لم يكن في حساب طهران أن "عاصفة الحزم" التي أطلقها الملك سلمان في اليمن، ستكون بداية مرحلة جديدة تضع حداً لمحاولات التدخل الإيرانية المتمادية، التي جعلت القادة في طهران يعلنون تكراراً في الأعوام الماضية ان ايران هي القوة المحورية الوحيدة التي يفترض ان تدير شؤون المنطقة!

صحيح ان طهران مضت بعيداً في سياستها الإقتحامية عبر تدخلها في شؤون المنطقة على ما هو ظاهر، سواء في السعودية عينها وتحديداً في المنطقة الشرقية او في العراق واليمن والبحرين والكويت ولبنان ومصر والسودان ومصر، ولكن صحيح ايضاً ان هناك حسابات ورهانات داخلية في طهران شجّعتها على المضي في هذه الممارسات الخطرة والعدائية، التي لم تكن تحسب انها يمكن ان تتحول إستنهاضاً واسعاً لموقف يؤلب العالم الاسلامي السني المترامي ضدها، على ما يحصل منذ إحراق السفارة والقنصلية السعوديتين في ايران، بعد اعدام المعارض السعودي نمر النمر الذي حاكمته الرياض على إنه رجل ارهابي حاول إشعال الفتنة المذهبية في البلاد.
وصحيح ان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد إستبعد ان تتحول الأزمة حرباً مباشرة بين السعودية وايران، اللتين تتحاربان اصلاً عبر الوكلاء المحليين، سواء كانت هذه الحرب عسكرية كما يحصل في اليمن حيث تنخرط طهران في دعم الحوثيين، أو سياسية وعسكرية كما يحصل في سوريا والى حد بعيد في العراق، أو سياسية تعطيلية كما يحصل في لبنان العاجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن صحيح أيضاً ان "عاصفة الحزم" بعد قطع العلاقات لن تتوقف بعد اليوم في امكنة كثيرة غير اليمن!
صحيح ايضاً ان هناك قوى دولية وإقليمية تحاول الدخول على خط الوساطة بين البلدين، ولكن الأصح ان الأمور لن تعود الى ما كانت، بمعنى أن تعود ايران الى إندفاعاتها في الاقليم، وان تقابل السعودية هذا بالسكوت والصبر والحلم ولو على مضض كما حصل مثلاً عندما حاولت ايران اغتيال عادل الجبير يوم كان سفيراً في واشنطن!
لقد حسِب القادة الإيرانيون ان مفاوضاتهم السرية في عُمان لمدة ثلاثة أعوام كانت بمثابة إشعال غربي للضوء الأخضر أمام عربداتهم الأقليمية، التي جعلتهم يقولون إنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية وانه يجب فتح الحدود من مشهد الى الناقورة، ولكنهم لم يحسبوا ان القادة السعوديين سيقلبون فعلاً هذه الحسابات رأساً على عقب، بمعنى انه اذا كانت طهران تتدخل عبر إثارة الأقليات الشيعية ضد الأنظمة داخل عدد من الدول العربية، ففي وسع الرياض ان ترد بإثارة كثير من الأنظمة والدول العربية والإسلامية ضد ايران، وهو ما لم يكن في حسابها على ما يبدو، بما يعني ان عاصفة سلمان إن هي إلاّ ثورة مضادة!