وحدتها، وجاء البيان توافقياً واكد على مضمون البيان الوزاري لجهة النأي بالنفس، ولم يكن على مستوى الهمروجة والتهديدات التي اطلقها الرئيس سعد الحريري ومطالبته ببيان عالي «اللهجة»، والسقف ضد ايران وحزب الله والا فان الحريري سيأخذ مواقف «جراحية» كاستقالة الوزراء او الاعتكاف او ما شابه من قرارات وعاشت البلاد اجواء توتر رافقت الساعات الخمس لمجلس الوزراء بانتظار ما سيصدر حيث جاء البيان مخالفاً كل التوقعات والهجمات التي سبقت اجتماع الحكومة واللافت ان البيان اخذ بملاحظات وزيري حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن اللذين رفضا صيغة «وقوف لبنان مع الاجماع العربي بالمطلق»، وتمسكا بصيغة الاجماع العربي في القضايا المشتركة التي حرص عليها لبنان دائماً، وتمت الموافقة على المقترح الذي قدموه، كما تحدثا عن وجود اطراف خارجية تمارس مواقف ضد مكون سياسي لبناني اساسي ووافق مجلس الوزراء على هذا الطرح لجهة رفض المس بأي مكون سياسي لبناني والحرص على المصلحة الوطنية اللبنانية بما يصون الوحدة الوطنية الداخلية والتمسك بالبيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية من ان علينا في هذه الاوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا، ان نسعى الى تقليل خسائرنا قدر المستطاع فلنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصن بلدنا تجاه الازمات المجاورة ولا تعرض سلمه الاهلي وامانه ولقمة عيشه للخطر.
حتى ان الوزير محمد فنيش هو من طرح زيادة فقرة بما يصون الوحدة الوطنية وتمت الموافقة عليها.
- رفض وزيرا حزب الله تجديد تكرار الادانة لما تعرضت له السفارة السعودية في ايران، واخذ مجلس الوزراء بهذا الرأي، حيث لم تصدر الادانة في البيان الرسمي، بل جاءت خلال رد الرئيس تمام سلام على اسئلة الصحافيين.
واكد عدد من الوزراء وتحديداً وزيري جنبلاط عدم المس باي مكوّن سياسي داخلي لكن في القضايا العربية المشتركة يجب اتخاذ مواقف.
وفي المعلومات، انه اضيفت على البيان الرسمي 3 فقرات:
- بما يصون الوحدة الوطنية «الفقرة 1»
- في القضايا المشتركة «الفقرة2»
- كذلك الدول الشقيقة والصديقة «الفقرة 3».


واللافت ان المواقف الحادة لوزيري حزب الله للمرة الاولى منذ تأليف حكومة الرئيس تمام سلام جعلت كل الاطراف تسعى للخروج «بصيغة توافقية» منعت الانفجار الداخلي لكن الرئيس تمام سلام لم يكن راضياً عن الصيغة. وظهر «متجهم الوجه» اثناء تلاوة البيان وكذلك وزراء المستقبل الذين طرح احدهم ان يكون النأي بالنفس مقتصراً على سوريا فقط.
الاتصالات التي جرت بين بروكسل وبيت الوسط وحارة حريك وكليمنصو عبر الوزير علي حسن خليل الذي اجرى اكثر من 50 اتصالاً هاتفياً، كما واكب الرئيس بري الجلسة «لحظة بلحظة»، ووافق على الصيغة النهائية للبيان بعد ان تلاه له الوزير علي حسن خليل، وقد وافق بري والحريري وحزب الله وجنبلاط والرئيس سلام على البيان قبل صدوره، في ظل حرص على عدم تفجير الحكومة وذهاب البلد الى المجهول.
علما ان النقاش حول البند الاول والقضايا المشتركة اخذ ساعة ونصفاً من النقاش وتركز على «كيف ويمكن ولماذا ومتى» كذلك تم احضار البيان الوزاري وقراءة النص المتعلق «بالنأي بالنفس».
لكن اللافت ان الرئيس تمام سلام ووزراء المستقبل و14 آذار طالبوا باعتذار من السعودية، وهذا الامر رفضه وزيرا حزب الله ولم يحصل الاعتذار ولم يرد اي كلمة اعتذار في البيان.
وقال احد الوزراء ان البيان ربط بين الاجماع العربي والواقع الداخلي اللبناني للحفاظ على الاجماع.
وقالت مصادر وزارية انه بعد المداخلة المطولة للرئيس سلام دخل النقاش مباشرة الى ما يشبه البيان - الصيغة الذي تلاه رئيس الحكومة. اضافت ان نقاشات مسهبة ومفصلة شارك فيها اكثرية الوزراء خاصة وزيري حزب الله تناولت عشرات المحطات في سياسة بعض الدول العربية حيال لبنان وبخاصة سياسة السعودية منذ حرب تموز وحتى الغاء هبة تسليح الجيش. واشارت المصادر الى ان المناقشات التي شهدت بعض الحدة عرض فيها كل فريق وزاري لرؤيته لموقع لبنان مما يحدث على الصعيد الاقليمي وما يتعلق بالاجماع العربي، وضرورة ان لا يمس مساهمة لبنان في هذا الاجماع بالوحدة الداخلية واستقرار البلاد.
واوضحت المصادر ان العديد من الوزراء خرجوا لاكثر من مرة من الجلسة واجروا اتصالات مع مرجعياتهم بخصوص ما يحصل من نقاشات وما هو مطروح حول الصيغة التي ستصدر عن جلسة مجلس الوزراء وبخاصة الوزراء علي حسن خليل ومحمد فنيش ووائل ابو فاعور. واشارت انه في ضوء هذه الاتصالات والنقاشات ادخلت العديد من التعديلات على فقرات البيان، من انه جرى اعادة صياغة العديد من العبارات بما يضمن موافقة كل المكونات عليها.

 

الجمهورية :

يُفترض أن يكون مجلس الوزراء قد رسم خريطة طريق لإعادة تطبيع العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية، بعدما اهتزّت نتيجة القرار السعودي بوقفِ هبة الأربعة مليارات من الدولارات المقدّمة لتسليح الجيش والقوى والأمنية اللبنانية. فقال لبنان بالإجماع ما لديه منتظراً ما سيكون عليه ردّ الرياض التي سيَزورها رئيس الحكومة تمّام سلام على رأس وفد وزاري، على أن ينتقل منها إلى بقيّة العواصم الخليجية. بعدما تجاوزَت قوى 14 آذار أمس الأوّل القطوع وأصدرَت بياناً جامعاً رفضَ الإساءة للملكة العربية السعودية، تجاوزت «حكومة المصلحة الوطنية» مطبّ اهتزاز العلاقات اللبنانية ـ السعودية، فأكدت في بيان بالإجماع التمسك «بالإجماع العربي في القضايا المشتركة» وجددت التمسك بسياسة النأي بالنفس، وكلفت رئيسها تمام سلام إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني.
فيما ناشد الرئيس سعد الحريري خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول الخليج عدمَ التخلي عن لبنان. في وقتٍ قال «حزب الله» بلسان وزيره محمد فنيش، ردّاً على سؤال حول زيارة وفد وزاري للمملكة: «عندما تعتذر السعودية لحزب الله نفكّر بزيارتها ضمن وفد».
وفي حين لم يفاجئ سقف بيان مجلس الوزراء أحداً لأنّ الحكومة بتركيبتها القائمة والتناقضات داخلها لا تستطيع اتّخاذ موقف أبعد منه، بقيَ التعويل على ان تتلقف المملكة هذا الموقف علّها تعيد النظر في موقفها.
إتّصال فرنسي ـ سعودي
وعلمت «الجمهورية» أنّ اتصالاً فرنسياً ـ سعودياً حصل في الساعات الاربع والعشرين الاخيرة لمعرفة مدى تمسّك الرياض بوقف الهبة العسكرية للبنان، وقد لاحظ الجانب الفرنسي انّ الامر قابلٌ للمعالجة.
وكان الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية رومان نادال قال ردّاً على سؤال خلال مؤتمر صحافي عَقده امس، حول وقف برنامج «دوناس» لمصلحة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية الذي تموّله السعودية: «نحن نواصِل حوارنا مع السلطات السعودية واللبنانية لبلوغ هدف حماية لبنان».
وأضاف: «إنّ التزام فرنسا إلى جانب لبنان لحمايته من تداعيات الوضع في المنطقة هو جزء من استراتيجيتنا في الشرق الأوسط. وهدف برنامج «دوناس» الذي تموّله السعودية، هو المساهمة في مدّ القوات المسلحة الوطنية للبنان بالعتاد لتمكينها من حماية البلاد بكل استقلالية».
سلام يباشر اتصالاته
وعبّرَ سلام مساء عن ارتياحه إلى نتائج جلسة مجلس الوزراء معتبراً أنّها كانت «قطوع ومرَق»، لافتاً الى انّ الجهود التي بُذلت لم تذهب هباءً. مكرراً «أنّنا امام محطة خطيرة لها تداعياتها على كلّ الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية في لبنان، ناهيك عمّا يتهدّد مصالح عشرات الألوف، لا بل مئات الألوف من اللبنانيين المقيمين في دول الخليج العربي وإماراته».
وأضاف: «إنّ مَن يستهين بحجم المخاطر التي يمكن أن تحصل قد يكون قرّر التعامي عن الحقائق أو أنه من غير المقيمين في لبنان ولا يتعاطى الشأن العام».
وقالت مصادر رئيس الحكومة لـ«الجمهورية» إنّه سيلتزم بما تقرّر في مجلس الوزراء وإنّه سيباشر الاتصالات الضرورية مع المراجع المعنية في السعودية ودول الخليج لترتيب المواعيد الخاصة بالجولة التي قرر مجلس الوزرء تكليفه القيام بها، رافضاً إلتزام أي مواعيد تتصل بالجولة، وإنّ كلّ شيء سيظهر في أوانه.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء قد أكد في بيان تلاه سلام «وقوفَ لبنان الدائم الى جانب إخوانه العرب، وتمسّكه بالإجماع العربي في القضايا المشتركة والذي حرصَ عليه لبنان دائماً». وجدّد تمسّكه بما ورد في البيان الوزاري لجهة التزام سياسة النأي بالنفس». وأكد ضرورة «تصويب العلاقة بين لبنان وأشقّائه وإزالة أيّ شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة».
ولفتَ سلام الى أنّ المجلس تمنّى على رئيسه «إجراءَ الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني لهذه الغاية».
وعبّرَ سلام عن إدانتِه واستنكارهِ بشدة ما تعرّضَت له سفارة المملكة العربية السعودية في إيران، وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية وكلّ الاتفاقات ومع كلّ ما يحمي البعثاتِ الدولية في الدول الأخرى.
وقال «إنّ المملكة هي أمّ الجميع وهي كبيرة الجميع، وبالتالي كنّا دائماً على حِرص أن يكون التواصل مع المملكة، ومن الطبيعي أن يكون أيّ تحرّك في هذا الإطار، وكما قلت في كلمتي لنبدأ بالمملكة العربية السعودية».
مخاض ولادة البيان
وقد دامت جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية والماراتونية نحو سبع ساعات، وغابَ عنها الوزير المستقيل أشرف ريفي، وخصّصت للبحث في تداعيات القرار السعودي. وولِد بيان المجلس بعد مخاضٍ دام أربع ساعات ونصف ساعة.
وعلمت «الجمهورية» أنّه بعد كلام سلام في مستهل الجلسة، أعربَت كلّ القوى السياسية على طاولة المجلس عن إرادةٍ بعدم انهيار الحكومة وأخذِ البلد الى التفجير والفراغ ، وجاءت المداخلات السياسية تحت سقف إقرار الجميع بضرورة الحفاظ على الاستقرار.
وبعدما أدلى كلّ بدلوِه، أعطى سلام وزير المال علي حسن خليل إشارة ببَدء العمل بمسوّدة البيان التي كان أعدّها رئيس الحكومة. وتحوّلت القاعات الجانبية في السراي الحكومي خلايا تواصل واتصالات لكنّ صيغة البيان كانت استقرّت في قاعة بدأ فيها العمل بين خليل ووزيرَي «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن.
وبعد نقاش تمّ التوصل الى تفاهم أوّلي. ثمّ انضمّ وزراء «المستقبل» إلى سلام وخليل وفنيش لمناقشة الصيغة التي تمّ التفاهم عليها. وخضَع البيان لتعديل وشطب وإعادة صوغ أكثر من مرة لكلّ فقرة وكلمة فيه، عبر اتّصالات أجراها خليل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو في الطائرة الى بلجيكا، وكذلك مع الحريري، الى ان تمّ التوصل الى صيغة ترضي الجميع وتعبّر عن وجهة نظر أساسُها الإجماع العربي من دون تعرّض أيّ مكوّن للخطر. وأصرّ برّي على ذِكر عبارة «صون الوحدة الوطنية».

اللواء :

«بيان التسوية» الذي أدلى به الرئيس تمام سلام، بوصفه ممثلاً للحكومة ومتكلماً باسمها، ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، وفقاً لما ينص عليه الدستور، كشف عن حرص لبناني غير قابل للأخذ والرد بالحفاظ على علاقاته العربية، ومع المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، على قاعدة وحدة الروابط والمصالح والانتماء، والوفاء للدور الريادي الذي لعبته المملكة ولا تزال في الوقوف بجانب لبنان، دعماً لوحدته الوطنية، ودعماً لمواجهة المخاطر التي يتعرّض لها، وحرصاً على استقراره السياسي والأمني والاقتصادي.
وأكد نجاح مجلس الوزراء في التوصّل إلى صيغة التسوية التي أعادت تصويب العلاقة بين لبنان واشقائه، وإزالة «أي شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الاخيرة»، على حدّ تعبير البند رابعاً من بيان مجلس الوزراء، اجتياز لبنان قطوعاً صعباً، استدعى جلسة ماراتونية بما لا يقل عن سبع ساعات، وابقى البلد واستقراره ووحدة قراره في «دائرة الامان»، الأمر الذي وصفه مصدر وزاري شارك في الجلسة «بالانجاز الوطني التاريخي»، وعلى قاعدة العقل اللبناني الذي ينتج التسويات على خلفية «لا غالب ولا مغلوب»،  وعلى قاعدة «وحدة المصالح اللبنانية والعربية، وتخفيض سقف الاندفاعات في لعبة المحاور الجارية وانعكاساتها السلبية على النسيج الداخلي اللبناني، والذي تعبر الحكومة، كسلطة إجرائية عن ضوابط تفاعله الداخلي ومع المحيط.
وبالتزامن مع قرار مجلس الوزراء الذي تمنى على رئيسه اجراء الاتصالات اللازمة مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وترتيب مواعيد جولة على هذه الدولة، على رأس وفد وزاري لبناني يحمل الموقف اللبناني الثابت بالوقوف إلى جانب المملكة ويطالب قيادتها بإعادة تقييم الموقف، انطلاقاً من التصحيح الذي قامت به الحكومة، والمواقف التي اعلنها رئيسها، وغالبية القيادات والشخصيات اللبنانية من مسؤولين وشخصيات سياسية وقادة كتل، وتأسيساً على ما صدر عن مجلس الوزراء السعودي أمس، وفيه «تأكيد على عدم التخلي عن الوقوف إلى جانب لبنان والاستمرار في مؤازرته، وأن المواقف المؤسفة (في إشارة إلى موقف وزير الخارجية جبران باسيل) وغير المبررة لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين، وتتجاهل كل المواقف التاريخية الداعمة للبنان خلال الأزمات التي واجهته اقتصادياً وسياسياً».
ومع ان مجلس الوزراء السعودي شدّد على ما أعلنه المصدر السعودي المسؤول بشأن وقف مساعدات المملكة بتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، فإنه أكّد ان المملكة تحرص دائماً على تعزيز العلاقة المميزة التي تربطها بالشعب اللبناني الشقيق، وعلى تعزيزها وتطويرها.
وإذ ذكّر المجلس بأن نصيب الجمهورية اللبنانية كان وافراً من الدعم والمساندة، لاحظ ان مواقف المملكة قوبلت بمواقف لبنانية مناهضة على المنابر الإقليمية والدولية، في ظل مصادرة ما يسمى بـ«حزب الله» اللبناني لإرادة الدولة، فضلاً عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها ما يسمى «حزب الله» في لبنان ضد المملكة العربية السعودية وما يمارسه من إرهاب في حق الأمة العربية والإسلامية (راجع الخبر في مكان آخر).
وثيقة التضامن
والمحطة الثانية في يوم الدعم اللبناني الطويل، كانت في إعلان الرئيس سعد الحريري من «بيت الوسط» عن «وثيقة التضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية الشقيقة»، في لقاء نُظّم مساء أمس، بعنوان «الوفاء للمملكة ومجلس التعاون»، حيث أكد الرئيس الحريري أن لبنان سيبقى وفياً لعروبته وأشقائه، ولن نسمح بسقوطه في الهاوية الإيرانية أو تسليمه لمشروع الفتنة وتقسيم المنطقة، مناشداً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه.
وتضمنت الوثيقة التي وقّع على نصّها الحضور، على أن تستكمل التواقيع لجمع أكثر من مليون توقيع، مناشدة الملك سلمان عدم التخلي عن لبنان، فضلاً عن البندين التاليين:
1- التزام لبنان شعباً ودولة واجبات الإجماع العربي.
2- رفض الحملات المشوّهة لصورة لبنان والمسيئة لعلاقاته الأخوية مع الأشقاء في السعودية ومجلس التعاون.
لقاء اليرزة
أما المحطة الثالثة، فكانت في دارة الرئيس ميشال سليمان في اليرزة والتي جمعته إلى الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط، حيث حضرت جلسة مجلس الوزراء ووثيقة التضامن مع المملكة في اللقاء، فضلاً عن الأداء غير الإيجابي للوزير باسيل.
وجرى في اللقاء التأكيد على العلاقات التاريخية والمصيرية مع المملكة والتمسك بإعلان بعبدا، وأكد الرئيس سليمان أن الإجماع العربي كان مطلباً لبنانياً منذ تأسيس الجامعة العربية، وعلاقاتنا مع السعودية قديمة وتتخطى الهبات، وعلى إيران أن تتفهمنا فنحن عرب وفي الجامعة العربية. في حين طالب جنبلاط بالالتفات إلى زيادة الدين والبطالة والعجز المالي، والنزول إلى مجلس النواب لانتخاب واحد من المرشحين الثلاثة، معتبراً أن الأمر سهل ولتكن لعبة ديموقراطية.
أما الرئيس الحريري فكرر الإشادة بالجهد الكبير الذي قام به الرئيس سلام، منتقداً موقف وزير الخارجية بعد جلسة مجلس الوزراء الذي اعتبر أن الوحدة الوطنية أهم من الإجماع العربي، واصفاً موقفه (أي باسيل) بأنه «تصرّف وكأن شيئاً لم يحصل، وهو داخل الجلسة لم يتكلم، وأن تعامله مع الدول غير مسؤول، وهذا مسيء للبنان إذا أكملنا بهذه الطريقة»، معتبراً أن «الخروج عن قرار الحكومة هو خطيئة بحق لبنان واللبنانيين».
جدل باسيل
وكان باسيل قد خرج عن الإجماع الوزاري الذي تمثّل بالبيان الذي أذاعه الرئيس سلام، فآثر أن يعقد مؤتمراً صحفياً، اعتبر فيه أن ما وصفه «بالصرخة السياسية المفتعلة التي تلت الموقف السعودي بوقف الهبة»، هدفه رخيص وداخلي (في إشارة إلى الاستحقاق الرئاسي)، وأعلن انحيازه إلى الوحدة الوطنية إذا خيّرنا بين الإجماع العربي والوحدة.
لكن الرئيس سلام ردّ عليه، عبر مكتبه الإعلامي، مؤكداً أن بيان مجلس الوزراء صدر بإجماع الوزراء المشاركين في الاجتماع بمن فيهم الوزير باسيل نفسه، معلناً أن أي خروج عن هذا النص هو من قبيل الاجتهاد الشخصي ولا يعبّر عن موقف لبنان الرسمي.
وأوضح بيان المكتب الإعلامي «أن عناوين السياسة الخارجية للبنان، وخصوصاً ما يتعلق منها بالعلاقات مع الدول العربية الشقيقة، حددت بوضوح لا لبس فيه في البيان الصادر عن مجلس الوزراء والذي تلاه رئيس مجلس الوزراء بوصفه المتحدث باسم الحكومة وفقاً لما ينص عليه الدستور».
غير أن باسيل عاد لاحقاً وأعلن تأييده لبيان مجلس الوزراء بكل مضمونه، غامزاً من سبب صدوره، مشيراً إلى أنه «يتفهّم أن الإجماع يتطلب خفض السقوف السياسية، مع أنه لم يكن يتوقع هذا القدر من الانخفاض السريع من قبل بعض أطراف الحكومة».
وبين كلام باسيل وردّ الرئيس سلام، دخل وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس على الخط مؤكداً من «بيت الوسط» أن باسيل حرص على ألا يغادر جلسة مجلس الوزراء إلا بعد الوصول إلى البيان النهائي كي لا يُساء التفسير، معلناً أن البيان صدر بالإجماع وبدون أي تحفظ، حتى أن وزير الداخلية نهاد المشنوق، عندما تحفّظ على نقطة واحدة اقتضى هذا الأمر إعادة البحث لمدة ساعتين ونصف الساعة إضافية».

الاخبار :

بعض المجتمعين في منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل كادوا يركعون ليتمكنوا من التوقيع على عريضة استجداء الرضى من النظام السعودي. كثيرون منهم انحنوا ليتمكنوا من نيل «شرف» التوقيع. فالعريضة بحجم حائط، وبعض الخانات التي يجب التوقيع فيها تكاد تلامس الأرض. الأسماء تُكتب بخط كبير، على أمل أن يراها صاحب سموّ ما، فيلطف بالموقعين، ويمنحهم عطفه ورضاه.

الحريري، المأزوم، استغل قرار الغضب السعودي على لبنان ليحاول تقديم فروض الطاعة لحكام البلد الذي يحمل جنسيته. بدا المشهد أمس في وادي أبو جميل شبيهاً بما ظهر في حفلات البيعة للملك السعودي وأولياء عهده، عندما ابتُدع أسلوب «حديث» للمبايعة، إذ يُنصب مجسّم للملك وأولياء العهد، ويقف خلف كل مجسّم رجل يمد يده من ثقب في المجسم، ويمرّ المبايعون ليصافحوا اليد الظاهرة من الصورة الكرتونية. الحريري فعل أمراً شبيهاً، لكن بلا يد خلف الكرتون أو الفلين.


صدر بيان مجلس الوزراء من دون تكرار إدانة التعرض لمقرّي البعثتين السعوديتين في إيران

 


بدا كمن وجد ضالة بحث عنها طويلاً. لم يدرك بعد سبب تركه بلا مال. وصلت أصداء الأزمة التي تمر بها إمبراطوريته (سعودي أوجيه) إلى خارج حدود مملكة الصمت، فنشر موقع «راديو فرنسا الدولي» أول من أمس تقريراً يتحدّث فيه عن عدم دفع الشركة رواتب موظفيها للشهر الخامس على التوالي (يبلغ عددهم نحو 56 ألف موظف). والموظفون الفرنسيون في الشركة رفعوا الصوت. بعضهم لم تُجدّد إقاماتهم، وبعضهم الآخر عاجز عن دفع أقساط مدارس أبنائه. ولا أحد يفهم سبب إقفال السعوديين «حنفية» المال عن الحريري. يفسّر سياسيون ذلك برغبة محمد بن سلمان في الاستحواذ على الشركة، التي تُعدّ الثانية من حيث الحجم في السعودية. فيما يقول آخرون إن الأمر متصل حصراً بالتقشف الذي يمارسه النظام السعودي، بسبب تكاليف حربه على اليمن ونتائج خفض أسعار النفط. فيما البعض يرى أن الأزمة سببها سوء إدارة وفساد في الشركة نفسها، من دون أي دوافع سياسية.
أياً كان السبب، فإن الحريري بحاجة إلى المال السعودي، وبدا أمس كمن يوقّع طلب استرحام مرفوع إلى «وليّ الأمر»، علّه ينظر إلى «مواطنه» بعين الرحمة. طلب الحريري، وجمعٌ من السياسيين وأصحاب الثروات، من اللبنانيين التوقيع على عريضة، «ترفض الحملات المشوهة لصورة لبنان والمسيئة لعلاقاته الأخوية مع أشقائنا في المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية»، وتناشد «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول مجلس التعاون الخليجي عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه».
الرفض والمناشدة وغيرها من عبارات الاستجداء كانت سيدة الخطاب «السياسي» اللبناني أمس. مجلس الوزراء أمس دُعي للانعقاد، وفي بال الداعي رفضٌ ومناشدة. أراد تيار المستقبل، وممثله في رئاسة الحكومة تمام سلام، أن يصدر المجلس بياناً بسقف عالٍ، يتضمّن ما يشبه الاعتذار من النظام السعودي عن المواقف التي تصدر ضده في لبنان، إضافة إلى إدانة ما تعرّضت له السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد من اعتداء على خلفية مجزرة الإعدامات بحق معتقلين في سجون النظام السعودي، كان أكثرهم شهرة الشيخ نمر النمر.
وبعد سجال طويل، ختم مجلس الوزراء جلسته ببيان تلاه سلام، تضمّن الصيغة التي اقترحها في اليوم السابق الرئيس نبيه بري. وهذه الصيغة تنص على «وقوفنا الدائم إلى جانب إخواننا العرب، وتمسكنا بالإجماع العربي في القضايا المشتركة».
كذلك نال رئيس الحكومة ما أراده: تكليفه «إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني لهذه الغاية». وشهدت الجلسة نقاشات طويلة بين ممثلي قوى 14 آذار الذين طالبوا بإدانة الهجوم على مقرّي البعثتين السعوديتين في إيران، ووزيري حزب الله اللذين رفضا تكرار الإدانة التي عبّرت عنها وزارة الخارجية أكثر من مرة؛ علماً بأن رئيس الحكومة عبّر في جلسة الحوار الوطني عن تأييده لموقف وزير الخارجية الذي أدان بلا أي لبس الحادثتين. وفي النهاية، صدر البيان بلا تكرار الإدانة.
وبعد الجلسة، اندلع سجال بين سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، الذي عقد مؤتمراً صحافياً ذكّر فيه بأن وزارة الخارجية سبق لها أن أدانت، أكثر من مرة، الهجوم على مقري البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في إيران. وردّ سلام على باسيل مذكّراً إياه بأن بيان مجلس الوزراء أمس صدر بإجماع الحاضرين، ومنهم وزير الخارجية، فردّ باسيل بأنه يؤيد رد سلام، مشيراً إلى أنه «لا يفهم سبب صدوره».
وعُقِد أمس اجتماع في منزل الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، حضره الحريري والنائب وليد جنبلاط الذي ذكّر بالعلاقة التي جمعت والده الراحل كمال جنبلاط بالملك السعودي فيصل في سبعينيات القرن الماضي.
وفيما ذكرت بعض المصادر أن الاجتماع هدف إلى التنسيق بشأن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في الثاني من آذار، إلا أن مصادر مطلعة على أجواء اللقاء أكّدت أنه لم يكن سوى دعوة من سليمان للحريري على العشاء ردّ له بها دعوته إلى الغداء الأسبوع الماضي.