يَعتقد فريق من القيادات السياسية أنّ جلسة الانتخابات الرئاسية الرقم 36 المقرّرة في 2 آذار المقبل قد تكون «مفصلية» بالنسبة إلى مصير هذا الاستحقاق. ويَبني هذه الفريق اعتقاده بـ»مفصلية» هذه الجلسة على ضوء عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، بعد غيابه الطويل، والمواقف الرئاسية التي يطلِقها، ومنها دعوته الجميعَ للنزول إلى مجلس النواب لانتخاب أحد المرشّحين الثلاثة؛ رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وعضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو، ملتقياً في هذه الدعوة مع موقفَي رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.

وفي هذا السياق يقول سياسيّون إنّ «مفصلية» الجلسة المقبلة مِن عدمِها، ستتحدّد في ضوء نتائج الاتصالات والمشاورات الجارية بين القيادات والمرجعيات السياسية من الآن وحتى موعد انعقادها، وإنْ كانَ البعض لا يَستبعد أن يكون مصيرها كسابقاتها من حيث عدمِ اكتمال نصابها القانوني والدستوري، على رغم إعلان الحريري أنّه سيَحضرها شخصياً على رأس كتلة «المستقبل».

والمطّلعون على موقف الحريري يقولون إنّ الرجل الذي عاد ليمارسَ مسؤولياته مباشرةً داخل تيّاره وبيئته وإلى جانب حلفائه أراد مِن الإعلان أنّه سيحضر جلسة الانتخابات الرئاسية والتصويت، وليفُز مِن المرشحين مَن يفوز، الإشارةَ إلى أنّه لم يعُد هناك مسألة «ميثاقية» في ما يتعلّق بانعقاد الجلسة والانتخاب يمكن أيّ فريق أن يتذرّع بها لعدم الحضور. ويضيف هؤلاء أنّ الحريري بهذا الموقف رمى الكرةَ في ملعب المرشّحَين عون وفرنجية، بل في ملعب فريق 8 آذار، مؤكّداً أنْ لا حراجة لديه في انتخاب من يتّفق عليه هذا الفريق منهما.

بَيد أنّ المعطيات الداخلية مشفوعةً بالمعطيات الإقليمية والدولية تشير إلى أنّ «طبخة» الاستحقاق الرئاسي لم تنضج بعد بأبعادها المختلفة، ويبدو أنّ هذا الأمر هو ما دفعَ برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى القول للمتحاورين في عين التينة أمس لدى طرحِ بعضِهم موضوع رئاسة الجمهورية الذي هو في الأساس البند الأوّل في جدول أعمال الحوار: «موضوع رئاسة الجمهورية يُعمَل له خارج الحوار وعينُ الله ترعاه».

لن تتوقّف اللقاءات المباشرة وحركة الموفدين بين برّي والحريري وجنبلاط، وبينهم وبين آخرين، والبعض سجّلَ لفرنجية أمس إثرَ زيارته الحريري تشديدَه على التفاهم المسبَق مع حلفائه في شأن الاستحقاق الرئاسي، وقد عدّ هؤلاء هذا الأمر إشارةً إلى أنّ الرجل الذي رشّحه الحريري ذاهبٌ إلى الحلفاء حاملاً إليهم ما توصّلَ إليه والحريري خلالَ لقائهما في «بيت الوسط»، ليبنيَ معهم على الشيء مقتضاه وتُحدَّد الخيارات، عِلماً أنّه أكّد أنّه لن يسحبَ ترشيحه لكي لا يحرجَ مَن رشّحه، إلّا في حال قرّر الحريري تأييدَ ترشيح عون.

لكنّ فريقاً من السياسيين يرى أنّ لبنان كان ولا يزال حتى إشعار آخر خارج أولويات القوى الإقليمية والدولية المؤثّرة عادةً في الاستحقاق الرئاسي، فالوضعُ المتفجّر على الساحة السورية والذي سيزداد تفجّراً في قابل الأيام والأسابيع، وربّما الأشهر المقبلة، ليس معلوماً بعد ما سيَفرزه من وقائع ومعطيات جديدة ستكون لها بالتأكيد انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على لبنان، ما يَعني أنّه لا يمكن تصوير المسألة الرئاسية

وكأنّها خلاف بين فريقَين لبنانيَين داخليين، وإنّما ترتبط عميقاً بمواقف القوى الإقليمية التي تتصدّرها المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الايرانية وسوريا، والقوى الدولية التي تتصَدّرها الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي والاتحاد الروسي، وهذه القوى مشتبكة بعضها مع بعض على ساحة المنطقة، وقد لا تظهر نتائج هذا الاشتباك العسكرية والسياسية قبل مطلع الصيف المقبل.

ويعترف هؤلاء السياسيون للحريري بأنّ عودته إلى لبنان حرّكت مياه الاستحقاق الرئاسي التي كانت راكدةً، وأحدثت حيوية ملحوظة في الواقع السياسي من شأنها أن تدفعَ جميعَ الأطراف إلى البحث في إنجاز هذا الاستحقاق، ولكنّ هذه العودة قد لا تفرز شيئاً عملياً في الظروف الراهنة طالما إنّ الصورة في الإقليم ما تزال غيرَ واضحة.

أحدُ المتحاورين خرجَ من جلسة الحوار أمس بانطباع مفادُه «أنّ جلسة الانتخابات الرئاسية في 2 آذار المقبل ستكون كسابقاتها، لأنّه لم ينضج بعد أيّ قرار بانتخاب أيّ رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، وليس عون أو فرنجية فقط، ولن «نقول فُول» إلّا عندما يَصدر القرار.. وهذا القرار لن يصدر قبل حزيران موعدِ انتهاء المرحلة الأولى من الحلّ الذي قرّره مجلس الأمن الدولي للأزمة السورية».