روَتْ لي جدتي رحمها الله , أنه قد عُيّن في إحدى قرى الجنوب اللبناني,  في النصف الاول من القرن الماضي  " مختارٌ ", وكان حدث السن , لا يتجاوز عمره حدّ الرشد القانوني , ولم يكن ذا خبرة بما وُكّل به , ولكن كان من عائلة ميسورة ووالده كان مغتربا وتاجرا ناجحا في الظاهر ,  وعلى أساس هذا التعيين الذي فاجأ أهل القرية , قد إضطربت  عائلاتها التي لا يخلو بيت منها إلا وفيه رجل متعلم , أو على الأقل رجل متمرّس في العمل الاجتماعي , وبقيت البلدة في حالة إضطراب بسبب ما قام به , المُختار المذكور من أعمال صبيانية أدّت إلى نشر الفتن بين الاهل والاقرباء والارحام , وعمّت الفوضى في البلد , إلى أن خرج  الناس الى الشوارع  بمظاهرة  إحتجاجية إستنكارية غاضبة  , تطالب السلطة المختصة بإقالة المختار , وإجراء إنتخابات محلية , يختار فيها الناس الاكفأ , والاقدر على حل مشاكل البلد , وتحمّل المسؤولية , وكان شعار المظاهرة يومها , " ما دام مختارك ولد لح تبقى الفوضى بالبلد " .

وبعد نصف قرنٍ ونيّف , عادت حليمة إلى عادتها القديمة , وما زال الحال في بلدنا يتقهقر إلى الوراء , وكل العالم يتقدم  إلى الأمام على كافة الصُعد , وما زال في بلادنا الوالي متعالي , وبينه وبين الناس حاجز من الصبيان والأولاد ,  يُعيّن مَن يشاء منهم , ويَعزل مَن يشاء منهم , ولا هم لهم غير تقديم  مصلحة الوالي أو الملك على مصلحة البلد وما فيها , من خلال سلطة شُكّلت على مقاس هؤلاء الصبيان وسلّطوا عليها ,مع بعض المراهقين في الحياة الاجتماعية السياسية  , كيف لا تعمّ الفوضى في البلد ما دام الزعيم ولدا ؟ .

مَنْ تصدّق , في حال كحال بلادنا التي تعم الفوضى فيها ,  الوالي أم الملك أم الولد , بأنهم يسعون إلى حلٍّ جاد وفيه مصلحة لنا  ؟ , ومَن تتهم الوالي أم الملك أم الولد  في تكريس الفوضى وتدمير البلاد والعباد من أجل السيطرة على السلطة والمال ؟ .

 فإذا إعتبرنا المثل الشعبي القائل : " خذوا أسرارهم من صغارهم " , هو المعيار لمعرفة الحقيقة السياسية , أو حقيقة  المشروع السياسي المرسوم والمخطط له , فيتبين معنا أن المُتهم الاول هو الوالي والملك , والزعيم الولد ما هو إلا واسطة تعبيرية عن مكنوناتهم , وعن اوامرهم , وعن مشروعهم السياسي , وعن مصلحتهم وحدهم , ويقتصر دوره على الإستماتة  في الدفاع عنهم , ولا نحتاج إلى دليل على ذلك  وعلى ما نقول , وتكفي حالة الاضطراب والتناقض في خطاباته ومواقفه , وعدم الانسجام بين كلامه وبين سلوكه السياسي , وما وصل إليه من جرأة في الحديث الصريح عن مصلحة مَنْ ولّاه وزعّمه قبل الحديث عن مصلحة بلده وشعبه , كيف تنتظر الناس حلّا   ما دام الحال على هذه الصورة  وكيف لا تبقى الفوضى في البلد .