تأسس حزب الله اللبناني من أجل محاربة الوجود الإسرائيلي في لبنان، لكن بعدما خاض عدة معارك في مدن حلب وإدلب واللاذقية وحول دمشق، يقول مقاتلو الحزب إنهم ما عادوا يرغبون في التضحية بحياتهم من أجل حرب سوريا الدامية التي لا تنتهي.

ونتيجة لتقاعسهم عن التطوع لدعم حكومة الأسد، يقول المقاتلون – بحسب تقرير نشره موقع دايلي بيست الأميركي، الأربعاء 30 ديسمبر/كانون الأول 2015، إن الحزب قطع عنهم الموارد المالية مثل الرواتب والنفقات والمساعدات العائلية الدائمة، ولا سبيل لمعرفة الآتي.

تبعات سلبية على مقاتلي الحزب
وينقل “دايلي بيست” عن مقاتل، رفض ذكر اسمه الحقيقي نظراً لتجارته غير القانونية ومخاوفه من إيغار صدور رؤسائه بتصريحاته للموقع الأميركي الذي أطلق عليه اسم (عماد)، قوله إنه قرر العدول عن القتال بعدما فقد الأمل في الحرب السورية قبل 6 أشهر.

وكان “دايلي بيست” تحدث إلى (عماد) الذي يعيش في مزرعة ريفية صغيرة في سهل البقاع محاطاً بحقول الحشيش التي يزرعها، في أبريل/نيسان 2015، حين كان ماضياً في دعمه للأسد وقواته، تحدوه رغبة عارمة في الثأر من الجهاديين الذين أعدموا أحد أقربائه في الجيش اللبناني، والذي أُسِرَ في قرية عرسال اللبنانية.

أما الآن فلا تزال رغبته في الثأر حية، لكنه سئم الحرب ونفد صبره من قوات الجيش السوري.

(عماد) عزا رفضه العودة إلى صفوف القتال بقوله: “إننا عندما نسيطر على قرية ونسلمها لعهدة الجيش السوري لا يلبث إلا ويخسرها”.

وكان لقرار (عماد) التوقف عن المشاركة في العمليات العسكرية بسوريا في يونيو/حزيران 2015 تبعات سلبية، خاصة مع انقطاع المساعدات المالية التي كان يتلقاها من الحزب، وتوقف الخدمات الصحية التي كان يحظى بها مع عائلته، فضلاً عن دعم المحروقات والتدفئة.

شارك (عماد) في 6 حملات قتالية في سوريا كانت آخرها في حلب، غير أنه ليس مستعداً الآن لخوض معارك في الداخل السوري من جديد، بل يكتفي بمحاربة إسرائيل أو بتأدية الواجب الحربي على حدود لبنان مع سوريا، ومع ذلك يقول إن راتبه انقطع عنه كذلك.

جنازات الضحايا تثير سخط العائلات
وعلى حد قوله، فإن حزب الله يتعرض لضغط متزايد منذ الصيف نظراً لتزايد الإصابات واحتياجات النظام السوري.

أما حزب الله فإنه لا يفصح عن إحصائيات الضحايا في صفوف مقاتليه، ولكن جنازات مقاتليه المنطلقة من الضاحية الجنوبية – معقل تأييده في بيروت – كثرت وسط تزايد سخط عائلات المقاتلين في سوريا.

بالفعل فالصورة التي رسمها مقاتلو حزب الله الـ3 الذين أجرى “ديلي بيست” حواراً معهم أظهرت حرباً ضروساً تسيل فيها الدماء دون تحقيق إنجاز يُذكر.

ورغم شكوى عماد من انقطاع موارده المالية التي قصمت ظهر عائلته، خاصة تعليم أولاده، إلا أنه يرى في تجارة الحشيش الرائجة عوضاً عن ذلك.

فرغم أن المبيعات في سوريا انخفضت قليلاً في فصل الخريف، إلا أن تنظيمي “الدولة الإسلامية” (داعش) وجبهة النصرة لا يزالان يشكلان أحد أكبر العملاء، حيث تعتمد المجموعتان على مهربي عرسال لتأمين شحنات الحشيش اللبناني.

مقاتلون آخرون فرّوا من الحرب
وفقاً لما ذكره عماد أيضاً، فإن هناك 60 مقاتلاً آخرين من جنود الاحتياط في حزب الله قرروا التوقف عن المشاركة بالحرب في سوريا، وقطعت عنهم الرواتب والمساعدات والضمانات.

غير أن هناك آخرين عادوا مرة أخرى للمشاركة نظراً للضغوطات المالية؛ “لأن من لديه حلول أخرى للوضع المادي هو وحده الذي يقول كفى!”، بحسب (عماد).

وفي بلدة أخرى من بلدات البقاع يعيش جعفر – مقاتل آخر رفض ذكر اسمه الحقيقي خوفاً من عمل انتقامي ضده – في شقة متواضعة مع عائلته.

كان جعفر قد عانى إصابة شديدة في خاصرته عندما هوى فوقه حائط إثر سقوط صاروخ أطلقه المعارضون السوريون على المبنى الذي اتخذه قاعدة عسكرية في آخر حملة له بأطراف دمشق في يوليو/تموز 2015. وقتها قتل 3 من المقاتلين الـ7 الذين معه فيما جرح الـ4 الباقون.

مخاوف من إثارة العداوات
يقول جعفر إنه صارح قائده العسكري بعدم رغبته في القتال داخل سوريا أبداً بعد إصابته، لكن قائده أخبره بضرورة تأديته آخر حملة عسكرية ريثما تصدر أوامر النقل الجديدة.

بخاصرته المصابة، يجلس جعفر جلسة غير مريحة، مادّاً ساقه وسط مطبخ تعمّه الفوضى، ثم بنبرة كلها توجس وتخوف يقول جعفر: “لو أني رفضت الاستمرار قبل صدور قرار نقلي لتعرضت للمساءلة ولخلق ذلك حزازات وعداوات لي”.

ورغم أن جعفر سُني المذهب، إلا أنه انضم إلى كتائب حزب الله المقاومة عام 2000 (وهي قوات متطوعين من غير الشيعة) من أجل محاربة الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان.

منذ ذلك الوقت وهو مستمر في تأدية الخدمة العسكرية للحزب، التي شملت 15 حملة في سوريا، لكنه ما عاد يرغب في خوض حرب لا يرى طائلاً ولا مخرجاً منها.

يقول جعفر: “انضممت لأقاتل إسرائيل، فلماذا أموت في سوريا؟ إنها معركة خاسرة، لقد خسرنا الآلاف”.

كما وجّه جعفر اللوم للجيش السوري على إضاعة أراضٍ سيطر عليها حزب الله، غير أنه يرى في التدخل الروسي الداعم للأسد إشارة لا ريب فيها إلى العجز العسكري عن ربح الحرب التي تفاقمت لتصبح حرباً عالمية بالوكالة.

بصعوبة يلتف جعفر حول نفسه وسط شقته الصغيرة المزدحمة باحثاً عن بندقية الكلاشينكوف الخاصة به والتي حولها إلى قاذفة قنابل، ويتضح تماماً أن الرجل المصاب في خاصرته ليس في حالٍ تسمح له بالقتال حتى لو أراد ذلك.

لكنه بإعلانه عزمه عدم المشاركة في الحرب خسر كل التعويضات المادية المقدمة لعائلته منذ عودته من آخر حملة له بسوريا، لكنه مازال يحصل على تعويض طبي واحد ومحدد خاص بالإصابة التي تكبدها.

“أشعر كما لو أننا مرتزقة”
بمسحة حزن يتمتم جعفر: “أشعر كما لو أننا مرتزقة”، تعليقاً على معاملة حزب الله له ولغيره من جنود الاحتياط الذين أجهدتهم الحرب.

ويتابع قائلاً إن هناك مشكلة في حث المقاتلين على الذهاب إلى سوريا لأنهم ظنوها حرباً قصيرة الأمد، لكن نيران الحرب مازالت تستعر دون أن تخبو، ما يجعل المقاتلين يحجمون عن المتابعة.

نفي بقطع الإعانات
في المقابل، نفى قائد لـ5 وحدات مقاتلة من قوات حزب الله الخاصة في سوريا أية مزاعم بقطع الرواتب والمساعدات المالية لعائلات جنود الاحتياط الذين يختارون ترك القتال في سوريا.

ويقول القائد، الذي رفض ذكر اسمه: “حزب الله أكبر من ذلك”.

وبينما أنكر وجود أي ضغوط على حزب الله لزيادة عدد المقاتلين على الأرض، فقد رفض الإفصاح عن أي إحصاءات بشأن الضحايا.

وفي ضاحية بيروت الجنوبية ترفرف رايات حزب الله وتنتشر صور قائده حسن نصر الله إلى جانب صور الشهداء ونعواتهم.

“أحب زوجتي وأطفالي أكثر من سوريا”
جميع الأهالي يرون في حزب الله حامياً لهم، إلا أن نوعاً من الإحباط يسري في الجو.

وتحدث أبو أحمد (اسمه المستعار) لـ”دايلي بيست” قائلاً إنه كان يبكي كل ليلة من ليالي حملاته في سوريا، فضغطت العائلة عليه لتثنيه عن الحرب، فكان قراره بالانسحاب من الحرب العام الماضي.

وقال أبو أحمد المحارب العتيد المخضرم الذي خاض حروباً عديدة ضد إسرائيل منها حرب 2006: “بالنسبة لي فإنني أحب زوجتي وأطفالي أكثر من سوريا وفلسطين”.

الآن تغيرت نظرة أبو أحمد للحرب التي صارت في نظره “سباقاً للقوى العظمى”.

لطالما علل حزب الله دعمه للأسد بأنه يحمي لبنان من الجهاديين السنة القادمين إليه لا محالة، لكن عندما طرح “ديلي بيست” هذا السؤال على (أبوأحمد) على بعد بضعة كيلومترات فقط من مسرح تفجيرات انتحارية لداعش أودت بحياة 43 شخصاً في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، جاء رد (أبو أحمد) بارداً بلا اكتراث: “وليكن، فليأتوا إلى هنا. أنا ذاهب”.

 

(هافينغتون بوست)