منذ إعلان دولة لبنان الكبير 1920 ، وبعده إعلان الإستقلال عن الإنتداب الفرنسي 1943، لم يخرج هذا اللبنان من تحت إشراف أو احتلال أو وصاية دولة أو أكثر من دول القرار الفاعلة في المنطقة، وبقي أسير التدخلات الخارجية التي ترسم سياساته الداخلية .

هذه الوصايات (جمع وصاية ) كانت دائماً تأخذ أشكال متعددة ، بحسب الوصي ومصالحه وطريقة تفكيره وأسلوب إدارته وأنماط حكمه ، مع مراعاة دائمة لحجم مصالحة وإمكانية استعمال الملف اللبناني بما يخدم تطلعاته وحاجته إليه .

  طبعاً لا بد من التأكيد على بديهة لا مفر من ذكرها في هذا السياق بأنّ المسؤولية الأولى عن هذه الحالة يتحملها اللبنانيون أنفسهم بدرجات متفاوتة ، الأعلى في سلم المسؤوليات هي حتماً من نصيب الطبقة السياسية التي تعاقبت على حكم البلد وجعلت من نفسها على طول الحقبات المتعاقبة مجرد أدوات لخدمة المشاريع الخارجية على حساب المصلحة الوطنية . 

كنا نحن اللبنانيين نظن بأنّ أسوء هذه الوصايات التي عرفناها هي الوصاية السورية وبدون أيّ  منازع ، هذا الشعور استمر حتى الإنسحاب السوري 2005 ، وخضوع لبنان بعده للوصاية الإيرانية هذه المرة ، من خلال سيطرة حزبها عبر سلاحه وفائض القوة التي يملكها وتبعيته العضوية المعلن عنها جهاراً للجمهورية الإسلامية .

  لا شكّ أنّ مرحلة الوصاية السورية واحتلال نظام البعث للبنان عكس أبشع صورة لهذا النظام في إدارة شؤون البلد ، فتحكمت طبقة مافيوية وبأسلوب أقرب ما يكون إلى أساليب العصابات في كل مفاصل الدولة ، وعمدت بشكل أساسي إلى نهب ثروات البلد وسرقت المال العام والسطو الدائم على خزينة الدولة وإفراغها ليس فقط من مواردها بل كانت تلجأ إلى الإستدانة من أجل السرقة  ولكن والحق يقال ، إنّ عمليات السطو والسرقات كانت تمارس عبر قيام مشاريع إنمائية ، ومع حرص تلك الوصاية على المحافظة ولو بالحد الأدنى على هيكلية مؤسسات الدولة ، مع استمرار صوري لعمل الدوائر وعجلة آلية لإستيلاد السلطة، ولو بطرق ممسوخة كقوانين الإنتخابات أو تعيين الموظفين الكبار والصغار وما إلى ذلك ، بحيث لم نشهد طيلة الفترة السورية السوداء لأيّ تعطيل في المؤسسات الدستورية أو خروج وقح عن بنود الدستور بل أقصى ما كان يتبع هو اللعب على تلك البنود بمَا يخدم الأهداف المطلوبة سورياً وفي طليعتها كما قلنا استمرار الهيمنة واستمرار السرقة .

أمّا وقد وقعنا تحت الوصاية الإيرانية ، فقد صار جليّاً بأنّ ايران الولي الفقيه لا تقيم أيّ من الموازين لإعتبار أنّ لبنان دولة مستقلة ، وبالتالي فلا قيمة البتّة لا للدولة اللبنانية ولا للأنظمة اللبنانية ولا للدستور اللبناني ، فالإيراني لا ينظر للبنان إلاّ كونه ساحة من ساحات الصراع التي من خلالها يريد أن يبسط سلطانه على المنطقة ويؤكد من خلالها قوة نفوذه بالمنطقة .

إنّ لبنان في زمن الوصاية الإيرانية ، هو جزء من لعبة المنطقة وهو ورقة غير منفصلة بتاتاً عن مجريات الأحداث الإقليمية المشتعلة، وبالتالي فلا مجال لمقاربة أيّ شأن من الشؤون اللبنانية خارج السياق الذي وضعته فيه السياسة الإيرانية .

في الختام يمكن القول بلا تردد ، إنّ ما أحدثته الوصاية السورية من تجويف وتوهين لمؤسسات الدولة اللبنانية ، فإنّ الوصاية الإيرانية سوف تجعل منه أثراً بعد عين، لدرجة أن يأتي الوقت يقول فيه اللبنانيون  " رزق الله على أيام الوصاية السورية