تعرض الشيخ اللبناني عباس حايك خلال أسبوع بعد إطلالته على قناة الجديد ، إلى حملات إعلامية قاسية بسبب نقله قول محمد مصطفى راشد في أطروحته بأنّ الحجاب عادة وليس فريضة، مما دفعه إلى الظهور ثانية لتوضيح إنه كان في مقام النقل ، والمزيد من الإيضاح بأن! هناك نص قرآني يأمر النساء " وليضربن بخمرهن على جيوبهن".

وصلت الضغوط الموجهة إلى الشيخ عباس إلى درجة دفعت مناصريه أيضاً لأن يجدوا له طريقاً  للخروج من هذا المأزق ، عبر التأكيد على أنه يعتقد بأن الحجاب فريضة .

وهذا زميله السيد ياسر إبراهيم الذي كتب : " لم يتبن الشيخ عباس مقولة أن الحجاب ليس فريضة ، ولم يرفض ضرورة التشريع ، لأنه يعرف أن مسألة الحجاب هي مسألة إجماعية عند المسلمين ، أما قوله أنّ الحجاب عادة وليس فريضة فهو أراد نقل فكرة عن غيره ولم يتبناها ، ولو تسنى له الوقت الكافي لشرح ذلك ، إلا أن الوقت خانه وخان المستمع ".

يقر السيد إبراهيم بأن القول بفرض الحجاب مسألة إجماعية عند المسلمين ، ممّا يعني بأنّ من خالف هذا الإجماع فهو خارج عن الأمة الإسلامية ، وهذا الحكم قاس جداً لأنه يؤدي إلى تكفير من لا يقول بفرض الحجاب !

ولكنني أريد أن أنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى وهي ماذا  كان سيحدث لو قال الشيخ حايك بأنّ الحجاب ليس فريضة؟ هل إنّ هذا القول يُعدّ بدعة أم له سابقة؟

لا شكّ أن الحجاب بالمعنى السائد عبارة عن ستر الشعر وليس ستر البدن ، حيث إن ستر البدن مفروغ عنه ولكن هناك خلاف على أن تغطية الشعر فرض على المسلمة أم إنه من عادات المجتمع المسلم؟

إن أغلبية علماء المسلمين يرون بوجوب تغطية الشعر للمسلمة مستفيدين هذا الحكم من عبارة " وليضربن بخمرهن على جيوبهن" التي جاءت في الآية 31 من سورة النور.

ولكن هناك من يرى بأنّ هذه العبارة لا تدل على وجوب تغطية الشعر بالكامل ، لأن مبدأ الخمار ليس واضحاً .

ولكنني لا أريد هنا الدخول في تفاصيل الموضوع، بل أريد الإشارة إلى أن عالماً إيرانياً شيعياً معاصراً ذهب إلى القول بعدم وجوب تغطية الشعر للنساء، وهو الشيخ أحمد قابل الذي تُوفي قبل ثلاث سنوات وهو لم يكمل العقد الخامس من عمره .

إن الشيخ قابل أنجز رسالة فقهية متينة يثبت بأن ستر البدن فريضة ولكن ستر الرأس والرقبة مستحب شرعي وليس فريضة.

تعرضت هذه الرسالة الفقهية لردود علمية وفقهية وثقافية ولكن المؤلف وهو عالم ومجتهد في الفقه الإسلامي وتلميذ لآية الله الشيخ المنتظري حصل على إجازة الإجتهاد من أستاذه، لم يتعرض للإساءة حتى من قبل التقليديين من علماء الشيعة في إيران ، وهذا يُظهر مدى الانفتاح في الأوساط التقليدية الفقهية في إيران.

سبق النقاش على الحجاب، في حوزة قم العلمية ، النقاش على الموسيقى الذي كانت حرمته من المسلمات الفقهية عند علماء الشيعة منذ ألف سنة.

بطبيعة الحال موضوع الحجاب يختلف عن موضوع الموسيقى ولكنهما يشتركان في صرامة حكمهما حيث إن الأول كان وربما لا زال يُعتبر فريضة وعبادة ، والثاني كان يُعتبر محرّماً.

ربما لن يصل الحجاب إلى ما وصلت إليه الموسيقى من التغيير في حكمه عند الفقهاء ولكن يمكن لنا ولمجتمعاتنا أن نصل إلى مستوى من العقلانية والتفاهم، لا يقطع الطريق على أي جديد في ساحة الفكر والفقه.

وأخيراً أنصح الشيخ عباس بالذهاب إلى قم وحوزتها لاتقاء شرّ بعض أبناء طائفته الذين اتهموه بالهرطقة على نقله رأياً مخالفاً للسائد ، فكيف القول به، بينما يقول به فقهاء إيرانيون في مدينة قم منذ أعوام .