طال غياب سعد الحريري عن لبنان، وطال الحديث عن ان ١٤ آذار بدأت تتفكك مع التناقضات بين أركانها ومع تراجع أو خفوت صوتها، وقت يعلو صوت التعالي على الدولة ومشروعها وعلى الدستور والقانون والسلطات التي تعطّل عمداً تعميقاً للفراغ الضارب في البلاد!
صحيح ان ١٤ آذار روح وقضية وطموح ومسألة حرية وسيادة وكرامة وحياة شعب، لكن كل عنوان من هذه العناوين يحتاج الى حضور وسهر وعمل ومثابرة، ومواجهة سياسية ووطنية لدرء الأخطار المتفاقمة والمنطقة نار متأججة على ما أشار الحريري في خطابه الجيد والصريح، الذي وضع نقاطاً ضرورية على حروف بدأت من الفراغ الرئاسي وانتهت بتصويب صورة موقف "تيار المستقبل" من الترشيحات الرئاسية مروراً بتورط "حزب الله" في سوريا وغيرها.
لهذا أقول إن أهم ما كان في ذكرى ١٤ شباط أول من أمس، ان يحضر سعد الحريري الى بيروت في المناسبة التي لها هذا البعد الوطني الفسيح، ثم ان يتنقل مصافحاً ومعانقاً رفاق درب ١٤ آذار، الذي خُيل الى البعض انه انفرط على خلفية الترشيحات الرئاسية التي اصطدمت بمقاولي الفراغ تفريغاً للدولة أمام الدويلة، وفي اطار محاولة مغرضة لاتّهام "تيار المستقبل" بتعطيل انتخاب الرئيس يروج لها من يريد للرئيس ان يكون "قطافاً نقطفه عندما يحين الاوان" ولو بنحر الدستور عبر تهريبة يبصم عليها المجلس!
إطلالة الحريري والعناقات ثم الخطاب الجامع، وهكذا يمكن روح ١٤ آذار ان تنبض وتتوثب، ويمكن الموقف ان يتضح، فهناك ثلاثة مرشحين للرئاسة ويمكن ان يكونوا أكثر لكن المطلوب احترام الدستور والنزول الى المجلس لانتخاب الرئيس، فلقد واظب "تيار المستقبل" وحلفاؤه على النزول ٣٥ مرة والذين هرّبوا النصاب يريدون نسف الدستور والجمهورية!
اذا كان سعد الحريري لم يتوان عن القول إنه يريد ان يبق البحصة، فقد كان عليه ان يبقها منذ زمن، ماذا دار بينه وبين ميشال عون ثم مع سليمان فرنجية، وكل ذلك على خلفية السعي الى إنهاء الفراغ المتراكم في الرئاسة الذي ينعكس شللاً في ادارات الدولة، وخصوصاً بعدما تعرقلت الفرص أمام سمير جعجع وعون وأمين الجميل، فكان لا بد من الحديث مع فرنجية، وبالتالي نحن امام ثلاثة مرشحين فتفضلوا الى المجلس وكفاكم اتهام الآخرين!
على سعد الحريري ان يبقى في البلد في "بيت الوسط" وبكثير من الصراحة والمحبة أقول له: الزعامة في الحضور غيرها بالمراسلة ولو من قرب، وخصوصاً لناحية ملحّة اشار اليها عندما دعا ١٤ آذار وفي مقدمها "تيار المستقبل" الى مراجعات نقدية داخلية، إذ ليس هناك ما ينهي أخطاء المستقبل إلا تصحيح أخطاء الماضي... وما أكثرها !