إن القرآن الكريم هو المصدر الرئيسي للتشريع ،فالله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه، حيث يقول عز وجل  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وتأتي السنة في المرتبة الثانية بعد كتاب الله .فالقرآن الكريم وضع القواعد العامة والأصول والمبادئ لكل ما يحتاجه الإنسان في دنياه وآخرته ،غير أن السنة قد تكفلت بشرحها ،وبيان مجملاتها ، وتفريع الجزئيات على أصولها ومبادئها .

لكن هذه السنة بما تمثل من مرويات عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،وعن أهل البيت عليهم السلام   تعرضت لهزات عنيفة ، تمثلت بنقل الأحاديث عن الرسول والأئمة إلى الناس بعد تحريفها وخلطها بالباطل ،وإدخال آلاف النصوص الموضوعة التي وضعها الدجالون والغلاة وأصحاب الفرق السياسية الذين اندسوا بين أصحاب الأئمة عليهم السلام ووضعوا الباطل ليقضوا على هذا النهج الصالح منذ مطلع العهد الأموي ، وبما أن الفكر الديني يعتمد بشدة على النصوص الدينية المنقولة من جيل إلى آخر ،لا سيما النصوص الروائية بما تحمل من روايات ،بني على هذه الروايات عقائد وأصبحت جزءا من الالتزام الديني والمذهبي.

والمشكلة تكمن في أن هذه الأحاديث بعد أن تغلغلت في أمهات الكتب ،جاء المحدثون كالصدوق والكليني والطوسي والمجلسي وغيرهم ودونوا جميع الروايات والأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام دون تمحيص أو غربلة ،وبقيت تنتقل عبر العصور .

إن المشكلة الأساسية في أن هذه الروايات بها نصوص على غرار الإسرائيليات أبعدتنا عن جوهر الدين الحقيقي ،ثم جاء بعض الخطباء ووعاظ المنابر الذين لا يفقهون علم الرجال والأسانيد فاعتمدوا عليها ،وأخذوا يبثونها لجهلهم ببطلانها ،ولعاطفتهم الجياشة تجاه أهل البيت عليهم السلام ،ثم أخذت هذه النصوص الموضوعة تصبح أساسية في عادات الناس وأصبح من الصعب أن تقنع الناس أنها عقائد باطلة إلا بالدليل العلمي والعقلي ،لذا كانت مسؤوليتنا أن نستكمل خطوات كثيرة قام بها بعض العلماء والمحققين في محاولة لتعرية هذه العقائد الفاسدة وتوضيح بطلانها إلى الناس.

لقد ارتفعت في الوسط الشيعي على مر التاريخ أصوات كثيرة تدعوا إلى تنقية المذهب من العقائد والخرافات التي ألصقت به على مر العصور ،ولكن جماهير علماء الشيعة رفضوا هذه النداءات ،بل ووضعوا سدا منيعا في وجه كل شيعي عاقل يفكر في ركوب قطار التصحيح ،وصوروا للأتباع أن كل من ينتقد التشيع هو عدو لأهل البيت عليهم السلام ، ضال مضل مأجور للدولة الفلانية ،يتلقى منها الدعم المادي والمعنوي للقضاء على المذهب الحق ! وهكذا ساد الخوف في أوساط هؤلاء الأتباع من سماع أي صوت يدعو إلى المراجعة ،فلم تجد دعوات التصحيح على كثرتها آذانا صاغية إلا من القلة القليلة ممن تجردوا وصبروا على ترك الموروث والمألوف.

أنا أعرف أن هذه المواضيع تلامس عواطف الناس ،لارتباطها بالموروث ،ولكن إلى متى نبقى نعيش في عقائد مغلوطة وطقوس غريبة أحطناها بالقداسة وهي أبعد ما تكون عما مضى عليه أئمتنا عليهم السلام ؟! وأنا أعلم أن المتاجرين بالدين المشغولين دوما بحراسة مصالحهم ومراكزهم من غضب الحقيقة سيغضبهم هذا المقال ،وأعرف أن هذا المقال يسبح عكس التيار ،لكنني أثق أن هناك الكثير ممن يؤمن بما نؤمن ،ويعتقد أنه الصواب ، معتمدا على الله وحده ،ومستعينا به في جميع أموري مهتديا بقوله تعالى :(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ) (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ) مقتديا بقول الإمام علي عليه السلام : " لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم" (شرح نهج البلاغة، ج17ص5)  

" محمد حسين ترحيني"