والآن ماذا سيفعل الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع بعد توافقِهما على إدارة الخلاف الرئاسي واستمرار التحالف ضمن 14 آذار؟ سؤال برَسم المرحلة المقبلة وصولاً إلى الثاني من آذار، حيث دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري المجلسَ النيابي إلى جلسة لانتخاب الرئيس، فيما لا يبدو أنّ أفقَ الرئاسة قد فُتِح، وسط احتمالات متدنّية لأيّ تغيير في مواقف الأطراف. تشير التوقّعات إلى أنّ أيّاً من العوامل التي أدّت إلى الفراغ الرئاسي، لم تتغيّر، وتجتمع هذه العوامل على استبعاد أيّ اختراق إيجابي يؤدّي إلى انتخاب الرئيس، وذلك وفقاً للاعتبارات الآتية:

أوّلاً: في ظلّ ما يجري في سوريا، من نزاع مستمر، ومِن محاولة للنظام وحلفائه لتغيير الوقائع العسكرية بمساعدة روسيّة جوّية، ومساندة إيرانية مباشرة، لا تبدو إيران وحليفها حزب الله في وارد «الإفراج» عن الانتخابات الرئاسية، أقلّه في انتظار تحقيق انتصار واضح في الميدان.

هذا الانتصار تريده إيران حاسماً لامتلاك اليدِ العليا في سوريا، ووضعِ المملكة العربية السعودية في وضعٍ صعب، وإفقادها أيّ ورقة مستقبلية في سوريا، ما يعني عودة الوضع الى ما كان عليه قبل العام 2001، وتكريس هيمنة ايرانية على القرار العراقي والسوري، وعندها فقط يصبح البحث في الملف اللبناني، قائماً على أساس موازين القوى الجديدة، التي تعني نَيلَ حزب الله مزيداً من المكاسب تصل الى حدّ العمل على تغيير بنية النظام، أو على الأقلّ تغيير موازين القوى جَذرياً داخل النظام في مرحلة أولى، عندها يمكن تصوّر فتحِ ملف الرئاسة بشروط حزب الله، مرفقةً بشروط موازية تطاوِل تشكيلَ الحكومة والقانون الانتخابي وغيرها من المكاسب.

ثانياً: لم ينجَح ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية، وترشيح الدكتور جعجع للعماد ميشال عون في إجبار حزب الله على الإفراج عن الانتخابات، ولم تكن هذه الخطوة التكتية للحريري وجعجع أكثرَ مِن زوبعة في فنجان حزب الله، الذي كان حاضراً لكلّ الاحتمالات بما فيها احتمال إغراقِه وإحراجه بترشيح حلفائه، فالحزب الذي استعدّ جيّداً لهذه الخطوة، استوعبَ ترشيح فرنجية وتركَ له حرّية القرار بالبقاء في السباق الرئاسي، كما تركَ لحليفه بري أن يستمرّ في تأييد «نور العين»، وبقيَ خلف ترشيح عون، من دون أن يُصاب بأيّ إحراج، بفِعل تسليطِه الضوءَ على رفض الحريري انتخابَ عون، وهو ما يَعني جنيَ مكاسب إضافية، جرّاء خلقِ مشكلة سنّية ـ مسيحية.

ثالثاً: لم يتمكّن لا الحريري ولا جعجع، من تشكيل قوّة ضغط حقيقية في وجه حزب الله، الذي يقف خلف ترشيح عون، وخلف استمرار فرنجية بترشيح نفسه، فالحزب يعرف جيّداً أنّ كلّاً مِن جعجع والحريري، لعبا في وجه بعضَيهما البعض، آخر ما تبقّى لهما من أوراق الاحتياط، فلا هما قادران على إحراجه، ولا هما قادران على التراجع عن التزامهما الترشيحات، وكانت الخلاصة الحقيقية لِما جرى، أنّ هديّة قيّمة وغير مشروطة أرسِلت للحزب من خصومه، الذين بدوا كأنّهم باتوا في وضعيّة «صفر اليدين»، في انتظار ما سيقرّر هو في الشأن الرئاسي توقيتاً لإجراء الانتخابات، واختياراً لاسم الرئيس.

وبعد، هل يمكن السؤال عن خيارات بديلة للّتي اعتمدَها كلّ مِن الحريري وجعجع، وهل يكفي الاتفاق على إدارة الخلاف الذي حصَل في معراب لمواجهة المرحلة المقبلة؟ وهل فَقد الطرفان القدرةَ على المناورة في مواجهة حزب الله إلى درجة انتظار ما سيقرّر الحزب في الملف الرئاسي وغيره من الملفّات؟

الأرجح أنّ القدرة على العودة إلى الوراء ولو قليلاً لم تعُد متوافرة لدى الرَجلين، فأيّ منهما ومنذ إعلان الترشيحين، لم يوجّه سؤالاً لمَن رشّحَه حول سبب امتناعه عن النزول إلى جلسة الانتخاب، أمّا حزب الله فيشاهد لامبالياً محاولات ضبطِه متلبّساً بالتسبُّب بالفراغ، ويَرمي الكرة في ملعب الحريري، تاركاً لخصومِه إطلاقَ النار العشوائي، الذي لا يصيب أيّ هدف.